الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 93 الافتتاحية: يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ ...

منذ 2025-06-05
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 93
الافتتاحية:
يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ


إن المتتبع لحال كثير من المنتكسين والمنهزمين اليوم، يجدهم يزيدون على جريمة توليتهم للدبر، وهروبهم إلى فسطاط المشركين، أن يطعنوا في المجاهدين، ويفضحوا ما اطلعوا عليه من عوراتهم، ويتبرؤوا من كل ما أصابهم من انكسارات، بأن يُعلن كل منهم أن رأيه في هذه المسألة كان كذا، فلما خالفه المجاهدون وأطاعوا رأي غيره حدث كذا، في تكرار لأقوال المنافقين وأفعالهم في كل زمان وحين.

ففي غزوة أحد، ولَّى رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول الدبر ومعه ثلث الجيش، غضبا لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ برأيه في وضع خطة المعركة، وقال قولته المشهورة: "أطاعهم وعصاني"، التي جعلها مبرّرا لترك القتال، والتسبب بإضعاف جيش المسلمين وهو على وشك الدخول في معركة كبيرة، وتعريضه للهلاك على يد عدوه، بل وزاد وإخوانه على ذلك بتخذيل المجاهدين عن القتال، والزعم أن لن تكون معركة بين المسلمين والمشركين.

فلما انتهت المعركة بخسارة كبيرة للمسلمين، ومقتل العشرات من الصحابة الكرام، التي كان من أسبابها إضعاف المنافقين لجيش المسلمين، خرج المنافقون من جديد ليعلنوا أن سبب هذه المقتلة الكبيرة في صفوف المسلمين، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يأخذ برأيهم، فكان جواب الله -تعالى- لهم في قوله: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: 154]، وكذلك في قوله جل جلاله: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168].

وهكذا فإننا نرى كثيرا من مرضى القلوب، وأهل الريب والشك، يُكثرون من الطعن في المجاهدين وأمرائهم، وليس لهم من مطعن إلا أنه لم يُؤخذ برأيهم في هذه المسألة، أو لم يستشرهم أحد في تلك المسألة، وذلك من شدة إعجابهم بأنفسهم، واعتدادهم بآرائهم.

فيحسب أحدهم أن المسلمين يجب أن لا يقطعوا أمرا ولا يعقدوا حكما إلا بحضوره، ولو لم يكن من أهل الحل والعقد، وإن استشير في قضية فمن الواجب أن تكون مشورته بمثابة الأمر الواجب على الجميع تنفيذه، وإن لم يكن من ولاة الأمر، فإن لم يحدث ذلك، فهذا لوحده مبرر كافٍ في دينه للتولي يوم الزحف، والقعود عن القتال، وتخذيل المسلمين عنه، بل وتحريضهم على معصية أمرائهم، ثم الانتظار والترقب لمعرفة نتائج الأمر الذي خُولِف فيه، وأكثر ما يهمه أن يثبت للناس صواب رأيه، ونفاد بصيرته، ولو كان ذلك يتضمن هلاك المسلمين الذين عصوه، ولم يقيموا له وزنا، ليقول بعد انكسار المسلمين مقولة إخوانه من المنافقين في كل عصر: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168].

وإن كان للمسلمين الفتح تجده منتقصا من حسن فعال المجاهدين، عائبا في أمرائهم بما لا يعيبهم، أو بما يُغفر لهم، وذلك خشية أن يُكتب لهم بهذا الفتح عند الناس درجة لا يجد غير نفسه مؤهلا لها، أو ينسد أمامه باب من أبواب الطعن فيهم، والنهي عن طاعتهم واتباعهم ولو في المعروف.
إن هذا النمط من مرضى القلوب ليس لهم في صفوف المسلمين قرار، فإن ضاقت الأرض، أو اهتزت السفينة، فإنهم يسارعون في الفرار، بل ويلحق كثير منهم بالمشركين الكفار، ليجلس بين أحضانهم، ويأكل من قصعتهم، ويتكئ على أريكتهم، وينطلق في هجاء الموحدين وذمِّهم والتخذيل عن نصرتهم، والانتقاص من أفعالهم، والشماتة في انكسارهم.

أما أهل الإيمان، فإنهم يرجون من كل أفعالهم وجه الله تعالى، فإن نصحوا نصحوا بالمعروف، وإن أُمروا بالمعروف أطاعوا في المنشط والمكره، لا يرجون جاها ولا إمارة، بل كل منهم آخذ بعنان فرسه، أشعث، أغبر، يجاهد في سبيل الله حيث أُمِر، وفي أي ثغر كُلِّف بالقيام عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شَفَع لم يُشَفَّعْ) [رواه البخاري].



المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 93
الخميس 17 ذو القعدة 1438 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 14

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً