الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (2) [2/4] عقد الأمان لا خلاف في أن دار الحرب دار ...

منذ 2025-05-28
الغنيمة والفيء والاحتطاب
مسائل وأحكام (2)

[2/4]
عقد الأمان
لا خلاف في أن دار الحرب دار إباحة، وأن دماء أهل الحرب وأموالهم غير معصومة، وأن عقد الذمة أو الأمان هو ما يمنع سفكها، وأما المعاهَدون الذين بينهم وبين المسلمين عهد من أمان أو هدنة، فمتى تحققت شروط تلك العهود وجب الوفاء بها، وهذا إجماع لا خلاف فيه.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من قتل مُعاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) [رواه البخاري].

وأمان المسلم للكافر مُلزم للمسلمين أن يكفُّوا أيديهم عنه كما في الحديث المتفق عليه أن علياً -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ذِمَّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل).

وكذلك ما جاء عن علي -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) [رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي].

قال ابن هشام: "وحدثني أبو عبيدة، أن أبا العاص بن الربيع لما قدم من الشام ومعه أموال المشركين، قيل له: هل لك أن تُسلم وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين؟ فقال أبو العاص: بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي" [سيرة ابن هشام].
وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أنه كان قد صحب قوماً في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام أقبلُ، وأما المال فلستُ منه في شيء" [رواه البخاري].

قال الإمام ابن القيم، رحمه الله: "وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمغيرة: (أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء) دليل على أن مال المشرك المعاهَد معصوم، وأنه لا يُملك بل يرد عليه؛ فإن المُغيرة كان قد صحبهم على الأمان ثم غدر بهم وأخذ أموالهم، فلم يتعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- لأموالهم ولا ذبَّ عنها، ولا ضمنها لهم؛ لأن ذلك كان قبل إسلام المغيرة" [زاد المعاد في هدي خير العباد].

فمن أمَّن الكفار على أموالهم بألفاظ الأمان الصريحة فيجب عليه الوفاء لهم.

• لا ينعقد الأمان إلا بلفظ صريح
إن عقد الأمان للكفار لا ينعقد إلا بلفظ صريح غير محتمل، أما إذا كان اللفظ محتملا فلا أمان للكفار، وهذا هو فعل عبد الله بن أُنيس ومحمد بن مسلمة، رضي الله عنهما، فإن محمد بن مسلمة لم يؤمِّن كعب بن الأشرف بل أوهمه أنه كره العيش مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وخادعه بذلك، وقد استأذن من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول شيئا، وأذن له النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، ومما قال كما في صحيح البخاري: "إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنَّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك. قال [أي كعب بن الأشرف]: وأيضا والله لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه"، فقوله عنَّانا معناه أن الصحابة -رضي الله عنهم- بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحمل ما يلقون بعد البيعة، فهم يعلمون ما ينتظرهم من البلاء والجهد والعناء في سبيل الله، ولكنه خادعه بهذا اللفظ، وطلب منه حاجته لكي يطمئن إليه ثم يقتله.

وكذلك قول عبد الله بن أُنيس -رضي الله عنه- لخالد الهذلي: "بلغني أنك تجمع لهذا الرجل، فجئتك في ذاك" [رواه ابن خزيمة في صحيحه وأحمد في مسنده]، فكلامه محتمل، هل يقصد في "ذاك" نصرته أم قتله؟ وعلى هذا فالمخادعة بالأفعال والأقوال ثم القتل أو الاستيلاء على الأموال لا يعد غدراً، إذا لم تكن صريحة في التأمين.

فالتأمين تعاهد وتعاقد بين طرفين، بين المُؤَمِّن والمستأمِن بألفاظ واضحة صريحة، لا بأفعال وأقوال توهم المخاطب بالأمان.

والتأمين بالألفاظ الصريحة ليس فيه اختلاف بين الفقهاء، وأما الألفاظ غير الصريحة فقد اختُلف فيها، ومن العلماء من عد بعض الأفعال أو الأقوال من الأمان، ومنهم من لم يعدها منه، ولا غرابة أن تجد أحد علماء المسلمين يُدخل مسألة ما تحت خانة الغدر، بينما يُدرجها آخر في باب الخداع ومكائد الحرب.

وبالجملة: فإن المسائل الجزئية التي تدخل تحت الأمان غير الصريح لا يشملها ضابط معين متفق عليه، ولا يخفى أن إدخال الجزئيات تحت أصل معين هو من موارد الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، فلا ينبغي التعنُّت في ذلك.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR

6735978f52408

  • 0
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً