الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 499 الافتتاحية: • التربية الأمنية جنبا إلى جنب مع ...
منذ 2025-06-18
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 499
الافتتاحية:
• التربية الأمنية
جنبا إلى جنب مع التربية الإيمانية والجهادية؛ تشتدّ حاجة المسلم إلى التربية الأمنية العملية، في ظل اشتداد الحرب على الإسلام وطليعته المجاهدة، القائمة بأمره الساعية إلى تحكيمه، الباذلة كل ما تملك في سبيل سيادته وإعلاء كلمته.
وكغيرها من العمليات التربوية؛ تهدف التربية الأمنية إلى تنشئة الفرد المسلم أمنيّا وتنمية الحس والوعي الأمني لديه مبكرا، أي إنها تتعلق ببدايات هذا الفرد، سواء كان شبلا في مخيمات الأهوال، أو ناشئا في معاهد إفريقية والصومال، أو فتيّا متوثّبا في أرياف الشام، أو جذوة متقدة فوق قمم خراسان، أو حتى جلدا صبورا في عراق الإيمان؛ وسواء كان هذا الفرد مهاجرا للتو حطّ رحاله في أرض الجهاد، أو مجاهدا فاتته التنشئة الأمنية، فلزمه أن يجلس مجالسها ويقصد ميادينها ليعاد تأهيله أمنيا ولو بالحدّ الأدنى الذي يبلّغه مهامه، ويحقق له مقصود جهاده ويقيه شرور أعدائه.
وهي مهمة جماعية لا تقتصر على الجهاز الأمني كما يُتوهم، بل يبدأ الإخفاق الأمني عندما يتم برمجة الجنود والأفراد على أنّ الأمن وظيفة خاصة بالأمني! وليست سلوكا وممارسة وفراسة وحسّا؛ بل واجبا شرعيا ينبغي أن يمتثله كل مجاهد داخل الجماعة، بدءا من الشرعي ومرورا بالعسكري، وليس انتهاء بالإعلامي الذي تزداد حاجته إلى الوعي الأمني في ظل احتكاكه المباشر بالعالم الخارجي المعقّد المملوء بالمتربصين.
غير أننا لا نقصد بالتربية الأمنية ما تقصده الأنظمة الطاغوتية بالأمن الذي هو الخوف من الطاغوت والرضوخ له والسكوت عن باطله وشرعنة كفره، وإنما على النقيض تماما، فالأمن الذي ننشده ونسعى لتنميته في شخصية المسلم، هو الذي يؤسس لإسقاط هذه الأنظمة الكافرة، وضرب أمنها واستقرارها وصولا إلى اقتلاعها وإقامة حكم الإسلام على أنقاضها.
كما لا تهدف التربية الأمنية في الإسلام إلى إعداد "مواطن صالح" كما يسميه العصرانيّون، فهو في عُرف الدول المدنية ودساتيرها الجاهلية؛ كائن خانس خانع متثاقل إلى الأرض لا يحارب الشرك ولا يقارع الجاهلية، بل يلتزم نظامها ويداهنها ويسايرها؛ وإنما تهدف التربية الأمنية إلى إعداد مسلم مجاهد متيقّظ متفطّن لما يُحاك له ويتربص به في كل ساحة من ساحات الحرب العالمية مع الكفر.
في الجانب الإجرائي، ينبغي التركيز في التربية الأمنية على "العنصر البشري" بالدرجة الأولى، أي على الفرد المسلم الذي يجب إعداده وصقل خبرته الأمنية ليكون أهلا للقيام بالمهام الموكلة إليه في ميدان الجهاد، سواء كان ذلك في ديار الإسلام أو ديار الكفر، فالفرد هو "رأس مال" التربية الأمنية، وهو "ربحها"، وهو "خسارتها" إنْ أهمل وقصّر فيها.
شرعيًّا، أمر الله تعالى المؤمنين بأخذ الحذر عموما فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}، وأمرهم بأخذ الحذر والسلاح معا، ونهاهم في ميدان المواجهة عن الغفلة أو الانقطاع عن ذلك الحذر المسلّح حتى في الصلاة التي هي قرة عين المؤمن وموضع خشوعه وانقطاعه عن الدنيا فقال سبحانه: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ... وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}، واليوم لا شك أن الأرض -كل الأرض- غدت ميدان مواجهة مفتوحة مع العدو الماكر المتربص الذي لا يألو جهدا في تتبّع المجاهدين للإيقاع بهم وضرب قدراتهم، ولئن كانت الحروب العسكرية تتوقف بتوقُّف مدافعها وقاذفاتها؛ فإنّ الحروب الأمنية لا تتوقف ولا تهدأ أبدا.
والسيرة النبوية تضمنت كثيرا من التطبيقات العملية للتربية الأمنية التي برزت في رحلة الهجرة وبيعة العقبة والغزوات والسرايا وغيرها، وتاريخ الخلفاء الراشدين حافل كذلك بالنماذج والممارسات التي تعكس براعة الشخصية الأمنية التي صُقلت في ظلال دولة الإسلام الأولى، فالتربية الأمنية في الإسلام ليست مبحثا مُستحدثا عصريا، بل هي امتداد لماضٍ أمني إسلامي زاخر بالنجاح والحصانة والوقاية والتأهُّب، ضمن حركة الإسلام الدؤوبة لتحقيق التوحيد وقمع الشرك، إذْ لا أمن للبشرية بغير التوحيد لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أما عن مجالات التربية الأمنية فهي شاملة واسعة تستوعب جميع ميادين العمل الجهادي، وتشمل الأمن الشخصي، والأمن التقني، وأمن الاتصالات، وأمن المعلومات، وأمن المنشآت كالمضافات، وأمن المواصلات والتنقّلات، وأمن الاجتماعات، وأمن سلاسل التوريد؛ والأخيرة هذه صارت ثغرة يدخل منها العدو إلى داخل البنية الجهادية لضربها وتحييد كوادرها، فهذه المجالات ينبغي للمجاهد تعلّمها والسعي لامتلاك أدواتها، أو على الأقل الإلمام بأساليبها، بحيث إنْْ لم تكن في قبضته؛ لا يكن في قبضتها.
ومن المهم اتباع منهجية أمنية واضحة محدّثة تتجاوز عقدة الدراسات الأمنية التقليدية التي أكلها الزمن ولم تعد صالحة لمواجهة التحديات المستجدة، بل صارت تأتي بنتائج عكسية لمن ركن إليها وأوقف تجربته الأمنية عند حدودها.
الافتتاحية:
• التربية الأمنية
جنبا إلى جنب مع التربية الإيمانية والجهادية؛ تشتدّ حاجة المسلم إلى التربية الأمنية العملية، في ظل اشتداد الحرب على الإسلام وطليعته المجاهدة، القائمة بأمره الساعية إلى تحكيمه، الباذلة كل ما تملك في سبيل سيادته وإعلاء كلمته.
وكغيرها من العمليات التربوية؛ تهدف التربية الأمنية إلى تنشئة الفرد المسلم أمنيّا وتنمية الحس والوعي الأمني لديه مبكرا، أي إنها تتعلق ببدايات هذا الفرد، سواء كان شبلا في مخيمات الأهوال، أو ناشئا في معاهد إفريقية والصومال، أو فتيّا متوثّبا في أرياف الشام، أو جذوة متقدة فوق قمم خراسان، أو حتى جلدا صبورا في عراق الإيمان؛ وسواء كان هذا الفرد مهاجرا للتو حطّ رحاله في أرض الجهاد، أو مجاهدا فاتته التنشئة الأمنية، فلزمه أن يجلس مجالسها ويقصد ميادينها ليعاد تأهيله أمنيا ولو بالحدّ الأدنى الذي يبلّغه مهامه، ويحقق له مقصود جهاده ويقيه شرور أعدائه.
وهي مهمة جماعية لا تقتصر على الجهاز الأمني كما يُتوهم، بل يبدأ الإخفاق الأمني عندما يتم برمجة الجنود والأفراد على أنّ الأمن وظيفة خاصة بالأمني! وليست سلوكا وممارسة وفراسة وحسّا؛ بل واجبا شرعيا ينبغي أن يمتثله كل مجاهد داخل الجماعة، بدءا من الشرعي ومرورا بالعسكري، وليس انتهاء بالإعلامي الذي تزداد حاجته إلى الوعي الأمني في ظل احتكاكه المباشر بالعالم الخارجي المعقّد المملوء بالمتربصين.
غير أننا لا نقصد بالتربية الأمنية ما تقصده الأنظمة الطاغوتية بالأمن الذي هو الخوف من الطاغوت والرضوخ له والسكوت عن باطله وشرعنة كفره، وإنما على النقيض تماما، فالأمن الذي ننشده ونسعى لتنميته في شخصية المسلم، هو الذي يؤسس لإسقاط هذه الأنظمة الكافرة، وضرب أمنها واستقرارها وصولا إلى اقتلاعها وإقامة حكم الإسلام على أنقاضها.
كما لا تهدف التربية الأمنية في الإسلام إلى إعداد "مواطن صالح" كما يسميه العصرانيّون، فهو في عُرف الدول المدنية ودساتيرها الجاهلية؛ كائن خانس خانع متثاقل إلى الأرض لا يحارب الشرك ولا يقارع الجاهلية، بل يلتزم نظامها ويداهنها ويسايرها؛ وإنما تهدف التربية الأمنية إلى إعداد مسلم مجاهد متيقّظ متفطّن لما يُحاك له ويتربص به في كل ساحة من ساحات الحرب العالمية مع الكفر.
في الجانب الإجرائي، ينبغي التركيز في التربية الأمنية على "العنصر البشري" بالدرجة الأولى، أي على الفرد المسلم الذي يجب إعداده وصقل خبرته الأمنية ليكون أهلا للقيام بالمهام الموكلة إليه في ميدان الجهاد، سواء كان ذلك في ديار الإسلام أو ديار الكفر، فالفرد هو "رأس مال" التربية الأمنية، وهو "ربحها"، وهو "خسارتها" إنْ أهمل وقصّر فيها.
شرعيًّا، أمر الله تعالى المؤمنين بأخذ الحذر عموما فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}، وأمرهم بأخذ الحذر والسلاح معا، ونهاهم في ميدان المواجهة عن الغفلة أو الانقطاع عن ذلك الحذر المسلّح حتى في الصلاة التي هي قرة عين المؤمن وموضع خشوعه وانقطاعه عن الدنيا فقال سبحانه: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ... وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}، واليوم لا شك أن الأرض -كل الأرض- غدت ميدان مواجهة مفتوحة مع العدو الماكر المتربص الذي لا يألو جهدا في تتبّع المجاهدين للإيقاع بهم وضرب قدراتهم، ولئن كانت الحروب العسكرية تتوقف بتوقُّف مدافعها وقاذفاتها؛ فإنّ الحروب الأمنية لا تتوقف ولا تهدأ أبدا.
والسيرة النبوية تضمنت كثيرا من التطبيقات العملية للتربية الأمنية التي برزت في رحلة الهجرة وبيعة العقبة والغزوات والسرايا وغيرها، وتاريخ الخلفاء الراشدين حافل كذلك بالنماذج والممارسات التي تعكس براعة الشخصية الأمنية التي صُقلت في ظلال دولة الإسلام الأولى، فالتربية الأمنية في الإسلام ليست مبحثا مُستحدثا عصريا، بل هي امتداد لماضٍ أمني إسلامي زاخر بالنجاح والحصانة والوقاية والتأهُّب، ضمن حركة الإسلام الدؤوبة لتحقيق التوحيد وقمع الشرك، إذْ لا أمن للبشرية بغير التوحيد لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أما عن مجالات التربية الأمنية فهي شاملة واسعة تستوعب جميع ميادين العمل الجهادي، وتشمل الأمن الشخصي، والأمن التقني، وأمن الاتصالات، وأمن المعلومات، وأمن المنشآت كالمضافات، وأمن المواصلات والتنقّلات، وأمن الاجتماعات، وأمن سلاسل التوريد؛ والأخيرة هذه صارت ثغرة يدخل منها العدو إلى داخل البنية الجهادية لضربها وتحييد كوادرها، فهذه المجالات ينبغي للمجاهد تعلّمها والسعي لامتلاك أدواتها، أو على الأقل الإلمام بأساليبها، بحيث إنْْ لم تكن في قبضته؛ لا يكن في قبضتها.
ومن المهم اتباع منهجية أمنية واضحة محدّثة تتجاوز عقدة الدراسات الأمنية التقليدية التي أكلها الزمن ولم تعد صالحة لمواجهة التحديات المستجدة، بل صارت تأتي بنتائج عكسية لمن ركن إليها وأوقف تجربته الأمنية عند حدودها.