إنّهُمْ إِنْ يظْهرُوا عليْكُمْ يرْجُمُوكُمْ أوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلّتِهِمْ إن دين الأنبياء ...

منذ 2025-06-18
إنّهُمْ إِنْ يظْهرُوا عليْكُمْ يرْجُمُوكُمْ أوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلّتِهِمْ

إن دين الأنبياء -عليهم السلام- كلهم واحد، وهو الإسلام لرب العالمين سبحانه، وإن كان قد شرع لأتباع كلٍّ منهم من العبادات ما اختصهم به دون سواهم، وأمرهم بالالتزام بها، وعدم الخروج عليها، وابتلاهم بذلك، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جعلْنا مِنْكُمْ شِرْعةً ومِنْهاجًا ولوْ شاء اللّهُ لجعلكُمْ أُمّةً واحِدةً ولكِنْ لِيبْلُوكُمْ فِي ما آتاكُمْ} [المائدة: 48].

وإن مما تشابه فيه الأنبياء جميعهم، عداوتهم للمشركين، وعداوة المشركين لهم، وحرص أعداء الدين على إطفاء نور الله، وإرجاع المؤمنين عن دينهم، ليكونوا سواء في الكفر كلهم، وإن اختلفت وسائلهم في ذلك بحسب مدى قوة المشركين، ومدى استضعاف الموحدين.

فمنهم من هدد المؤمنين بالنفي والإخراج من الديار، كما في قولهم: {لنُخْرِجنّك يا شُعيْبُ والّذِين آمنُوا معك مِنْ قرْيتِنا أوْ لتعُودُنّ فِي مِلّتِنا} [الأعراف: 88]، ومنهم من توعدهم بالتعذيب والإيذاء، كقولهم: {لئِنْ لمْ تنْتهُوا لنرْجُمنّكُمْ وليمسّنّكُمْ مِنّا عذابٌ ألِيمٌ} [يس: 18]، ومنهم من توعدهم بقطع الأعضاء والتصليب، كما في قول فرعون: {لأُقطِّعنّ أيْدِيكُمْ وأرْجُلكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمّ لأُصلِّبنّكُمْ أجْمعِين} [الأعراف: 124]، ومنهم من سلط عليهم ما هو أشد من ذلك وهو القتل والتحريق، كما قال الله -تعالى- عنهم: {فما كان جواب قوْمِهِ إِلّا أنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أوْ حرِّقُوهُ فأنْجاهُ اللّهُ مِن النّارِ إِنّ فِي ذلِك لآياتٍ لِقوْمٍ يُؤْمِنُون} [العنكبوت: 24]، وهو ما حدث فعلا مع إبراهيم -عليه السلام- وأصحاب الأخدود.

ولو تتبعنا ردود فعل الموحدين على عداوة قومهم لهم، لوجدناهم لا يخرجون عن القيام بما أمرهم الله به، من الصبر على دينهم، وتحمل أذى المشركين، أو الهجرة من ديارهم، أو رد عدوانهم ومقاتلتهم، أو حتى ابتدائهم بالقتل والقتال، وذلك كله تبعا لأمر الله عز وجل، وما يأذن به لعباده من الوسائل التي تعينهم على حفظ دينهم، ومرضاة ربهم.

فمنهم من أطاع الله -تعالى- بالصبر على أذى المشركين إذ لم يكن أمامه إلا الصبر، وبقي على ذلك حتى لقي الله، كأصحاب الأخدود، وكحال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته قبل الهجرة، ومنهم من أطاع الله -تعالى- عندما أمره بالخروج من أرضه، كموسى -عليه السلام- الذي أمره ربه جل جلاله حيث قال: {ولقدْ أوْحيْنا إِلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي فاضْرِبْ لهُمْ طرِيقًا فِي الْبحْرِ يبسًا لا تخافُ دركًا ولا تخْشى} [طه: 77]، وغيره من الأنبياء، ومنهم من أطاع الله -تعالى- عندما أمره بكف الأذى عن نفسه، والانتصار لدينه بقتال المشركين، كما قال تعالى: {وكأيِّنْ مِنْ نبِيٍّ قاتل معهُ رِبِّيُّون كثِيرٌ فما وهنُوا لِما أصابهُمْ فِي سبِيلِ اللّهِ وما ضعُفُوا وما اسْتكانُوا واللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِين} [آل عمران: 146].

وقد أمرنا الله معاشر المسلمين أن نذود عن ديننا، ونحمي أنفسنا وأعراضنا وأموالنا، بالقتال في سبيله، وبذل النفوس في مرضاته، فقال -سبحانه- لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فقاتِلْ فِي سبِيلِ اللّهِ لا تُكلّفُ إِلّا نفْسك وحرِّضِ الْمُؤْمِنِين عسى اللّهُ أنْ يكُفّ بأْس الّذِين كفرُوا واللّهُ أشدُّ بأْسًا وأشدُّ تنْكِيلًا} [النساء: 84]، وما لنا إلا أن نطيع الله فيما أمرنا به، كما أطاعه من قبلنا من المسلمين فيما أمروا، فجازاهم على ذلك خير الجزاء.

وكيف لنا أن نقعد عن قتال المشركين، ونحن نعلم علم اليقين أنهم لا يرقبون فينا إلّاً ولا ذمة، وإن ظهورهم علينا يعني أن يسومونا سوء العذاب، حتى يخرجونا من توحيدنا إلى شركهم، ومن إيماننا إلى كفرهم، مصداقا لقوله تعالى: {إِنّهُمْ إِنْ يظْهرُوا عليْكُمْ يرْجُمُوكُمْ أوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلّتِهِمْ ولنْ تُفْلِحُوا إِذًا أبدًا} [الكهف: 20]، وقوله تعالى: {ولا يزالُون يُقاتِلُونكُمْ حتّى يرُدُّوكُمْ عنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتطاعُوا} [البقرة: 217].

فيا جنود الدولة الإسلامية، ما هي والله إلا أن نقاتلهم، حتى ينصرنا الله عليهم، ونحكّم شرع الله فيهم، وإما أن يظهروا علينا، فيحكّموا فينا شريعة الطاغوت، هما خياران لا ثالث لهما، وما لنا بعد الله -تعالى- إلا القتال حتى يحكم الله بيننا وبين القوم المجرمين.

ولئن قتلنا كلنا، والسيوف في أيدينا، فنكون بإذن الله من الشهداء، لهو خير لنا من أن نحيا والأغلال في أعناقنا، مستضعفين أذلاء، فسيروا في الطريق الذي اختاره لكم مولاكم، تنجوا في الدنيا والآخرة، قال ربكم جل وعلا: {كُتِب عليْكُمُ الْقِتالُ وهُو كُرْهٌ لكُمْ وعسى أنْ تكْرهُوا شيْئًا وهُو خيْرٌ لكُمْ وعسى أنْ تُحِبُّوا شيْئًا وهُو شرٌّ لكُمْ واللّهُ يعْلمُ وأنْتُمْ لا تعْلمُون} [البقرة: 216]، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 2
  • 0
  • 0

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً