حكم الشريعة لا حكم الجاهلية 2/2 • توحيد الله في التشريع والحكم: بيَّن الرسل -عليهم الصلاة ...

منذ 2025-05-23
حكم الشريعة لا حكم الجاهلية
2/2

• توحيد الله في التشريع والحكم:

بيَّن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- لأقوامهم ما يحبه الله ويرضاه من التوحيد والإيمان والأعمال الصالحة، وحذروهم مما يناقض ذلك من أنواع الكفر والشرك والفسوق والعصيان، ومما أوضحوه غاية الإيضاح قضية أن الحكم لله تعالى، فكما أن الله -تعالى- قد انفرد بالخلق فهو المنفرد بالأمر {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، ونزلت ثلاث آيات مكِّيَّات تنص على أنه {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57 / يوسف: 40، 67]، ومع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هو وأصحابه مستضعفين بمكة إلا أن الله -تعالى- أمره أن يجهر بأن هذا الدين العظيم جاء من عند الله ليحكم حياة الناس بكل تفاصيلها ولا يدعها لأهوائهم، فالتشريع حق خالص لله تعالى، وكما أنه لا شريك له في عبادته، فكذلك لا شريك له في حكمه، قال تعالى في العبادة:{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]، وقال في الحكم: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]، وفيها قراءتان متواترتان؛ {وَلَا يُشْرِكُ} بضم الكاف، إذ يخبر الله -تعالى- أنه لا يشركُ في حكمه أحداً من خلقه، والثانية {وَلَا يُشْرِكْ} ناهيا عن جعل الخلق له شريكاً في الحكم، وقال -تعالى- في سورة الجاثية: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18]، وبعض العلماء يسمونها سورة الشريعة لأن هذه الآية ذكرت فيها.

• توحيد الحكم والتشريع يدخل في أنواع التوحيد الثلاثة

أولا: دخوله في توحيد الربوبية: فالله -تعالى- هو الذي له الأمر، وهو الذي له حق الحكم والتشريع، فهذه من أفعال الله تعالى (وبينها عموم وخصوص) وهي من إفراده بالربوبية، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، تبارك أي كثر خيره وبره، فسبحانه من إله خالق قادر، يأمر بفعل الخيرات وترك الشرور الموبقات.

ثانياً: دخوله في توحيد الأسماء والصفات: فالله تعالى (هو الحَكَم وإليه الحُكْم) كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه النسائي وأبو داود في السنن.

وانظر إلى هذه الآية الكريمة: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114] كيف دلت على دخول الحكم بما أنزل الله في أنواع التوحيد الثلاثة، فالله -تعالى- هو الحَكَم بمعنى الحاكم وبمعنى الحكيم، فالحَكَم من أسمائه، والحُكْم من صفاته وأفعاله {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1]، وفي الآية استفهام إنكاري {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا}؟! فمن عرف عظمة الله وأسماءه الحسنى وصفاته العلى كيف يبتغي حكماً غير الله؟

ثالثاً: دخوله في توحيد الألوهية: فالتحاكم إلى شريعة الله عبادة تصرف لله وحده، والتحاكم إلى غيرها شرك أكبر، ومن تحاكم إلى غير شريعة الله فقد تحاكم إلى الطاغوت وآمن به والعياذ بالله، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60]، وإذا كان الإنسان لا يدخل الإسلام إلا إذا آمن بالله وكفر بالطاغوت فلا شك أن الذين يتحاكمون إلى الحاكم بغير الشريعة هم مؤمنون بالطاغوت بتحاكمهم إليه، ومن آمن بالطاغوت فليس بمسلم، نسأل الله الثبات على دينه.

• إما حكم الله وإما حكم الجاهلية

ليس بعد حكم الله الحكيم الخبير إلا أحكام الجاهلية الظالمة المظلمة، ومهما سمى البشر أحكامهم وقوانينهم فهي أحكام جاهلية تلعب بها أهواء الكفار، فلا يستقر لأهلها قرار، ولا يصلون بها إلى فلاح ديني ولا دنيوي. ولكن مَن الذي يعلم أن حكم الله هو أحسن الأحكام؟ إنه المؤمن الموقن{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

نسأل الله -تعالى- أن ينصر دولة الخلافة ويثبت ولاة أمورها وجنودها، وأن يكف بأس الذين كفروا، والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً