حرص الأنبياء على دين أهلهم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد: فقد ...

منذ 2025-06-02
حرص الأنبياء على دين أهلهم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

فقد ظل الأنبياء دعاة إلى دين الله -سبحانه- ليلا ونهارا، سرا وعلانية، ليؤدوا أمانة البلاغ التي أوكلها الله لهم، فما من نبي إلا قال لقومه: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: 68]، وقد كان لأهليهم نصيب من دعوتهم، فإن الأنبياء يحرصون على ذلك في حياتهم وحينما يحضرهم الموت، تلك الوصايا لم تكن وصية ميراث أو قطيعة رحم أو حرص على دنيا حقيرة فانية، حاشاهم، لكنها وصية الاستسلام لله بالتوحيد ونبذ الشرك، لأن بها خلاص الرقاب من النار، وبها دخول جنة العزيز الغفار، ولنا أن نتساءل: كم من الآباء اليوم يحرصون على سلامة ذريتهم في الآخرة؟ وكم منهم آثر الفانية على الباقية؟ فهل من كانت له وصية كان فيها حظ من وصايا الأنبياء لأبنائهم؟ وهل قرأ الآباء قول الله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 130 - 133]؟.

أسلم واستسلم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لله رب العالمين بقلبه وجوارحه، فكان إماما للموحدين، ومن هديه أنه وصَّى أبناءه ألا يموتوا إلا على الإسلام، الإسلام الذي يعني الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وتأمل حرص ذريته من الأنبياء على تلك الوصية، فمن ذريته حفيده نبي الله يعقوب بن إسحاق -عليهما السلام- النبي الحريص الذي وصَّى أبناءه بوصية جده إبراهيم، وعندما حضره الموت سألهم عن عبادتهم ومن يعبدون من بعده إذا توفاه الله تعالى، فكان جواب الأبناء أنهم موحدون يصرفون العبادة لله وحده، فأين هذا بين الآباء والأبناء اليوم وأين الاقتداء بهدي أولئك الأنبياء الأطهار، ولا غرابة أن يوسف الصديق -عليه السلام- بن يعقوب -عليه السلام- كان على تلك الطريقة العظيمة وهو القائل في دعوته لأهل السجن: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]، حيث قرر أن صرف التحاكم لغير الله شرك بالله تعالى، ولذلك أثَّرت دعوة الأنبياء في مصر وانتشرت على نطاق واسع في عهد يوسف -عليه السلام- وهذا يفسر اضطهاد فرعون مصر لذرية يعقوب بعد انتزاع فرعون الحكم من الملوك الرعاة المسلمين بني إسرائيل، فقد كان حكم فرعون يقوم على أساس وثني مناقض لتوحيد الألوهية والربوبية، وشرع الأنبياء يقوم على نقض ربوبية الطواغيت وحكمهم، وهذه هي العقيدة التي حرص نبي الله إبراهيم ونبي الله يعقوب أن يعلموها أبناءهم ويوصوهم بها عند موتهم.

ولو تأملنا آيات القرآن الذي فيه الهدى والنور وشفاء الصدور، لوجدنا من تلك الوصايا العظيمة وصية لقمان الحكيم لابنه، فأمعِن فيها النظر، وخُذ الدروس والعبر، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

إنها وصية بليغة في وصف الشرك من الأب الحكيم لابنه، فيها نهي عن الشرك بالله لأنه أقبح ذنب وأعظم ظلم، كيف لا يكون ظلما في حق الله سبحانه، والله -جل في علاه- خلق الخلق ودَبَّر أمورهم ورزقهم وأحياهم ثم يميتهم ثم إليه يرجعون، وبعدها يشركون به، ويعبدون طواغيت الحكم والتشريع والمتابعة، ويعبدون القبور والأوثان ويصرفون لهم أنواع العبادة، فكم من الآباء اليوم يحرصون على سلامة أبنائهم من الشرك وسوء عاقبته ولزوم الجماعة ودار الإسلام؟ وكم منهم حرص على سلامتهم من القتل بزعمه فحذَّرهم من الجهاد، ولم يحرص على عاقبة أمرهم وأوردهم المهالك، فنأى بهم إلى ديار الكفر فعرَّضهم لفساد دينهم؟ هل تفكر الآباء الذين يقرؤون القرآن بتلك الوصايا وهل أدرجوها في ثنايا وصيتهم، أم خلت تلك السطور، من ذلك العلم الجليل المأثور؟ هل يجمع الآباء الأموال ويبنون الدور، ويقيمون على التجارة ويشيدون الرياض والقصور، ثم يكتبون وصاياهم لأبنائهم في الحرص على هذا الحطام، أم يكتبون لهم وصايا الأنبياء أولي العزم الكرام؟
إن كثيرا من الناس قد وقع في ظلم أبنائه وزوجته فلم يوف ما بذمته من حق تجاههم، حق البلاغ الذي أداه الرسل لأزواجهم وذرياتهم، فإن أعظم الظلم للزوجة والذرية ليس في التقصير في حقوقهم الدنيوية، بل إن أعظم الظلم في حقهم هو تركهم يجهلون أمر دينهم وعدم دعوتهم لمعرفة وفهم ما أوجبه الله عليهم في ركن الإسلام الأول، وهو ركن الشهادتين الأعظم، الذي يتضمن الإيمان بالله وتوحيده والكفر بالطواغيت، والإيمان بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ومتابعة شرعه وعدم تقديم الشرائع على شريعته وما جاء به من النور والهدى من عند الله، بل الأدهى من ذلك أن الآباء قد جهلوا أمر دينهم ولم يرفعوا عن أنفسهم الجهل في ظل نور الشريعة وقوة أهل الحق، بل إن كثيرا من الآباء يصدون أبناءهم عن الحق واتباع الهدى مع أن أهله مهتدون يدعونه للخير، فمن كان هذا حاله فإن أمره إلى خسار وبوار، فالفوز والبشارة ليست لمن صم أذنه عن سماع التوحيد، ولم يكفر بأهل الشرك والتنديد، بل البشارة والهداية لمن قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17 - 18].

إن الله -تبارك وتعالى- أثنى على أنبيائه بصفات كثيرة، كل ذلك لنقتدي بهم ونتخلق بأخلاقهم، ومنهم النبي إسماعيل -عليه السلام- الذي أثنى الله –تعالى- عليه وعلى دعوته لأهله، حيث تجد صورة الأب الحريص والنبي الداعية لأهله فيسعى أن يكون أهله معه من سكان منزله في الجنة، فكان يحرص على أدائهم صلاتهم وزكاتهم وهي أعظم الأركان بعد ركن الشهادتين، قال الله -تعالى- عنه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54 - 55].

وليرجع كل أب ويتفكر ماذا قدم لأهله من النصح بالتزام التوحيد والكفر بالطاغوت والقيام في طاعة الله -تعالى- اقتداء بسيرة أولئك الأنبياء المهتدين، فهنيئا لكل أب موحد قاد أهله إلى الاستقامة والهدى، ولم يترك أهله تائهين سدى، فشتان بين من دخل النار وخسر نفسه فهو وحيد بلا أهل في النار، وبين من دخل الجنة هو وزوجه وذريته والملائكة يدخلون عليهم بالسلام من كل باب، يهنئونهم بما عملوا من الصبر والثبات على أمر الله تعالى، فنعم عقبى الدار.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 92
الخميس 10 ذو القعدة 1438 ه‍ـ

683b4c4f96693

  • 0
  • 0
  • 18

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً