الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (2) [1/4] تكلمنا -بفضل الله- في القسم الأول من هذه ...
منذ 2025-05-28
الغنيمة والفيء والاحتطاب
مسائل وأحكام (2)
[1/4]
تكلمنا -بفضل الله- في القسم الأول من هذه المقالة عن بعض أحكام الأموال التي تؤخذ من أهل الحرب، وبيّنّا حكم أموال الكفار المحاربين، وفرّقنا بين ما يؤخذ منها على وجه الفيء والغنيمة، وما يؤخذ منها على وجه التلصص والاحتيال، وذكرنا مذاهب الفقهاء في تخميس الأموال التي يحتطبها المسلمون من الكفار في دار الحرب.
ونتابع في هذا القسم -بإذن الله- الحديث في هذا الباب، لنتكلم في مسائل تخميس الغنيمة والفيء، ونبيّن حقيقة الأمان الذي يعطيه المسلم للكافر، ويمنعه من أخذ ماله، ونرد على شبهات أهل الضلال في هذا الباب، سائلين المولى -عز وجل- الهداية والسداد.
التقسيم فيما أُخذ من أهل الحرب:
الغنيمة:
قال الله تعالى: {واعلمُوا أنّما غنمتُم من شيءٍ فأنّ للّه خُمُسهُ وللرّسُول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كُنتُم آمنتُم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفُرقان يوم التقى الجمعان واللّهُ على كُلّ شيءٍ قديرٌ} [الأنفال: 41].
فالأخماس الأربعة من الغنيمة هي للمجاهدين الغانمين، والخمس المتبقي هو للأصناف المذكورة في آية الغنيمة في سورة الأنفال، وهذا الخمس المتبقي يقسم على خمسة أسهم، قال الإمام أحمد، رحمه الله: "خُمس الله والرسول واحدة، ولذي القربى سهم، وهم قرابة النبي، صلى الله عليه وسلم؛ وهم بنو هاشم وبنو المطلب، لم يقسمه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا فيهم، لليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم" [مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله بن أحمد].
مصرف سهم الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم
يُصرف سهم الله والرسول صلى الله عليه وسلم -على الأصح- في الخيل والسلاح ومصالح المسلمين، قال ابن قدامة: "إنما أضافه الله -تعالى- إلى نفسه وإلى رسوله، ليُعلم أن جهته جهة المصلحة، وأنه ليس بمختص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيسقط بموته" [المغني].
الفيء:
بيّن الله -سبحانه وتعالى- المواضع التي يُصرف فيها الفيء في سورة الحشر: {ما أفاء اللّهُ على رسُوله من أهل القُرى فللّه وللرّسُول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل كي لا يكُون دُولةً بين الأغنياء منكُم وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهُوا واتّقُوا اللّه إنّ اللّه شديدُ العقاب * للفُقراء المُهاجرين الّذين أُخرجُوا من ديارهم وأموالهم يبتغُون فضلًا من اللّه ورضوانًا وينصُرُون اللّه ورسُولهُ أُولئك هُمُ الصّادقُون * والّذين تبوّءُوا الدّار والإيمان من قبلهم يُحبُّون من هاجر إليهم ولا يجدُون في صُدُورهم حاجةً ممّا أُوتُوا ويُؤثرُون على أنفُسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يُوق شُحّ نفسه فأُولئك هُمُ المُفلحُون * والّذين جاءُوا من بعدهم يقُولُون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقُونا بالإيمان ولا تجعل في قُلُوبنا غلًّا للّذين آمنُوا ربّنا إنّك رءُوفٌ رحيمٌ} [الحشر: 7 - 10].
واختلف أهل العلم هل يُخمّس الفيء أو لا يُخمّس، وسبب الخلاف هو أن الآية السابعة من سورة الحشر ذكرت الأصناف ذاتها التي ذكرها الله -تعالى- في آية الغنيمة في سورة الأنفال، فأخذ فريق بظاهر الآية مع العلم أن الله -تعالى- لم يذكر الخمس كما ذكره في آية الأنفال، وفريق ذهبوا إلى قول عمر -رضي الله عنه- لما قرأ قول الله -تعالى- في الآيات المذكورة أعلاه: "هذه استوعبت المسلمين"، فذكر هذه الأصناف على وجه الاستيعاب لا على وجه تخصيص هؤلاء المذكورين في الآية السابعة من سورة الحشر بخمس الفيء.
قال ابن قدامة: "وظاهر المذهب أنه لا يُخمّس، لقول الله تعالى: {وما أفاء اللّهُ على رسُوله منهُم فما أوجفتُم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} [الحشر: 6]... الآيات. فجعله كله لجميع المسلمين. قال عمر -رضي اللّه عنه- لما قرأها: هذه استوعبت المسلمين، ولئن عشت ليأتين الراعي -وهو بسرو حمير- نصيبُه منها لم يعرق فيها جبينه" [الكافي في فقه الإمام أحمد].
وذهب ابن قدامة إلى أن الفيء يُخمّس، فخمس الفيء لمن ذكر الله -تعالى- في آية الغنيمة في سورة الأنفال وآية الفيء في سورة الحشر، والأخماس الأربعة المتبقية من الفيء لجميع المسلمين على الترتيب الذي ذكره في كتاب الكافي فقال: "يبدأ فيه بالأهم فالأهم، وأهم المصالح كفاية أجناد المسلمين بأرزاقهم، وسد الثغور بمن فيه كفاية، وكفايتهم بأرزاقهم، وبناء ما يحتاج إلى بنائه منها، وحفر الخنادق، وشراء ما يحتاج إليه من الكراع والسلاح، ثم الأهم فالأهم من عمارة القناطر والطرق والمساجد، وكري الأنهار، وسد البثوق، وأرزاق القضاة، والأئمة، والمؤذنين، ومن يحتاج إليه المسلمون، وكل ما يعود نفعه إلى المسلمين، ثم ما فضل قسمه على المسلمين، لما ذكرنا من الآية، وقول عمر، رضي اللّه عنه" [الكافي في فقه الإمام أحمد].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
مسائل وأحكام (2)
[1/4]
تكلمنا -بفضل الله- في القسم الأول من هذه المقالة عن بعض أحكام الأموال التي تؤخذ من أهل الحرب، وبيّنّا حكم أموال الكفار المحاربين، وفرّقنا بين ما يؤخذ منها على وجه الفيء والغنيمة، وما يؤخذ منها على وجه التلصص والاحتيال، وذكرنا مذاهب الفقهاء في تخميس الأموال التي يحتطبها المسلمون من الكفار في دار الحرب.
ونتابع في هذا القسم -بإذن الله- الحديث في هذا الباب، لنتكلم في مسائل تخميس الغنيمة والفيء، ونبيّن حقيقة الأمان الذي يعطيه المسلم للكافر، ويمنعه من أخذ ماله، ونرد على شبهات أهل الضلال في هذا الباب، سائلين المولى -عز وجل- الهداية والسداد.
التقسيم فيما أُخذ من أهل الحرب:
الغنيمة:
قال الله تعالى: {واعلمُوا أنّما غنمتُم من شيءٍ فأنّ للّه خُمُسهُ وللرّسُول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كُنتُم آمنتُم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفُرقان يوم التقى الجمعان واللّهُ على كُلّ شيءٍ قديرٌ} [الأنفال: 41].
فالأخماس الأربعة من الغنيمة هي للمجاهدين الغانمين، والخمس المتبقي هو للأصناف المذكورة في آية الغنيمة في سورة الأنفال، وهذا الخمس المتبقي يقسم على خمسة أسهم، قال الإمام أحمد، رحمه الله: "خُمس الله والرسول واحدة، ولذي القربى سهم، وهم قرابة النبي، صلى الله عليه وسلم؛ وهم بنو هاشم وبنو المطلب، لم يقسمه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا فيهم، لليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم" [مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله بن أحمد].
مصرف سهم الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم
يُصرف سهم الله والرسول صلى الله عليه وسلم -على الأصح- في الخيل والسلاح ومصالح المسلمين، قال ابن قدامة: "إنما أضافه الله -تعالى- إلى نفسه وإلى رسوله، ليُعلم أن جهته جهة المصلحة، وأنه ليس بمختص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيسقط بموته" [المغني].
الفيء:
بيّن الله -سبحانه وتعالى- المواضع التي يُصرف فيها الفيء في سورة الحشر: {ما أفاء اللّهُ على رسُوله من أهل القُرى فللّه وللرّسُول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل كي لا يكُون دُولةً بين الأغنياء منكُم وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهُوا واتّقُوا اللّه إنّ اللّه شديدُ العقاب * للفُقراء المُهاجرين الّذين أُخرجُوا من ديارهم وأموالهم يبتغُون فضلًا من اللّه ورضوانًا وينصُرُون اللّه ورسُولهُ أُولئك هُمُ الصّادقُون * والّذين تبوّءُوا الدّار والإيمان من قبلهم يُحبُّون من هاجر إليهم ولا يجدُون في صُدُورهم حاجةً ممّا أُوتُوا ويُؤثرُون على أنفُسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يُوق شُحّ نفسه فأُولئك هُمُ المُفلحُون * والّذين جاءُوا من بعدهم يقُولُون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقُونا بالإيمان ولا تجعل في قُلُوبنا غلًّا للّذين آمنُوا ربّنا إنّك رءُوفٌ رحيمٌ} [الحشر: 7 - 10].
واختلف أهل العلم هل يُخمّس الفيء أو لا يُخمّس، وسبب الخلاف هو أن الآية السابعة من سورة الحشر ذكرت الأصناف ذاتها التي ذكرها الله -تعالى- في آية الغنيمة في سورة الأنفال، فأخذ فريق بظاهر الآية مع العلم أن الله -تعالى- لم يذكر الخمس كما ذكره في آية الأنفال، وفريق ذهبوا إلى قول عمر -رضي الله عنه- لما قرأ قول الله -تعالى- في الآيات المذكورة أعلاه: "هذه استوعبت المسلمين"، فذكر هذه الأصناف على وجه الاستيعاب لا على وجه تخصيص هؤلاء المذكورين في الآية السابعة من سورة الحشر بخمس الفيء.
قال ابن قدامة: "وظاهر المذهب أنه لا يُخمّس، لقول الله تعالى: {وما أفاء اللّهُ على رسُوله منهُم فما أوجفتُم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} [الحشر: 6]... الآيات. فجعله كله لجميع المسلمين. قال عمر -رضي اللّه عنه- لما قرأها: هذه استوعبت المسلمين، ولئن عشت ليأتين الراعي -وهو بسرو حمير- نصيبُه منها لم يعرق فيها جبينه" [الكافي في فقه الإمام أحمد].
وذهب ابن قدامة إلى أن الفيء يُخمّس، فخمس الفيء لمن ذكر الله -تعالى- في آية الغنيمة في سورة الأنفال وآية الفيء في سورة الحشر، والأخماس الأربعة المتبقية من الفيء لجميع المسلمين على الترتيب الذي ذكره في كتاب الكافي فقال: "يبدأ فيه بالأهم فالأهم، وأهم المصالح كفاية أجناد المسلمين بأرزاقهم، وسد الثغور بمن فيه كفاية، وكفايتهم بأرزاقهم، وبناء ما يحتاج إلى بنائه منها، وحفر الخنادق، وشراء ما يحتاج إليه من الكراع والسلاح، ثم الأهم فالأهم من عمارة القناطر والطرق والمساجد، وكري الأنهار، وسد البثوق، وأرزاق القضاة، والأئمة، والمؤذنين، ومن يحتاج إليه المسلمون، وكل ما يعود نفعه إلى المسلمين، ثم ما فضل قسمه على المسلمين، لما ذكرنا من الآية، وقول عمر، رضي اللّه عنه" [الكافي في فقه الإمام أحمد].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR