وأما الصحابيان الجليلان اللذان استأسرا لهم، فما كانوا ليفعلوا ذلك لولا الأمان الذي أعطوهم، ولذلك لا ...
منذ 2025-06-05
وأما الصحابيان الجليلان اللذان استأسرا لهم، فما كانوا ليفعلوا ذلك لولا الأمان الذي أعطوهم، ولذلك لا يجب الأخذ بأمان الكفار في حال القتال لأن الغدر ملازم لطبيعة الكفار في الحرب، فقد قال الإمام أحمد: "الأسر شديد، ولا بد من الموت، يقاتل، ولو أعطوه الأمان، قد لا يَفُون" [الإقناع]، ولذلك لم يستأسر أحدٌ من الصحابة من هؤلاء العشرة لما رأى الغدر بأصحابه بعد الأمان، فقتلوه ولحق بالسبعة الذين قُتلوا قبله، رضي الله عنهم أجمعين.
• اختاروا الغرق على الاستئسار
قال أبو داود السجستاني: "سمعت أحمد بن محمد بن حنبل، يقول: إذا علم أنه يُؤسر، فليقاتل حتى يقتل، أحب إلي، قلت لأحمد: رجل خرج عاصيا في علافة فلقي العدو، يقاتل أم يستأسر رجاء أن تدركه التوبة، أعني: لأنه عاصٍ، فكَرِه أن يقتل عاصيا فيُستأسر؟ فقال أحمد بن حنبل: لا يستأسر، الأسر شديد" [مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني].
وفي هذا المقام نذكر قصة أوردها الإمام ابن كثير رحمه الله، وهو يروي أخذ العدو لِعَكَّا من المسلمين وما حدث من عدم استئسارهم للكفار ومقاومتهم الشديدة لهم مع الحصار الشديد والقتل الذي حل بهم حيث قال: "فصل في كيفية أخذ العدو عَكَّا من يدي السلطان:
لما كان شهر جمادى الأولى، اشتد حصار الفرنج لعنهم الله لمدينة عَكَّا، وتمالؤوا عليها من كل فج عميق، وقدم عليهم ملك الإنكليز في جمٍّ غفير، وجمع كثير، في خمسة وعشرين قطعة مشحونة بالمقاتلة وابتُلي أهل الثغر منهم ببلاء لا يشبه ما قبله، فعند ذلك حُرِّكت الكؤسات في البلد، وكانت علامة ما بينهم وبين السلطان، فحرك السلطان كؤساته، فاقترب من البلد وتحول إلى قريب منه، ليشغلهم عن البلد، وقد أحاطوا به من كل جانب، ونصبوا عليه سبعة منجانيق، وهي تضرب في البلد ليلا ونهارا، ولا سيما على برج عين البقر، حتى أثرت به أثرا بينا، وشرعوا في ردم الخندق بما أمكنهم من دواب ميتة، ومن قتل منهم، ومن مات أيضا ردموا به، وكان أهل البلد يلقون ما ألقوه فيه إلى البحر، وتلقى ملك الإنكليز بطشة عظيمة للمسلمين قد أقبلت من بيروت مشحونة بالأمتعة والأسلحة فأخذها، وكان واقفا في البحر في أربعين مركبا لا يترك شيئا يصل إلى البلد بالكلية، وكان بالبطشة ستمائة، من المقاتلين الصناديد الأبطال، فهلكوا عن آخرهم رحمهم الله" [البداية والنهاية].
فانظر كيف فضَّل هؤلاء المسلمون الستمائة الموت غرقا على الاستئسار للكفار وإعطاء الدنية في دينهم، فرحمهم الله -تعالى- رحمة واسعة، وكم من إخواننا من جنود الخلافة من اقتدى بسلفهم الصالح فقاتلوا وأثخنوا في أعداء الله المرتدين، وقصص النكال التي أحدثوها بعدوهم لا تخفى على أحد، ولم يكن في حسبانهم أن يستأسروا، وهذا حال الموحدين أباة الضيم.
ومن الأمثلة الناصعة في عزة المجاهدين هو عدم استئسارهم للكفار الصليبيين الذين ينفذون عمليات الإنزال الجوي، فلا تكاد تنجح لهم عملية إنزال، وكلما نزلوا بساحة مجاهد عصف بهم حزامه الناسف فرجعوا خائبين مدحورين، وكذلك يفعلون في مناطق العمل الأمني أو في عقر ديار الصليبيين لو حصلت مداهمة من قبل المرتدين أو الصليبيين، فإن سبيلهم القتال والإثخان في أعداء الله حتى نيل النجاة أو قتلة كريمة في سبيل الله، وهذه الحوادث -ولله الحمد- أكثر من أن تحصر، وهذا الفعل المحمود هو الذي نحث عليه إخواننا المجاهدين في كل مكان، فإن ما يخشاه من يستأسر للكافرين متحقق له غالبا مع ضريبة الذل والهوان.
وقد أحسن المجاهدون الثابتون في وجه عدوِّهم، وأثلجوا صدور الموحدين في كل حادثة، بقتلة كريمة ينالون بها ما يتمنون من الكرامة، ويغيظون بها الصليبيين والمرتدين برد كيدهم وإفشال مخططاتهم، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 93
الخميس 17 ذو القعدة 1438 هـ
• اختاروا الغرق على الاستئسار
قال أبو داود السجستاني: "سمعت أحمد بن محمد بن حنبل، يقول: إذا علم أنه يُؤسر، فليقاتل حتى يقتل، أحب إلي، قلت لأحمد: رجل خرج عاصيا في علافة فلقي العدو، يقاتل أم يستأسر رجاء أن تدركه التوبة، أعني: لأنه عاصٍ، فكَرِه أن يقتل عاصيا فيُستأسر؟ فقال أحمد بن حنبل: لا يستأسر، الأسر شديد" [مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني].
وفي هذا المقام نذكر قصة أوردها الإمام ابن كثير رحمه الله، وهو يروي أخذ العدو لِعَكَّا من المسلمين وما حدث من عدم استئسارهم للكفار ومقاومتهم الشديدة لهم مع الحصار الشديد والقتل الذي حل بهم حيث قال: "فصل في كيفية أخذ العدو عَكَّا من يدي السلطان:
لما كان شهر جمادى الأولى، اشتد حصار الفرنج لعنهم الله لمدينة عَكَّا، وتمالؤوا عليها من كل فج عميق، وقدم عليهم ملك الإنكليز في جمٍّ غفير، وجمع كثير، في خمسة وعشرين قطعة مشحونة بالمقاتلة وابتُلي أهل الثغر منهم ببلاء لا يشبه ما قبله، فعند ذلك حُرِّكت الكؤسات في البلد، وكانت علامة ما بينهم وبين السلطان، فحرك السلطان كؤساته، فاقترب من البلد وتحول إلى قريب منه، ليشغلهم عن البلد، وقد أحاطوا به من كل جانب، ونصبوا عليه سبعة منجانيق، وهي تضرب في البلد ليلا ونهارا، ولا سيما على برج عين البقر، حتى أثرت به أثرا بينا، وشرعوا في ردم الخندق بما أمكنهم من دواب ميتة، ومن قتل منهم، ومن مات أيضا ردموا به، وكان أهل البلد يلقون ما ألقوه فيه إلى البحر، وتلقى ملك الإنكليز بطشة عظيمة للمسلمين قد أقبلت من بيروت مشحونة بالأمتعة والأسلحة فأخذها، وكان واقفا في البحر في أربعين مركبا لا يترك شيئا يصل إلى البلد بالكلية، وكان بالبطشة ستمائة، من المقاتلين الصناديد الأبطال، فهلكوا عن آخرهم رحمهم الله" [البداية والنهاية].
فانظر كيف فضَّل هؤلاء المسلمون الستمائة الموت غرقا على الاستئسار للكفار وإعطاء الدنية في دينهم، فرحمهم الله -تعالى- رحمة واسعة، وكم من إخواننا من جنود الخلافة من اقتدى بسلفهم الصالح فقاتلوا وأثخنوا في أعداء الله المرتدين، وقصص النكال التي أحدثوها بعدوهم لا تخفى على أحد، ولم يكن في حسبانهم أن يستأسروا، وهذا حال الموحدين أباة الضيم.
ومن الأمثلة الناصعة في عزة المجاهدين هو عدم استئسارهم للكفار الصليبيين الذين ينفذون عمليات الإنزال الجوي، فلا تكاد تنجح لهم عملية إنزال، وكلما نزلوا بساحة مجاهد عصف بهم حزامه الناسف فرجعوا خائبين مدحورين، وكذلك يفعلون في مناطق العمل الأمني أو في عقر ديار الصليبيين لو حصلت مداهمة من قبل المرتدين أو الصليبيين، فإن سبيلهم القتال والإثخان في أعداء الله حتى نيل النجاة أو قتلة كريمة في سبيل الله، وهذه الحوادث -ولله الحمد- أكثر من أن تحصر، وهذا الفعل المحمود هو الذي نحث عليه إخواننا المجاهدين في كل مكان، فإن ما يخشاه من يستأسر للكافرين متحقق له غالبا مع ضريبة الذل والهوان.
وقد أحسن المجاهدون الثابتون في وجه عدوِّهم، وأثلجوا صدور الموحدين في كل حادثة، بقتلة كريمة ينالون بها ما يتمنون من الكرامة، ويغيظون بها الصليبيين والمرتدين برد كيدهم وإفشال مخططاتهم، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 93
الخميس 17 ذو القعدة 1438 هـ