اغتنم فراغك قبل شُغلِك 2/2 • كلما ذهب منك يوم ذهب بعضك: وهناك من كبر سنه وانحنى ظهره ...
منذ 2025-05-20
اغتنم فراغك قبل شُغلِك
2/2
• كلما ذهب منك يوم ذهب بعضك:
وهناك من كبر سنه وانحنى ظهره ولديه من يعينه على أمر دنياه من مال أو ولد، وقد أنعم الله عليه مع تلك النعم بالفراغ، لكنه لا يعرف كيف يقضيه، فإلى من هذه حاله تفكَّر ملياً في تلك السنين التي قضيتها ولم يكن لك فيها حظ من الآخرة، تفكر كم أنت قريب من لقاء ربك، أما آن الأوان لك لتحرِّض أبناءك وأحفادك على البذل لدين الله ونصرته، أما آن الأوان لتقضي فراغك خالياً بالله بالدعاء لنفسك وللمسلمين المستضعفين ولعباد الله المجاهدين، أما آن أوان الانقطاع إلى الله والتقرب إليه بكل أنواع القُرب.
فإن كثيراً من الناس بلغوا من الكبر عتياً ثم تراهم يعيشون بعقل التائهين من الشباب الذين لا يفكرون بالموت وساعة السؤال والحساب، وهذا -والله- هو طول الأمل والهلكة بعينها، فأين أنت من قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]؟ قال الإمام البغوي: "وجاءت سكرةُ الموت: غمرتُه وشدتُه التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله، بالحق: أي بحقيقة الموت، وقيل: بالحق من أمر الآخرة حتى يتبيَّنه الإنسان ويراه بالعيان. وقيل: بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة. ويقال: لمن جاءته سكرة الموت، ذلك ما كنت منه تحيد: تميل، قال الحسن: تهرب. قال ابن عباس: تكره" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].
فاغتنم فراغك قبل أن تصير في قبرك، واغتنم صباحك فلربما لا تدرك مساءك، عن الحسن قال: "ابنَ آدم، إنما أنت أيام وكلما ذهب يوم ذهب بعضك" [الزهد لأحمد بن حنبل]، واقتد بأولئك الشيب الذين قدموا أشلاءهم في سبيل الله وسابقوا الشباب على الجنة لا على الدنيا.
• اغتنم ساعات فراغك:
إن هنالك صِنفاً من الأبرار كفاه الله -تعالى- مؤنة العيش فكان رزقه تحت ظل رمحه، فهو يستعمله في تنغيص عيش الكافرين ونصرة دين رب العالمين، ومن هؤلاء الموفَّقين أيضا من اكتفى في رباطه بأداء نوبة الحراسة في ساعات قليلة ثم يعود إلى فراغه الطويل، وتلك الأوقات هي نعمة للمجاهد قد لا يدركها، فلو استغلها بذكر الله وقراءة القرآن والدعاء أو المحافظة على النوافل أو ساعة تذكرة لإخوانه فيحرِّض بعضهم بعضاً، لكان في ذلك منفعة عظيمة وثبات عند لقاء الكفار ورفعة في الدرجات وزيادة في الحسنات.
فاعلم أيها المجاهد أن فراغك نعمة من الله فاغتنمها لئلا تكون من المغبونين، واجعلها ذخراً لك عند الله تعالى، فإن الله أعد للمجاهدين في الجنة مئة درجة، فدرجة المجاهد الذي يذكر الله -تعالى- ويتطوع في الصلاة ويقرأ القرآن ويجتهد في الحراسة والرباط والقتال ليست كدرجة المجاهد المرابط الذي لا يذكر الله إلا قليلاً، ويؤدي نوبة حراسته ثم يعود إلى فراغه الطويل.
فعلى المجاهدين المرابطين الصادقين أن يجتهدوا في فراغهم لنيل أعلى الدرجات ويعلموا أن ما بين الدرجة والدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض، وأن نعيم المنازل العلى أفضل وأكمل مما دونها، فلا يزهد المرابط في التزوُّد من العمل الصالح مع عظيم عمله الذي أخبر عنه النبي، صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتَّان) [رواه مسلم]، فأي فضل عظيم للمرابط الذي يُقتل فيجرى له عمله الذي شغل فراغه به؟ فعليك بقراءة القرآن وقيام الليل وغير ذلك من العبادات، واحرص على طلب العلم والتفقه في الدين وحفظ كتاب الله جل وعلا، فالفراغ الذي تعيشه ما بين نوبات الحراسة يغبطك عليه كثير من الصالحين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
2/2
• كلما ذهب منك يوم ذهب بعضك:
وهناك من كبر سنه وانحنى ظهره ولديه من يعينه على أمر دنياه من مال أو ولد، وقد أنعم الله عليه مع تلك النعم بالفراغ، لكنه لا يعرف كيف يقضيه، فإلى من هذه حاله تفكَّر ملياً في تلك السنين التي قضيتها ولم يكن لك فيها حظ من الآخرة، تفكر كم أنت قريب من لقاء ربك، أما آن الأوان لك لتحرِّض أبناءك وأحفادك على البذل لدين الله ونصرته، أما آن الأوان لتقضي فراغك خالياً بالله بالدعاء لنفسك وللمسلمين المستضعفين ولعباد الله المجاهدين، أما آن أوان الانقطاع إلى الله والتقرب إليه بكل أنواع القُرب.
فإن كثيراً من الناس بلغوا من الكبر عتياً ثم تراهم يعيشون بعقل التائهين من الشباب الذين لا يفكرون بالموت وساعة السؤال والحساب، وهذا -والله- هو طول الأمل والهلكة بعينها، فأين أنت من قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]؟ قال الإمام البغوي: "وجاءت سكرةُ الموت: غمرتُه وشدتُه التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله، بالحق: أي بحقيقة الموت، وقيل: بالحق من أمر الآخرة حتى يتبيَّنه الإنسان ويراه بالعيان. وقيل: بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة. ويقال: لمن جاءته سكرة الموت، ذلك ما كنت منه تحيد: تميل، قال الحسن: تهرب. قال ابن عباس: تكره" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].
فاغتنم فراغك قبل أن تصير في قبرك، واغتنم صباحك فلربما لا تدرك مساءك، عن الحسن قال: "ابنَ آدم، إنما أنت أيام وكلما ذهب يوم ذهب بعضك" [الزهد لأحمد بن حنبل]، واقتد بأولئك الشيب الذين قدموا أشلاءهم في سبيل الله وسابقوا الشباب على الجنة لا على الدنيا.
• اغتنم ساعات فراغك:
إن هنالك صِنفاً من الأبرار كفاه الله -تعالى- مؤنة العيش فكان رزقه تحت ظل رمحه، فهو يستعمله في تنغيص عيش الكافرين ونصرة دين رب العالمين، ومن هؤلاء الموفَّقين أيضا من اكتفى في رباطه بأداء نوبة الحراسة في ساعات قليلة ثم يعود إلى فراغه الطويل، وتلك الأوقات هي نعمة للمجاهد قد لا يدركها، فلو استغلها بذكر الله وقراءة القرآن والدعاء أو المحافظة على النوافل أو ساعة تذكرة لإخوانه فيحرِّض بعضهم بعضاً، لكان في ذلك منفعة عظيمة وثبات عند لقاء الكفار ورفعة في الدرجات وزيادة في الحسنات.
فاعلم أيها المجاهد أن فراغك نعمة من الله فاغتنمها لئلا تكون من المغبونين، واجعلها ذخراً لك عند الله تعالى، فإن الله أعد للمجاهدين في الجنة مئة درجة، فدرجة المجاهد الذي يذكر الله -تعالى- ويتطوع في الصلاة ويقرأ القرآن ويجتهد في الحراسة والرباط والقتال ليست كدرجة المجاهد المرابط الذي لا يذكر الله إلا قليلاً، ويؤدي نوبة حراسته ثم يعود إلى فراغه الطويل.
فعلى المجاهدين المرابطين الصادقين أن يجتهدوا في فراغهم لنيل أعلى الدرجات ويعلموا أن ما بين الدرجة والدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض، وأن نعيم المنازل العلى أفضل وأكمل مما دونها، فلا يزهد المرابط في التزوُّد من العمل الصالح مع عظيم عمله الذي أخبر عنه النبي، صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتَّان) [رواه مسلم]، فأي فضل عظيم للمرابط الذي يُقتل فيجرى له عمله الذي شغل فراغه به؟ فعليك بقراءة القرآن وقيام الليل وغير ذلك من العبادات، واحرص على طلب العلم والتفقه في الدين وحفظ كتاب الله جل وعلا، فالفراغ الذي تعيشه ما بين نوبات الحراسة يغبطك عليه كثير من الصالحين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR