خواطر مجاهد من ملحمة الموصل 4/5 • لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا: جاء الصباح على وقع صوت ...
منذ 2025-05-20
خواطر مجاهد من ملحمة الموصل
4/5
• لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا:
جاء الصباح على وقع صوت النذير أن هناك حركة غريبة بالجوار، وعند تجهزنا للخروج جاء أبو عبيدة وهو مجاهد تِقَنيّ بشوش الوجه، كان إذا داعب النسيم وجهه أضحكه، وكان عند أهله في إجازة ليوم واحد، ملابسه نظيفة وشعره مسرّح على غير عادة المرابطين، إذ يحول الانشغال بالرباط والقتال وفقدان الماء دون ذلك، شُعثٌ غُبرٌ.
قلت له: هل ودعت أهلك؟ قال: نعم، قلت لهم: هذا آخر لقاء بكم. فقد أوصيته قبل ذهابه لأهله أن يستودعهم الله ويقول لهم: لعلي لا أرجع، فقال: أبشر، وهو يتهلل ضاحكا.
صاح النذير أنَّ جرافة بدت واضحة أمامكم فعالجوها، فما كان من أبي عبيدة إلا أن ناداني أريد بازوكا (قاذفة) حتى أعالجها، فأعطيته فضربها فولَّت هاربة، فلم تمضِ إلا دقائق وناداني قائلا: المرتدون قدموا صنمهم الأبرامز، فاجلب لي بازوكا أخرى وسأضربها، بإذن الله.
أعطيته الإذن والبازوكا، بعدما أوصيته بإجراءات الأمان، لأنهم ما قدموها إلا لتضرب موضع انطلاق القذيفة الأولى، أخذت مكانا آخرا وهو يتحين ذاك الصنم ليحطمه، فناديته مازحاً بالكنية التي يلقبونه بها في بيته لما كان صغيرا: "يا فلان، بالقنابل اليدوية أخي... بالقنابل اليدوية"، في تعبيرٍ بيننا أنه في قتالنا للعدو يجب أن نكون في موضع يصله مدى قنابلنا اليدوية حيث لا رجعة، فضحك وقال: بالبازوكات، بإذن الله.
وما هي إلا لحظات حتى عم المكانَ الغبارُ والدخانُ والانفجاراتُ والإطلاقاتُ، فهرعنا لمكان أخينا، ووجدناه يلفظ أنفاسه الأخيرة بين الركام والنار ووجهه معفَّر بالتراب وقد بُترت إحدى رجليه وكُسرت الأخرى، فسحبناه علّنا نستطيع إسعافه، لكن المنية كانت أقرب له. لم نحزن عليه، لأنه لم يلفت وجهاً واستقبل دبابة العدو بصدره العاري، نحسبه والله حسيبه، لم نكترث أننا لم نمسح التراب من على وجهه فهناك من مسحه، نحسبه، ففي مصنف عبد الرزاق عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير الليثي، قال: "إذا التقى الصفان أهبط اللّه الحور العين إلى السماء الدنيا، فإذا رأينَ الرجل يرضينَ مقدمه، قلن: اللهم ثبته، فإن نكص، احتجبن منه، فإن هو قُتل، نزلتا إليه، فمسحتا التراب عن وجهه، وقالتا: اللهم عفِّر من عفَّره، وترِّب من ترَّبه".
لم نستطع أول الأيام دفنه لشدة المعارك وكثافة القصف، رحل الفارس المغوار أبو عبيدة ذو العرجة والبسمة والهمة والغيرة.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
4/5
• لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا:
جاء الصباح على وقع صوت النذير أن هناك حركة غريبة بالجوار، وعند تجهزنا للخروج جاء أبو عبيدة وهو مجاهد تِقَنيّ بشوش الوجه، كان إذا داعب النسيم وجهه أضحكه، وكان عند أهله في إجازة ليوم واحد، ملابسه نظيفة وشعره مسرّح على غير عادة المرابطين، إذ يحول الانشغال بالرباط والقتال وفقدان الماء دون ذلك، شُعثٌ غُبرٌ.
قلت له: هل ودعت أهلك؟ قال: نعم، قلت لهم: هذا آخر لقاء بكم. فقد أوصيته قبل ذهابه لأهله أن يستودعهم الله ويقول لهم: لعلي لا أرجع، فقال: أبشر، وهو يتهلل ضاحكا.
صاح النذير أنَّ جرافة بدت واضحة أمامكم فعالجوها، فما كان من أبي عبيدة إلا أن ناداني أريد بازوكا (قاذفة) حتى أعالجها، فأعطيته فضربها فولَّت هاربة، فلم تمضِ إلا دقائق وناداني قائلا: المرتدون قدموا صنمهم الأبرامز، فاجلب لي بازوكا أخرى وسأضربها، بإذن الله.
أعطيته الإذن والبازوكا، بعدما أوصيته بإجراءات الأمان، لأنهم ما قدموها إلا لتضرب موضع انطلاق القذيفة الأولى، أخذت مكانا آخرا وهو يتحين ذاك الصنم ليحطمه، فناديته مازحاً بالكنية التي يلقبونه بها في بيته لما كان صغيرا: "يا فلان، بالقنابل اليدوية أخي... بالقنابل اليدوية"، في تعبيرٍ بيننا أنه في قتالنا للعدو يجب أن نكون في موضع يصله مدى قنابلنا اليدوية حيث لا رجعة، فضحك وقال: بالبازوكات، بإذن الله.
وما هي إلا لحظات حتى عم المكانَ الغبارُ والدخانُ والانفجاراتُ والإطلاقاتُ، فهرعنا لمكان أخينا، ووجدناه يلفظ أنفاسه الأخيرة بين الركام والنار ووجهه معفَّر بالتراب وقد بُترت إحدى رجليه وكُسرت الأخرى، فسحبناه علّنا نستطيع إسعافه، لكن المنية كانت أقرب له. لم نحزن عليه، لأنه لم يلفت وجهاً واستقبل دبابة العدو بصدره العاري، نحسبه والله حسيبه، لم نكترث أننا لم نمسح التراب من على وجهه فهناك من مسحه، نحسبه، ففي مصنف عبد الرزاق عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير الليثي، قال: "إذا التقى الصفان أهبط اللّه الحور العين إلى السماء الدنيا، فإذا رأينَ الرجل يرضينَ مقدمه، قلن: اللهم ثبته، فإن نكص، احتجبن منه، فإن هو قُتل، نزلتا إليه، فمسحتا التراب عن وجهه، وقالتا: اللهم عفِّر من عفَّره، وترِّب من ترَّبه".
لم نستطع أول الأيام دفنه لشدة المعارك وكثافة القصف، رحل الفارس المغوار أبو عبيدة ذو العرجة والبسمة والهمة والغيرة.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR