• قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت وقال -تعالى- بعد ذلك: {قُل لن ينفعكُمُ الْفرارُ إن ...

منذ 2025-06-17
• قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت

وقال -تعالى- بعد ذلك: {قُل لن ينفعكُمُ الْفرارُ إن فررْتُم من الْموْت أو الْقتْل وإذًا لا تُمتعُون إلا قليلًا} [الأحزاب: 16]، فهم وإن فروا من القتال، لا يسعهم الفرار من الموت، وإن نجوا من القتل فلا يمتعون إلا قليلا، وذكر الله أن الذي يخافون أن يصيب ذراريهم ونساءهم وإياهم لا يُردُ إن أراده الله، وأن ما أرادوه من الفرار والركون والقعود لا يُنال إن أراد الله غيره، وأن الله هو وليُهم إن ثبتوا، وهو الذي تكفل بنصرهم سبحانه، فقال تعالى: {قُلْ من ذا الذي يعْصمُكُم من اللـه إنْ أراد بكُمْ سُوءًا أوْ أراد بكُمْ رحْمةً ولا يجدُون لهُم من دُون اللـه وليًا ولا نصيرًا} [الأحزاب: 17]، وذكر الله في سياق الحديث عن المنافقين بعض أحوالهم، فذكر أنهم مُخذلون مرجفون، قل ما يقاتلون، فقال تعالى: {قدْ يعْلمُ اللـهُ الْمُعوقين منكُمْ والْقائلين لإخْوانهمْ هلُم إليْنا ولا يأْتُون الْبأْس إلا قليلًا} [الأحزاب: 18].

وهم كذلك أشحة على المساعدة ومد يد العون، يتمنون لو لم يكونوا مع المؤمنين إذا حوصروا وضُيق عليهم، ويتندمون على بقائهم مع المسلمين بعد أن حل المشركون بساحتهم، وقد قال فيهم الله جل جلاله: {يقُولُون لوْ كان لنا من الْأمْر شيْءٌ ما قُتلْنا هاهُنا} [آل عمران: 54]، إذا ضاق بالمسلمين الحال شل الخوف أركانهم، وإذا ذهب الخوف تراهم يلقون باللوم على المؤمنين، ويزعمون أنهم سبب ما هم فيه من ضيق وفزع، وقالوا لهم من الكلام ما يؤذيهم، قال -تعالى- في وصفهم: {أشحةً عليْكُمْ فإذا جاء الْخوْفُ رأيْتهُمْ ينظُرُون إليْك تدُورُ أعْيُنُهُمْ كالذي يُغْشىٰ عليْه من الْموْت فإذا ذهب الْخوْفُ سلقُوكُم بألْسنةٍ حدادٍ أشحةً على الْخيْر } [الأحزاب: 19]، وإن المنافقين إذا ذهب الضيق وتحقق وعد الله وأتى نصره، لا يكادون يصدقون ذلك من شدة خوفهم، ويخافون من كرة المشركين، ويتمنون أن لا يكونوا مع المؤمنين إن عاد المشركون، قال تعالى: {يحْسبُون الْأحْزاب لمْ يذْهبُوا وإن يأْت الْأحْزابُ يودُوا لوْ أنهُم بادُون في الْأعْراب يسْألُون عنْ أنبائكُمْ} [الأحزاب: 20].


• لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً

إن المنافقين يُظهرون للمؤمنين العون والسند، والنصرة والمدد، {ويحْلفُون باللـه إنهُمْ لمنكُمْ وما هُم منكُمْ} [التوبة: 56]، فإذا انشغل المسلمون بالإعداد لجهاد أعداء الله، تراهم منشغلين بحطام الدنيا الفانية، وشهواتها الزائلة البالية، عازفين عن الجهاد نافرين منه، كارهين للخروج في سبيل الله، {ولوْ أرادُوا الْخُرُوج لأعدُوا لهُ عُدةً ولـٰكن كره اللـهُ انبعاثهُمْ فثبطهُمْ وقيل اقْعُدُوا مع الْقاعدين} [التوبة: 46].

ومن لطف الله بالمؤمنين أن ثبط المنافقين فلم يخرجوا معهم للقتال، لما علمه من خذلان المنافقين وعظيم فتنتهم، وضعف بعض المسلمين وتأثرهم بكلام المنافقين المعسول، فإنهم {لوْ خرجُوا فيكُم ما زادُوكُمْ إلا خبالًا ولأوْضعُوا خلالكُمْ يبْغُونكُمُ الْفتْنة وفيكُمْ سماعُون لهُمْ} [التوبة: 47]، فإذا خرج المسلمون للقتال فأخفقت سريتهم وأصاب منهم العدو ترى المنافقين يحمدون الله على قعودهم ويلومون المسلمين على خروجهم، قال الله تعالى: {الذين قالُوا لإخْوانهمْ وقعدُوا لوْ أطاعُونا ما قُتلُوا} [آل عمران: 168].

ولو خرجوا للقتال مع المؤمنين فإنهم قل ما يقاتلون حقيقة، بل يثاقلون إلى الأرض فلا تراهم إلا في آخر الصفوف، وأبعد ما يكونون من العدو، فهم إنما خرجوا بحثا عن المغنم لا عن الأجر، وطلبا للنصر لا للقتل، قال تعالى: {وإن منكُمْ لمن ليُبطئن فإنْ أصابتْكُم مُصيبةٌ قال قدْ أنْعم اللـهُ علي إذْ لمْ أكُن معهُمْ شهيدًا* ولئنْ أصابكُمْ فضْلٌ من اللـه ليقُولن كأن لمْ تكُن بيْنكُمْ وبيْنهُ مودةٌ يا ليْتني كُنتُ معهُمْ فأفُوز فوْزًا عظيمًا} [النساء: 73].

إن المنافقين مما يزيد البلاء عند حلول الابتلاء، وإن مما يُطفئ نار فتنتهم هجرُهم، وعدم نقل الأخبار عنهم، إذ أنهم مردوا على التخذيل والإرجاف، وكذلك الشدةُ في الحديث معهم، والإغلاظُ عليهم، قال تعالى: {أُولـٰئك الذين يعْلمُ اللـهُ ما في قُلُوبهمْ فأعْرضْ عنْهُمْ وعظْهُمْ وقُل لهُمْ في أنفُسهمْ قوْلًا بليغًا} [النساء: 63].

لقد فضح الله تعالى المنافقين، وذكرهم بأوصافهم، وهم مستمرون على هذه الأوصاف في كل وقت وحين، ولا نزال نرى من يشابه المنافقين في أوصافهم وهو يميل إليهم شيئا فشيئا حتى يكون منافقا خالصا، إلا أن يتوب، ويؤمن بالله العظيم.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 97
الخميس 23 ذو الحجة 1438 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 0

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً