الإيمان بالملائكة وموقف أهل الإيمان منهم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما ...

منذ 2025-06-05
الإيمان بالملائكة وموقف أهل الإيمان منهم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد...

فإن من أصول الاعتقاد العظيمة التي لا يتم الإيمان إلا بها، الإيمان بالملائكة الكرام البررة، وقد ذكر الله هذا الأصل في كتابه، وذكره نبيُّه -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث جبريل لما سأل عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره).

• الإيمان بالغيب

الملائكة عالم من عوالم الغيب، الذي مدح الله المؤمنين به فقال: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 2 - 3]، والغيب هي الأمور التي لم نرها ولكن سمعناها من الله –تعالى- في كتابه أو أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أمور كثيرة كصفات الله وصفات الملائكة وأخبار الآخرة وصفات الجنة والنار، والإيمان بالغيب علامة على صدق الإيمان، وقد قال أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ، أحدٌ خيرٌ منَّا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: (نعم، قومٌ يكونون من بعدِكم يؤمنون بي ولم يرَوْني) [رواه أحمد والدارمي]، وحال المؤمن مع الغيب كما قال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].

• أهمية الإيمان بالملائكة

لقد افترى المشركون على الله، فقالوا أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً، وبعض المشركين جعل الملائكة معبودين، ولذا فينبغي على المسلم أن يعرف العقيدة السليمة في الملائكة، وسنورد بعض ما ذكر في الكتاب والسنَّة حول هذا الأصل العظيم.

• صفاتهم الخَلْقية

قد خلق الله -عز وجل- الملائكة من نور كما روى مسلم عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خُلقت الملائكة من نور).

وهم خَلق عظيم، وقد حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عظمة خلقِ بعضهم، فقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم"، والتهاويل هي الأشياء المختلفة الألوان، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جبريل: (رأيتُهُ منهبطا من السماء سادّاً عِظَمُ خَلقِهِ ما بين السماء والأرض) [رواه الترمذي].

وكذلك الملائكة حملة العرش الذين ذكرهم الله في كتابه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]، قال عنهم صلى الله عليه وسلم: (أُذِن لي أن أحدِّث عن مَلَك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) [رواه أبو داود].

وللملائكة أجنحة كما قال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1].

• صفات الملائكة الخُلُقية

وكما أن الملائكة مختلفون في الخِلقَة فهم مختلفون في المنزلة، كما ورد في صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع أن جبريل جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما تعُدُّون أهلَ بدرٍ فيكم؟ قال: (من أفضلِ المسلمين أو كلمة نحوها)، قال: وكذلك من شَهِد بدراً من الملائكة.

وهم لا يمَلُّون، بل يعبدون الله الليل والنهار، كما قال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]، وقال: {فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38].
وهم طائعون لله فيما يأمرهم به، ومنَزَّهون عن الشهوات والآثام، قال تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

• عن الملائكة

والملائكة سُكَّان السماء، كما قال -تعالى- في معرض الحديث عنهم: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5].

وهم عدد كثير لا يحصيه إلا الله، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الإسراء، بعد مجاوزته إلى السماء السابعة: (ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كلَّ يوم سبعون ألفَ ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخرَ ما عليهم) [رواه الشيخان].

ولا نعرف من أسمائهم إلا اليسير، كجبريل وهو الروح الأمين وميكال. قال تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]، ونعرف إسرافيل الذي ينفخ في الصور، ومالك خازن النار، قال تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]
 • أعمال الملائكة

للملائكة أعمال كثيرة، منها كتابة رزق الجنين وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ونفخ الروح فيه كما روى البخاري ومسلم.

وهم يُبَلِّغون وحي الله إلى رسله كما قال الله -تعالى- عن جبريل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء: 193 - 194].
وقد وكَّل الله بكل إنسان قرينا من الملائكة وقرينا من الجن، كما روى مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن)، قالوا: وإيَّاكَ يا رسول اللَّه؟ قال: (وإياي، إلا أن اللَّه أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير).

ومن الملائكة من يحفظ أعمال بني آدم كما قال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 17 - 18]، قال الإمام ابن كثير: "{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} يعني: الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} أي: مترصد، {مَّا يَلْفِظُ} أي: ابن آدم {مِن قَوْلٍ} أي: ما يتكلم بكلمة {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة".

• موقف المؤمن من الملائكة

لا بد للمؤمن أن يؤمن بالملائكة، وكذلك يجب عليه أن يُحِبهم لأنهم يدعون ويستغفرون له إذا جلس في مصلاه، كما روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الملائكةُ تصلي على أحدِكم ما دام في مُصلاه، ما لم يحدثْ: اللهمَّ اغفر له، اللهم ارحمه)، وإذا عاد مريضا كما روى الإمام أحمد: (ما من امرئ مسلم يعود مسلما إلَّا ابتَعَث الله سبعين ألف ملك يُصلُّون عليه في أي ساعات النَّهار كان حتى يمسي، وأي ساعات الليل كان حتى يصبح)، وعليه أن يحبهم لأنهم يقاتلون مع المؤمنين الصادقين ويُثَبِّتونهم في القتال كما قاتلوا مع الصحابة في بدر، وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال: "بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: اقدم حَيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخَرَّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خُطِم أنفه، وشُقَّ وجهُه كضربة السوط، فاخضرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاريُّ فحدَّثَ بذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: (صدقت، ذلك مدد السماء الثالثة)".

وعليه أن يحرص على مجالس الذكر لأن الملائكة تحفه فيها بأجنحتها، كما رواه البخاري: "إن لله ملائكةً يطوفون في الطرُقِ يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادَوْا: هلُمُّوا إلى حاجتِكم، قال: فيحُفُّونهم بأجنحتِهم إلى السَّماءِ الدُّنيا".

وعليه أن يحرص على التبكير لصلاة الجمعة، فالملائكة يسجلون الأول فالأول فإذا جلس الإمام طوَوْا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر كما في الصحيحين.

وعلى المؤمن أن يبتعد عمَّا ينَفِّر الملائكة كما في الحديث: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه جُنُب ولا صورة ولا كلب)، وفي البخاري: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبانَ عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح).

 
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 93
الخميس 17 ذو القعدة 1438 ه‍ـ

683b4c4f96693

  • 0
  • 0
  • 9

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً