رموز .. أم أوثان (2) لا يمكن إحصاء الدعوات التي خرجت خلال القرن الأخير من عمر الأمة تطالب بنبذ ...

منذ 2025-06-27
رموز .. أم أوثان (2)

لا يمكن إحصاء الدعوات التي خرجت خلال القرن الأخير من عمر الأمة تطالب بنبذ التقليد، وحصر الاتّباع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهاجمت التعصب الأعمى للمذاهب الفقهية وسعت إلى هدم التقديس الشركي لشيوخ الطرق الصوفية، ودعت المسلمين إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، وقد حققت هذه الدعوات على اختلاف غاياتها نتائج كبيرة في هذا المجال ولكن ما اتضح من تعقب مآلات هذه الدعوات أنها فشلت في تحقيق الاستمرارية في نتائجها وذلك بسبب عودة الناس إلى اتخاذ متبوعين جدد استبدلوهم مكان المتبوعين السابقين الذين خرجت الدعوات السالفة لنقض اتباعهم هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن أتباع غالبية تلك الدعوات بعد فترة قصيرة من انطلاقها صاروا يتخذون لأنفسهم متبوعين يقلدونهم ويقدسونهم ويغالون فيهم محبةً وطاعة، بل وتعدى بهم الأمر أن يقوموا بدعوة الناس لاتباع من قدسوه وغلوا فيه بعد أن دعوهم لعقود إلى ترك من اتبعوهم من العلماء والرؤساء.

ولو تتبعنا الأمر أكثر لوجدنا أن تفسيره كامن في طبائع النفس البشرية فالعصبية للجماعة التي ينسب الإنسان نفسه إليها، والمفاخرة بهذه الجماعة ومن ينتمي إليها أو يقودها والتنافس في ذلك مع المنتسبين للجماعات الأخرى هي أمور موجودة في طبيعة الإنسان من الصعب عليه الانفكاك عنها، إلا على من رحم الله، وكذلك فإن إخلاص التوحيد لله وإحكام تنقية القلب من الأنداد هو من أشق الأمور على النفس، لذلك قال الله تعالى: {ومَا يُؤمِن أَكثرُهُم بِاللَّه إِلَّا وهُم مُّشرِكون}.

فهذه الأحزاب أو الفصائل أو التنظيمات تقع بالضرورة في منافسة مع غيرها سواء من الحلفاء أو الأعداء وتحاول أن تستقوي عليهم بأي وسيلة ممكنة في يدها، حتى ما يخالف الشرع منها، أو يخالف أصول دعوتها فإنها تتحايل على نفسها وأتباعها لتستفيد منها في تدعيم صفها الداخلي، أو تقوية موقفها الخارجي ومن تلك الوسائل الشائعة في لعبة المنافسة هذه اتخاذ «الرموز»، ومبارزة المنافسين بها فخرا وتعظيما.

وتزداد أهمية هذه الوسيلة عند الجماعات الضالة عندما تتهم من قبل منافسيها بالافتقار إلى نوع معين من الأفراد فيها، سواء كانوا من العلماء أو القادة الدهاة الحكماء، أو المقاتلين الخبراء الأقوياء، أو حتى من أهل الحرف والصناعات، وأرباب الاختصاصات العلمية والشهادات فترتفع قيمة هؤلاء في أوساط تنظيماتهم بأن يظهروا للناس صدق دعوتهم، أو صواب خطتهم، أو قوة جماعتهم بعدد وحجم «الرموز» المنضمين إليها أو المادحين لها ولسيرتها، وبحسب أهداف الجماعة أو التنظيم ترتفع أسهم «الرموز» الذين يجذبون المستهدفين من دعوته، المطلوب انضمامهم إلى صفوفها أو على الأقل ضمان تأييدهم لها.

وفي حال افتقار الفصيل أو الحزب الضال إلى «رموز» يبني عليهم بنيانه المتهالك، فإن قادته تنتابهم عقدة النقص إزاء الفصائل الأخرى التي تمتلك «رموزاً» مشهورين يقبل عليهم الناس ويتعلقون بالتنظيم بسببهم لذلك يسعون جهدهم إلى استقطاب «الرموز» إلى حزبهم، أو تصنيع «الرموز» عن طريق اختيار بعض الأفراد الموثوق بولائهم للفصيل، ثم إشهارهم إعلاميا، والنفخ في صفاتهم، وتكبير أسمائهم، وتحويلهم إلى «رموز»، لتتعلق بهم قلوب الأنصار، ويكونوا بمثابة الأوتاد الذين يثبت كل منهم جانبا من جوانب الحزب عن طريق شد قسم من الأنصار إليه في حين يقوم «الزعيم الأوحد» للفصيل مقام العمود الذي ينتصب به قوام التنظيم، الذي يتم ترفيعه أيضا ورفع سوية الغلو فيه عند أعضاء الحزب في سبيل النهوض أكثر بالتنظيم الذي يقوم بكامله على الأشخاص و«الرموز»، أما منهج التنظيم وعقيدته، فتكون غالبا منهج وعقيدة «الرموز» لا أكثر.

إن الحزب أو التنظيم الذي يزعم الانتساب إلى الإسلام، بوصوله إلى هذه الحالة من التبعية «للرموز» فإنه فضلا عن الضلال المبين الذي وقع فيه، وساق إليه الناس بتشريعه الغلو في الرجال ورفعهم فوق مقام البشر، والدفع نحو تعبيد الناس لهم بالطاعة في المعروف والمنكر، فإن هذا الفصيل إنما يحفر قبره بيديه، وذلك بأن يصبح التنظيم ككل بعقيدته ومنهجه وسياسته وأفراده كله مرتبطا بهؤلاء «الرموز»، بعد أن بذل جهدا كبيرا لربط الناس بهم.

وتأتي خطورة «الرموز» على التنظيم وأفراده من حرفهم عن المنهج الإسلامي في التلقي والحكم والاتباع، وإبعادهم عن الكتاب والسنة، بأن يتحول الحق كلّه إلى جانب «الرموز» فيخسر الأفراد دينهم ويتحول التنظيم بذلك إلى ما يشبه زوايا الصوفية التي قوام الدين فيها تقديس مشايخها، وسلوك طريقتهم المبتدعة في الوصول إلى الله.

ومن جانب آخر فإن عقيدة التنظيم ومنهجه تصبح كلها رهينة لأهواء «الرموز» وآرائهم، وخاصة «الرموز» الكبار الموتى، حيث يلجأ التنظيم إلى تبرير كل أقوالهم وأفعالهم خوفا من إسقاطهم وبالتالي سقوط التنظيم بكامله من أعين الناس، بعدما بنوا كل بنيانهم على هذا الجرف الهار الذي يسمونه «رموز».


وفي حال افتقار الفصيل أو الحزب الضال إلى «رموز» يبني عليهم بنيانه المتهالك، فإن قادته تنتابهم عقدة النقص إزاء الفصائل الأخرى التي تمتلك «رموزاً» مشهورين يقبل عليهم الناس ويتعلقون بالتنظيم بسببهم لذلك يسعون جهدهم إلى استقطاب «الرموز» إلى حزبهم، أو تصنيع «الرموز» عن طريق اختيار بعض الأفراد الموثوق بولائهم للفصيل، ثم إشهارهم إعلاميا، والنفخ في صفاتهم، وتكبير أسمائهم، وتحويلهم إلى «رموز»، لتتعلق بهم قلوب الأنصار، ويكونوا بمثابة الأوتاد الذين يثبت كل منهم جانبا من جوانب الحزب عن طريق شد قسم من الأنصار إليه في حين يقوم «الزعيم الأوحد» للفصيل مقام العمود الذي ينتصب به قوام التنظيم، الذي يتم ترفيعه أيضا ورفع سوية الغلو فيه عند أعضاء الحزب في سبيل النهوض أكثر بالتنظيم الذي يقوم بكامله على الأشخاص و«الرموز»، أما منهج التنظيم وعقيدته، فتكون غالبا منهج وعقيدة «الرموز» لا أكثر.

إن الحزب أو التنظيم الذي يزعم الانتساب إلى الإسلام، بوصوله إلى هذه الحالة من التبعية «للرموز» فإنه فضلا عن الضلال المبين الذي وقع فيه، وساق إليه الناس بتشريعه الغلو في الرجال ورفعهم فوق مقام البشر، والدفع نحو تعبيد الناس لهم بالطاعة في المعروف والمنكر، فإن هذا الفصيل إنما يحفر قبره بيديه، وذلك بأن يصبح التنظيم ككل بعقيدته ومنهجه وسياسته وأفراده كله مرتبطا بهؤلاء «الرموز»، بعد أن بذل جهدا كبيرا لربط الناس بهم.

وتأتي خطورة «الرموز» على التنظيم وأفراده من حرفهم عن المنهج الإسلامي في التلقي والحكم والاتباع، وإبعادهم عن الكتاب والسنة، بأن يتحول الحق كلّه إلى جانب «الرموز» فيخسر الأفراد دينهم ويتحول التنظيم بذلك إلى ما يشبه زوايا الصوفية التي قوام الدين فيها تقديس مشايخها، وسلوك طريقتهم المبتدعة في الوصول إلى الله.

ومن جانب آخر فإن عقيدة التنظيم ومنهجه تصبح كلها رهينة لأهواء «الرموز» وآرائهم، وخاصة «الرموز» الكبار الموتى، حيث يلجأ التنظيم إلى تبرير كل أقوالهم وأفعالهم خوفا من إسقاطهم وبالتالي سقوط التنظيم بكامله من أعين الناس، بعدما بنوا كل بنيانهم على هذا الجرف الهار الذي يسمونه «رموز».

أما «الرموز» الأحياء فإن خطرهم على هذه التنظيمات الضالة أشد وأكبر، من حيث خوف قيادتها ووجلهم الدائم من إغضاب هؤلاء «الرموز» خشية تركهم للحزب، وبالتالي سيتبعهم في ذلك الآلاف من المناصرين الذين ارتبطوا بهذا «الرمز» أو ذاك، لذا يتحول هؤلاء إلى مراكز قوى داخل الفصيل، وتضعف قدرة قيادة الحزب على اتخاذ أي قرار مصيري دون أخذ إذنهم، والتاريخ شاهد على أن أحد أهم الأسباب في تفكك التجمعات البشرية هو «الرموز» وانشقاقاتهم التي تمزّق الجماعات وتدمّر الأحزاب والتنظيمات.

وكذلك فإن الطواغيت وأعداء الإسلام بمعرفتهم لهذه الحقائق يسهل عليهم حرف الأحزاب والتنظيمات بالسيطرة على هؤلاء «الرموز» عن طريق الترغيب أو الترهيب أو التضليل، وما قصص التراجعات في السجون بعيدة عنا، حيث تمكنت أجهزة المخابرات من القضاء على بعض التنظيمات بسهولة من خلال السيطرة على «رموزها» المعتقلين لديها، الذين أصدروا «المراجعات» التي يتبرؤون فيها من قتالهم للطواغيت، ويضعون لأتباعهم مناهج جديدة في العمل تخدم الطواغيت وترضيهم، وفي المحصلة ينحرف التنظيم أو الحزب بكامله عن منهجه الأصلي بسبب رغبة «رموزه» في جلب منفعة أو دفع مفسدة عن أنفسهم أو عن غيرهم.

إن جماعة المسلمين تقوم على المنهج الرباني، الذي أساسه أن لا طاعة مطلقة إلا لله عز وجل، وأن الاتباع المطلق لا يكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن انتصارها يكون بصحة منهجها وصدق أفرادها وقادتها في جهادهم، وأن ذلك الانتصار لا يقف وراءه عدة ولا عتاد ولا «رموز» بل هو محض فضل الله عليهم، وبربط الجماعة أفرادها بهذه الحقائق تحفظ لهم دينهم، وتبنى الجماعة على أساس متين، بحيث لا يضرها من ضل من أفرادها مهما بلغ من القدر أو العلم أو القدم في صفوفها، ولا يكون فعل أو قول أو رأي أي من أفرادها حجة عليها، بل تقوم بمحاسبتهم بناء على الأساس الشرعي الذي قامت عليه.

فإن ثبتت الجماعة المسلمة على هذا السبيل، فإنها ستضمن لنفسها البقاء بإذن الله، ولن يتمكن أحد من أفرادها من التسلق إلى المجد على أكتاف الصادقين، كما لن يكون فيها مكان للمنظرين الخاملين الذين يعتقد كل منهم أن مجرد انتسابه إليها منّة يمن بها على الجماعة، وأن الجماعة وأفرادها يجب أن يكونوا تبعا له ولهواه، كيفما دار يدوران معه، ومتى ما ركنت الجماعة إلى ما في صفوفها من «رموز» جعل الله عذابها على أيديهم، وهزيمتها بسببهم، والله لا يهدي القوم الضالين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 26
السنة السابعة - الثلاثاء 4 رجب 1437 هـ

مقال:
رموز .. أم أوثان (2)

67944d5410e67

  • 1
  • 0
  • 118

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً