• جعفر ذو الجناحين قدوة كل مسلم فيا أيها الجريح ويا أيها المبتلى اقتدِ بأولئك، ألا ترى مواكب ...
منذ 2025-06-11
• جعفر ذو الجناحين قدوة كل مسلم
فيا أيها الجريح ويا أيها المبتلى اقتدِ بأولئك، ألا ترى مواكب المقتدين من إخوانك قد اقتدوا بهم بأبهى حلةٍ للاقتداء وقد شاهدتهم بأم عينيك؟ فسارع إلى جنة ربك، فنعم الغنيمة هذه، حيث يبدلك الله بجسد خير من جسدك وزوجة خير من زوجتك وصحبة خير من صحبتك، حيث لا تتمنى إلا أن تعود إلى الدنيا لتُقتل مرة أخرى، ولا يضرك بأي جسد تقتل، فقط لترى من كرامة القتل في سبيل الله.
نعم، إنها تلك الإرادة الجامحة التي تثور في قلب الموحد ليعلي صرح التوحيد، فينال رضا ربه الإله الواحد الأحد، إنها تلك النار التي توقدت في قلب الجيل الأول فضحَّوا تضحية منقطعة النظير حين كان القتال بالسيف والرمح، وهو قتال صعب شديد، فهذا جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم مؤتة، قُطعت يمينه فأخذ راية التوحيد بشماله فقطعت، فاحتضنها بذراعيه حتى قُتل، فلله دره، فماذا كان جزاؤه يا أهل البلاء ويا أهل العافية على حد سواء؟ الجزاء أن الله -تبارك وتعالى- أبدله بيديه أجنحة يطير بها في الجنة، وروى الإمام البخاري في صحيحه أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على ابن جعفر، قال: "السلام عليك يا ابن ذي الجناحين".
فيا أخي السليم المعافى ماذا ستصنع بهذا الجسد إذا وافتك المنية، وقد أبليت صحتك بالذنوب واللهو، حتى أسقمت ذلك الجسد بسخط الله وغضبه، فهلا قمت لله قومة موحد صادق، فلعل تلك الأعضاء تشهد لك عند الله -تعالى- كما ستشهد لإخواننا المجاهدين الذين قُطِّعت أعضاؤهم في سبيل مرضاة ربهم، نحسبهم والله حسيبهم، فأعضاؤك إما أن تشهد لك أو عليك، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، قال الإمام الطبري في تفسيره: "وذلك حين يجحد أحدهم ما اكتسب في الدنيا من الذنوب، عند تقرير الله إياه بها، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فإن قال قائل: وكيف تشهد عليهم ألسنتهم حين يختم على أفواههم؟ قيل: عني بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد على بعض، لا أنَّ ألسنتهم تنطق وقد ختم على الأفواه".
• الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح
فيا صاحب الصحة والسلامة، أما آن لك أن تشهد لك أعضاؤك بالخير بعد أن أوردتها ما يغضب الله تعالى؟ وهلا التحقت وسابقت إخوانك سواء من عافاهم الله ومن ابتلاهم؟ ألا ترى أن السباق جار وأن الغاية سهلة المنال؟ فاغتنم صحتك قبل سقمك، وأقدم فنعم المغنم ونعم التسابق والتنافس، قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 22 - 25]، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) [رواه مسلم].
وهنا نذكِّر إخواننا الجرحى والمصابين الذين ابتلاهم الله على طريق الجهاد فنقول لهم، إن جرحى الصحابة يوم أحد كانت الجراح فيهم فاشية، وعندما أتاهم منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد نهضوا وتركوا الدواء، لأنهم أحق الناس بهذا الأجر العظيم، قال ابن هشام في سيرته: "قال ابن إسحاق: قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}: أي الجراح، وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم أُحد إلى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]".
فيا أيها المجاهدون الجرحى ومن ابتلاهم الله -تعالى- في أجسادهم: أنتم أحق من غيركم بالتقوى والأجر العظيم، فأنتم أهل السبق وأهل العز في زمن الخنوع، فسارعوا قبل غيركم ولا تركنوا إلى الأعذار فإنها لا تأتي بخير في زمن المدافعة عن حياض الدين والحرمات، فأكملوا طريقكم إلى ربكم، واغتنموا الأجر، وسابقوا أولي العافية والسلامة إلى الجنة، فوالله إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون، وعلى فوات العمر فليبك العاجزون المقصرون، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 95
الخميس 2 ذو الحجة 1438 هـ
فيا أيها الجريح ويا أيها المبتلى اقتدِ بأولئك، ألا ترى مواكب المقتدين من إخوانك قد اقتدوا بهم بأبهى حلةٍ للاقتداء وقد شاهدتهم بأم عينيك؟ فسارع إلى جنة ربك، فنعم الغنيمة هذه، حيث يبدلك الله بجسد خير من جسدك وزوجة خير من زوجتك وصحبة خير من صحبتك، حيث لا تتمنى إلا أن تعود إلى الدنيا لتُقتل مرة أخرى، ولا يضرك بأي جسد تقتل، فقط لترى من كرامة القتل في سبيل الله.
نعم، إنها تلك الإرادة الجامحة التي تثور في قلب الموحد ليعلي صرح التوحيد، فينال رضا ربه الإله الواحد الأحد، إنها تلك النار التي توقدت في قلب الجيل الأول فضحَّوا تضحية منقطعة النظير حين كان القتال بالسيف والرمح، وهو قتال صعب شديد، فهذا جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم مؤتة، قُطعت يمينه فأخذ راية التوحيد بشماله فقطعت، فاحتضنها بذراعيه حتى قُتل، فلله دره، فماذا كان جزاؤه يا أهل البلاء ويا أهل العافية على حد سواء؟ الجزاء أن الله -تبارك وتعالى- أبدله بيديه أجنحة يطير بها في الجنة، وروى الإمام البخاري في صحيحه أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على ابن جعفر، قال: "السلام عليك يا ابن ذي الجناحين".
فيا أخي السليم المعافى ماذا ستصنع بهذا الجسد إذا وافتك المنية، وقد أبليت صحتك بالذنوب واللهو، حتى أسقمت ذلك الجسد بسخط الله وغضبه، فهلا قمت لله قومة موحد صادق، فلعل تلك الأعضاء تشهد لك عند الله -تعالى- كما ستشهد لإخواننا المجاهدين الذين قُطِّعت أعضاؤهم في سبيل مرضاة ربهم، نحسبهم والله حسيبهم، فأعضاؤك إما أن تشهد لك أو عليك، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، قال الإمام الطبري في تفسيره: "وذلك حين يجحد أحدهم ما اكتسب في الدنيا من الذنوب، عند تقرير الله إياه بها، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فإن قال قائل: وكيف تشهد عليهم ألسنتهم حين يختم على أفواههم؟ قيل: عني بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد على بعض، لا أنَّ ألسنتهم تنطق وقد ختم على الأفواه".
• الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح
فيا صاحب الصحة والسلامة، أما آن لك أن تشهد لك أعضاؤك بالخير بعد أن أوردتها ما يغضب الله تعالى؟ وهلا التحقت وسابقت إخوانك سواء من عافاهم الله ومن ابتلاهم؟ ألا ترى أن السباق جار وأن الغاية سهلة المنال؟ فاغتنم صحتك قبل سقمك، وأقدم فنعم المغنم ونعم التسابق والتنافس، قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 22 - 25]، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) [رواه مسلم].
وهنا نذكِّر إخواننا الجرحى والمصابين الذين ابتلاهم الله على طريق الجهاد فنقول لهم، إن جرحى الصحابة يوم أحد كانت الجراح فيهم فاشية، وعندما أتاهم منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد نهضوا وتركوا الدواء، لأنهم أحق الناس بهذا الأجر العظيم، قال ابن هشام في سيرته: "قال ابن إسحاق: قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}: أي الجراح، وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم أُحد إلى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]".
فيا أيها المجاهدون الجرحى ومن ابتلاهم الله -تعالى- في أجسادهم: أنتم أحق من غيركم بالتقوى والأجر العظيم، فأنتم أهل السبق وأهل العز في زمن الخنوع، فسارعوا قبل غيركم ولا تركنوا إلى الأعذار فإنها لا تأتي بخير في زمن المدافعة عن حياض الدين والحرمات، فأكملوا طريقكم إلى ربكم، واغتنموا الأجر، وسابقوا أولي العافية والسلامة إلى الجنة، فوالله إن هذا لهو الفوز العظيم، لمثل هذا فليعمل العاملون، وعلى فوات العمر فليبك العاجزون المقصرون، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 95
الخميس 2 ذو الحجة 1438 هـ