الإيمان بالمرسلين ركن من أركان الإيمان برب العالمين جاء في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه ...

منذ 2025-06-14
الإيمان بالمرسلين ركن من أركان الإيمان برب العالمين

جاء في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم) فالناس يولدون وفي فطرتهم وطبيعتهم توحيد الله وعبادته وتعظيمه، ولكن الشيطان يزين للناس -بشبهه الكثيرة- صرف العبادة لغير الله جل وعلا، وكذلك فإن الخلق ينسون ويسأمون فيبعث الله الأنبياء يذكرونهم بعهد رسولهم الذي أُرسل إلى أبائهم، ولذا فقد أرسل الله للأمم رسلا وأنبياء يذكِّرونهم بطاعة الله ويحرضونهم عليها ويحذرونهم من الشرك، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

وبعْثُ الرسل من رحمة الله، فإنه لا يعذب خلقه حتى يبعث رسولا يقيم الحجة عليهم، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 35]، وقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165].

• صفات الأنبياء والرسل الخَلْقية والخُلُقية

إن الأنبياء والرسل الذين جاؤوا للبشر هم من البشر أنفسهم، ولا يكونون إلا من الرجال، ولا نبوة للنساء، وهم يأكلون ويشربون ويتزوجون وينامون. قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: 8]، وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]، ويُبتلون ويصابون ويمرضون ويموتون. قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وسُجن يوسف وأدمى المشركون رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- عند دعوة أهل الطائف، وحوصر وجاع، وأرادوا قتله فهاجر من داره إلى المدينة، وفي غزوة أحد لاقى ما لاقى من الجراح، ومرض نبي الله أيوب ثماني عشرة سنة، ورفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه، بل الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل.

ولكن الأنبياء يتميزون عن باقي البشر بصفات، منها أن الله اصطفاهم بالرسالة، كما في قوله -تعالى- لنبيه موسى عليه السلام: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13]، وبالعصمة عن كبائر الذنوب وقبائح الأخلاق، ومعصومون عن كتمان ما أنزل الله، كما قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44 -47]، ولكنهم ليسوا معصومين عن النسيان، كما في قول موسى -عليه السلام- لصاحبه: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73]، ولا يعتقد أهل السنة والجماعة العصمة في غير الأنبياء البتة.

• لا تُخيِّروا بين الأنبياء

وقد فضل الله -تعالى- رسله بعضهم على بعض بما آتاهم، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253]، وهذا الأمر خاص بالله تعالى، فلا يجوز التخيير بين الأنبياء، أي الزعم أن بعضهم خير من بعض، للنهي الوارد عن ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ) [رواه مسلم]، ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "استبَّ رجلان؛ رجل من اليهود ورجل من المسلمين، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا -صلى الله عليه وسلم- على العالمين، وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى -عليه السلام- على العالمين، قال: فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا تُخيِّروني على موسى، فإن الناس يُصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أم كان ممن استثنى الله)" [رواه مسلم].

• دلائل النبوة

إن الله يختار لرسالته من يشاء، ويربيه ويحفظه عن عبادة غيره حتى يبلغ ما كتبه الله له، ثم يوحي إليه أن أنذر الناس وبشرهم وادعهم إلى عبادتي وأقم عليهم الحجة، ويرسل معه آيات معجزة يقمع بها المعاندين تكون دليل صدقه وأنه مبعوث من الله، والمعجزات أفعال لا يستطيعها بنو آدم كإبراء الأكمه والأبرص، وتحويل العصا إلى حية تسعى وغيرها، وخاتِم الرسل محمد -صلى الله عليه وسلم- أرسله الله إلى العرب خاصة وإلى الناس عامة، ولما كان أجود ما لدى العرب الفصاحة والبيان، أرسل نبيه بأفصح كلام وأعلاه بيانا فتحداهم أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا، {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23 - 24]، وما زال التحدي قائما.

وكانت بداية وحي الله لنبينا، أنه كان يتعبد في غار حراء بعيدا عن شرك المشركين، فجاءه جبريل وقال له: "اقرأ"، ففزع منه ثم ذهب إلى ورقة بن نوفل فقال ورقة: "لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة"، ثم تتالى نزول القرآن عليه وأمره بإنذار قومه، وكان قبل مجيء الملَك يرى الرؤيا فتكون مثل فلق الصبح، فكان هذا أول بداية الوحي.

ومن معجزات نبينا -صلى الله عليه وسلم- الإسراء والمعراج وانشقاق القمر شِقَّين حتى رأى الناس جبل حراء بينهما، وإخباره ببعض ما أطلعه الله عليه من غيب المستقبل، ونبع الماء من بين أصابعه.

وقد دعا أبو طلحة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خبزة يأكلها، ففتَّها، وعصرت أم سليم عكة فصار إداما، ثم قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يقول، وأذن للناس بالأكل، فأكل منها سبعون أو ثمانون رجلا، كلهم شبع! [متفق عليه].

• لا نفرِّق بين أحد من رسله

والأنبياء والرسل كثيرون ورد ذكر عددهم في السنة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن عدد الأنبياء فقال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا) [رواه أحمد]، ولم يقصص الله علينا كل القصص بل قال: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، والمذكورون في القرآن هم:
آدم، ونوح، وإدريس، وصالح، وهود، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، و"الأسباط" وهم أولاد يعقوب، ومنهم يوسف، وشعيب، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وأيوب، وذو الكفل، ويونس، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، واليسع، ومحمد، عليهم جميعا الصلاة والسلام، وورد ذكر غيرهم ولكن اختُلف فيهم، هل هم أنبياء أم صالحون.

ومحمد -عليه الصلاة والسلام- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، لقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عن أبي هريرة: (مَثَلي ومَثَل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة -قال- فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) [رواه مسلم].

والإيمان بالرسل جميعهم ركن من أركان الإيمان، لا يصح إيمان مسلم من دونه، لقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث جبريل: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر) [متفق عليه]، ولقوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285].

والكفر برسول واحد كفر مخرج من الملة، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150 - 152].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 96
الخميس 16 ذو الحجة 1438 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 0

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً