حقوق المساجد الحمد لله، أما بعد: كَتَبَ سَلْمَانُ الفارسيُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ يَا أَخِي ...

منذ 2018-05-03
حقوق المساجد
الحمد لله، أما بعد:
كَتَبَ سَلْمَانُ الفارسيُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ يَا أَخِي لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ [الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ] (السلسلة الصحيحة 716).
أيها المسلمون عباد الله: إن الله عز وجل جعل لنفسه في الأرض بيوتاً، يستقبل فيها زواره العباد، فيلقاهم ويلقونه في كل يوم خمس مرات، في أحب الأماكن إليه في الأرض، ألا وهي المساجد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا] (مسلم 671).
لهذا كان أول عمل يقوم به الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة بناء المسجد، ورغب في بناء المساجد في الأرض فقال صلى الله عليه وسلم [مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ] (البخاري 450).
والمسجد في الإسلام ليس للصلاة فقط، وإنما هو جامع لكل أمور الخير، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهز فيه الجيوش، ويعلم فيه الدين وأحكامه، ويقضي فيه بين المتخاصمين، ويلقى فيه الوفود لنشر الإسلام، بل وكان يربط فيه الأسرى، وكان المسجد بيتَ من لا بيت له على عهده صلى الله عليه وسلم.
فالمسجد يخرج منه الضابط قبل أن يخرج من الجامعة، ويخرج منه القاضي قبل أن يخرج من الجامعة، ويخرج منه الطبيب قبل أن يخرج من الجامعة، ويخرج منه المحامي، والمعلم، والمهندس، والمهني، والفلاح. فكل هؤلاء يتأهلون في المساجد قبل أن يتأهلوا في أماكن تعليمهم، فلو تربى هؤلاء تربية دينية صحيحة في المساجد لأصلحوا في أماكنهم، وعم الفلاح والخير على الأمة فهم تربوا في بيوت الله.
حقوق المساجد: المساجد لها علينا حقوق وآداب، يجب على المسلمين جميعاً رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، أن يراعوا في بيوت الله حقوقَها وآدابَها. فمن حقوقها:
1- أن نهتم ببنائها، ونراعي في بنائها الضوابط الشرعية:
فالآن يبنى الكثير من المساجد وقد خالفوا في بنائها الضوابط الشرعية، فيهتمون بتزيينها وتلوينها، وقد قال صلى الله عليه وسلم [مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى] (أبو داود 448).
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ [أَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ] (رواه البخاري معلقاً في باب بنيان المسجد)
ولأجل هذا أصبح الناس يتباهوْن بالمساجد، وهذا من علامات قرب الساعة، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم [لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ] (أبو داود 449).
قَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا.
ومن الضوابط في بنائها: ألا نتخذ القبور مساجد ولا نبني قبراً في المسجد، قال تعالى [وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا] (الجن 18). وقال صلى الله عليه وسلم [أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ] (مسلم 532).
وذكرت أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ للنبي صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَوها بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ] (البخاري 427).
2- أن نهتم بنظافة المساجد وتعطيرها: فإن كنا نهتم بنظافة بيوتنا وتعطيرها لاستقبال الضيوف، فمن باب أولى أن نهتم بنظافة ونزاهة بيوت الله تعالى. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا] (البخاري 415). ويقاس على ذلك تقليم الأظافر في المسجد وتركها فيه.
وكان في الصحابة رجل يقوم على تعطير المسجد فقط، وهو نُعَيْم بن عبد الله المُجَمِّرِ، فكان يبخر المسجد إذا قعد عمر على المنبر، وقد اشتهر بعمله هذا في المسجد.
فتعطير المساجد عمل طيب يؤجر عليه صاحبه.
ومن نظافة المساجد: ألا نُدخل فيها ما يسبب الروائح الكريهة، أو أن ندخلها وفينا ما يسبب الروائح الكريهة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم [مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا
يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ] (مسلم 564)
ويقاس على ذلك من كان فيه رائحة الدخان، ومن كان له عرق كثير، وأصحاب المهن التي لها رائحة مكروهة.
فكل هؤلاء وجب عليهم إزالة روائحهم قبل دخول المسجد.

الخطبة الثانية، الحمد لله وبعد:
3- أن ننزه المساجد عن أمور الدنيا: وذلك من عدة وجوه:
أولاً: أن نصونها من عبث الأطفال: صارت معظم مساجدنا كملعب وملهى عند الأطفال، لأنهم لا يعرفون حقَها وقدرَها، وإن دل ذلك فإنما يدل على تقصير الآباء والأمهات في تعليم أبنائهم حقوقَ المساجد، واحترامَها.
سُئِلَ الإمامُ مالك عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد؟
فقال: إن كان لا يعبث لصغره ويكف إذا نُهي فلا أرى بهذا بأسا، وإن كان يعبث لصغره فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد. (المدونة 1/195).
ثانياً: ألا نبيع فيها ولا نشتري: وقد أصبح ذلك مما تعم به البلوى في مساجد المسلمين في زماننا، وقد يغضب الناس من عامل المسجد إذا رفض أن يعلن عن بيعهم أو شرائهم. ولا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن البيع والشراء في المسجد فقال [إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ] (الترمذي 1321). وفي رواية ابن حبان [يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ] (صحيح ابن حبان 1650).
وكَانَ عَطَاءُ بْنَ يَسَارٍ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ، دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَكَ؟ وَمَا تُرِيدُ؟ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ، قَالَ: عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا. وَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ. (موطأ مالك 92).
ويقاس على ذلك كل ما يكون إعلاناً عن بيع وشراء كالنتائج والإعلانات التي تعلن عن تجارة أو غيرها. فكل ذلك وجب إزالته من المساجد.
ثالثاً: ألا نعلن فيها عن الملتقط أو الضال: فلا يصح أن نعلن في المساجد عن شيء وجدناه، ولا عن شيء ضاع منا، فقد نهى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقَالَ [مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا] (مسلم 568).
ومن هذا الحديث يتبين أنه يجب على من سمع من ينادي على شيء في المسجد أن يقول لا ردها الله عليك.
وعن بريدة، [أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ] (مسلم 569).
قد يحتج واحدٌ ويقول إذن لا ننادي على الميت في المسجد.
نقول احتجاجك مرفوض، لأن نعى الميت ورد فيه دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نعى شهداء مؤته في المسجد، قال أنس بن مالك [خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ] (البخاري 2798).
ونعى النجاشي ملك الحبشة للناس في المسجد، وخرج بهم فصلى عليه في مصلى الجنائز.
ونعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن على المنبر، قال سعيد بن المسيب: إني لأذكر يومًا نعى لنا عمر النعمان بن مقرِّن على المنبر. (ابن أبي شيبة 33898).
أيها المسلمون: يجب علينا أن نعرف حقوق المساجد علينا ونوفيها لها تعظيماً لله عز وجل. قال الله تعالى [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ] (الحج 30).

59df34c2e3914

  • 0
  • 0
  • 897

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً