الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (2) [3/4] • التأشيرة والإذن بدخول دار الحرب لا يعصِمان ...

منذ 2025-05-28
الغنيمة والفيء والاحتطاب
مسائل وأحكام (2)

[3/4]
• التأشيرة والإذن بدخول دار الحرب لا يعصِمان دماء وأموال الكفار

إن الأصل في دماء أهل الحرب وأموالهم الحل وعدم العصمة، فإذا تنازعنا في صورة ما هل هي أمان أم لا، وتكافأت الأدلة أو تقاربت، نرجع إلى الأصل القاضي بحل دماء وأموال الكفار، إلا إن وجد دليل يدعم مانعا معتبراً، لأن الإجماع يقين، والاختلاف شك، فلا يُرفع اليقين بالشك؛ والتأمين مانع مشكوك فيه، والشك في المانع لا يلغي الحكم الثابت بالسبب المعلوم، ولا شك أنه تجوز مخادعة الكفار في الحرب، ويكون ذلك بالكذب وبالألفاظ المحتملة غير الصريحة.

والخلاصة: أن المال إذا زالت عصمته بكفر المالك مثل مال الحربي جاز الاستيلاء عليه بكل الطرق الممكنة، وهذا لا خلاف فيه في الأصل إلا أن يؤمَّن عليه، ويجوز للمسلم أن يحتال في اختلاس الأموال من الكفار في ديارهم.

ولم يثبت بدليل شرعي ولا عرفي أن التأشيرة عهد أو أمان للكفار على دمائهم أو أموالهم، بل هي إذن بدخول الدار، والإذن بالدخول لا يعد أمانا لأهل الدار، وأن الإذن للدخول من طرف لا يصير أماناً من الطرف الآخر.

قال ابن أبي زيد القيرواني: "وإن ذكروا للملك إسلامهم فقال أنتم آمنون، ولم يؤمِّنوه هم ولا قالوا له شيئاً، ولا فشا هذا بالبلد حتى يعرف أهل البلد أنهم في أمان، فلهؤلاء أن يقتلوا ويأخذوا ما شاؤوا، وكذلك لو قال لهم: أمنتكم فالحقوا بأرض الإسلام، فلم يقولوا له شيئاً، فلهم أيضاً ما أمكنهم من قتل أو غيره ويخرجون من بلد الحرب... وقال بعض أهل العراق: وإن دخل مسلم أرض الحرب بلا أمان فقال: أنا منكم، أو قال: جئت أقاتل معكم، فتركوه فله أن يأخذ من أموالهم، فيأخذ ما أمكنه ويقتل من أمكنه، وليس الذي قال بأمان منه لهم" [النوادر والزيادات].

ومن دخل دار الحرب بأوراق مزورة أو صحيحة تُثبت ديانته ومعلوماته الشخصية، جاز له الفتك بهم وأخذ مالهم إن تيسر له ذلك، لأن هذا ليس بأمان ولا في معنى التأمين، فقد انتسب عمرو بن أمية إلى قبيلة بني بكر وقدَّم لأحد المشركين معلومات مضللة خدعه بها، حتى ظن أنه مشرك واطمأن له، فلما نام قتله، وهي كما في [تاريخ الطبري]: "وأقبلتُ أمشي، حتى إذا أشرفتُ على الغليل، غليل ضجنان، دخلتُ غاراً فيه، ومعي قوسي وأسهمي، فبينا أنا فيه إذ دخل عليَّ رجل من بني الديل بن بكر، أعور طويل يسوق غنما له، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من بني بكر، قال: وأنا من بني بكر، ثم أحد بني الديل ثم اضطجع معي فيه، فرفع عقيرته يتغنى ويقول:
ولست بمسلم ما دمت حيا
ولست أدين دين المسلمينا

فقلت: سوف تعلم! فلم يلبث الأعرابي أن نام وغط، فقمت إليه فقتلته أسوأ قتلة قتلها أحدٌ أحداً، قمت إليه فجعلت سِيَة قوسي في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليها حتى أخرجتها من قفاه".

فالوثائق المزورة إن كانت تثبت أن حاملها من أهل تلك الديار فلا يعدُّ ذلك أمانا للكفار، لا عرفاً ولا شرعاً.

وإن كانت الوثائق تثبت أنه من غير أهل الدار لكنه مأذون بالدخول على مقتضى الوثائق المزورة فلا يعد هذا تأميناً منه لهم، فإنه من خدع الحرب، وليس بأشد من صنع الصحابي محمد بن مسلمة وحزبه، بل إن زوجة كعب بن الأشرف حذرته وقالت إنها تسمع صوتا يقطر دما فأجابها كما عند البخاري: "إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة"، ورضيعي أي أخي من الرضاعة، ولم تكن هذه المكانة منه أمانا له، ويشبه ذلك الانتساب إلى دار الحرب أو إلى قوم كفار أو اللجوء إلى دارهم أو المبيت عندهم، فلا يعد تأمينا من جهة المسلم لمن في تلك الدول الكافرة، والمبيت مع من يراد اغتيالهم لا يعد تأميناً كما فعل الصحابي عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه، وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله [باب: قتل المشرك النائم]، وأخرج في هذا الباب حديثا عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطا من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم".

فدخول المجاهد عن طريق اللجوء إلى دار الحرب هو مثيل فعل الصحابة، ما لم يتضمن الإقرار بشروط كفرية.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR

6735978f52408

  • 0
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً