الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 90 الافتتاحية: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه إن ...

منذ 2025-05-28
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 90
الافتتاحية:
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه

إن الثبات على طريق الهداية نعمة يُنعم الله بها على عباده المؤمنين، وإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها، كقلبٍ واحدٍ يصرِّفه حيث يشاء، حتى إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل.

ولما علم الله بسابق علمه القديم، وهو الخبير العليم، أنه سيكون في صفوف الذين آمنوا من يرتد عن دينه، أبلغهم -سبحانه- أن من يقع في ذلك فلن يضرّ الله شيئا، لأن الله هو الغني عن كل عباده، وهم الفقراء إليه، وأن ما كانوا عليه من الإيمان هو محض فضل منه _سبحانه- عليهم، هم زهدوا فيه، واختاروا الكفر عليه، فقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

وفي أوقات الفتن تزيغ قلوب كثير من الناس، فينقلبون على أعقابهم، ويرتدُّون على أدبارهم، فمنهم من يقعد عن الجهاد، ومنهم من يلحق بدار الكفر والردّة، ومنهم من يؤول به الأمر إلى إرادة الكفر وتفضيله على الإيمان، مفضلا الدنيا على الآخرة، والقليل الفاني على الكثير المبارك الباقي، وهذا ما رأيناه مرارا في تاريخ هذه الدولة الإسلامية المباركة في عمرها القصير المتخم بالملاحم والأحداث، والفتن والابتلاءات.

فبعد إعلان قيام الدولة الإسلامية قبل عقد من الزمان، وخروج الصحوات المرتدة لقتالها في العراق، واشتداد وطأة الصليبيِّين، ضاقت الأرض بالمؤمنين، بل ضاقت عليهم أنفسهم، حتى بلغ بهم الأمر مبلغه، فصاروا بين أسير وشهيد، أو ملاحق وطريد، هنالك، قعد كثيرون عن الجهاد، فآثروا السلامة ومحبة المال والولد، وارتد آخرون عن الإسلام فآثروا العشيرة والبلد، وكلهم يحسب أن الدولة الإسلامية قد انتهت، فأهلكوا أنفسهم، ولم يضرّوا الله شيئا، وأمدّ -سبحانه- الدولة الإسلامية بآلاف من المجاهدين من المهاجرين والأنصار في الشام، بعد أن باتت ساحة جديدة من ساحات جهاد جنودها.

ثم رأينا الأمر يتكرر عندما خرجت الصحوات في الشام، فنقض الكثيرون بيعاتهم، ونكثوا عهودهم، فمن الناكثين لبيعاتهم من غلبت عليه الشبهات، وأطاع علماء السوء المضلين، فقعد عن قتال المرتدين، وألقى السلاح، وعاد أدراجه، راجعا عن هجرته، عاصيا لإمامه، ومنهم من غلبت عليه الشهوات، فانحاز إلى صف الكفار، مقدّما الولاء للأرض والعشيرة، على الولاء لله والدين، وكلهم يحسب أن فتنة الصحوات لن تنجلي إلا عن نهاية محتَّمة للدولة الإسلامية، فخيب الله ظنونهم، وكتب الله لها العز والتمكين، وأمدّها بعشرات الآلاف من الموحدين، وخاصة بعد أن كسرت الحدود، وأعادت الخلافة، بل ورأينا كثيرا ممن انتكس سابقا في العراق والشام، يعود تائبا يطلب الرجوع مجاهدا في صفوفها، ومقاتلا تحت لوائها، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون.

واليوم نرى قوافل المنتكسين ترحل من جديد، تاركة جماعة المسلمين، خوفا من أذى المشركين، وطمعا في حياة لا تسرّ الصالحين، بل زاد كثير منهم على جرائم نكث البيعة والتولي يوم الزحف، والسفر إلى ديار الكفر، أن صار يطعن في الدولة الإسلامية ومنهجها، وأمرائها وجنودها، وذلك ليبرر نكوصه على عقبيه، وتخاذله عن نصرة الإسلام، وحماية بيضة المسلمين.

وقد كان هؤلاء يعيشون في ظل الدولة الإسلامية، ويتذوقون طعم العزة بانتمائهم إلى صفوف جندها، ويتنعَّمون بأمنها وخيراتها، ويأكلون من بيت مال المسلمين، ونالوا من حظوظ الدنيا فيها ما نالوا، حتى إذا شعروا أن هذه الحظوظ باتت مهدَّدة، وأنه لم يعد أمامهم من البذل والجهاد مفر، فضَّلوا اللحوق بديار المشركين على الجهاد في سبيل الله رب العالمين، وهم يحسبون كمن سبقهم في طريق الخزي والعار، أن أمر الدولة الإسلامية إلى زوال، وأن الناجي من سبق في القفز من مركبها إلى أي مركب آخر، حتى لو كان في فعله هذا إحباط للعمل وتضييع للدين.

ولن يمرّ وقت طويل -بإذن الله- حتى يستبدل الله بهم أقواما خيرا منهم، يحبهم الله ويحبونه، رؤفاء رحماء على المؤمنين، غلاظًا أشداء على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله كما أراد الله، ولا يخشون في دينهم لومة لائم، ولا غضبة حاقد، فيفتح الله على أيديهم كما فتح على أيدي الذين من قبلهم، ويصبح الذين ظنوا بالله ظن السوء على ما أخفوا في أنفسهم أو أظهروا نادمين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

6735978f52408

  • 0
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً