فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركض على ...
منذ 2025-06-18
فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركض على بغلته قِبَل الكفار. قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكُفُّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي عباس! نادِ أصحاب السَّمُرة)، فقال عباس، وكان رجلا صيِّتا: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السَّمُرة؟ قال: فوالله لكأنَّ عَطْفَتَهُمْ حين سمعوا صوتي عطفةُ البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك! يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار. يقولون: يا معشر الأنصار! يا معشر الأنصار! قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته، كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا حين حمي الوطيس). قال: ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: (انهَزَموا ورب محمد!)، قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله! ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا".
والسَّمُرة، هي الشجرة التي بايع تحتها الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القتال قبل صلح الحديبية، والتي سميت حينها بيعة الرضوان، لأن الله -تعالى- رضي عن الذين دخلوا في هذه البيعة.
• الفرار والتولي يوم الزحف:
وبالمثل فإن الفرار سجية ذميمة، عاقبتها قبيحة وخيمة، وقد يفِرُّ بفرار الرجل الجيش كله، فتكون بذلك الخيبة والخسران، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد جعله الله -تعالى- إحدى صفات المنافقين، وما أدل على خطورة الفرار من الحرب على جيش المسلمين من قصة المنافقين يوم أحد، إذ لم يكتفوا بالفرار من القتال بل جهدوا ليسحبوا معهم أكثر ما يستطيعون من جيش المسلمين ويقعدوهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن كثير في قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: 167]: "خرج رسول الله -يعني حين خرج إلى أُحُد-في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كان بالشوط -بين أُحُد والمدينة- انحاز عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتُل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم، أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبَوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم" [تفسير القرآن العظيم].
فإن الفارَّ من القتال إنما يخذُل بذلك المسلمين ويخذِّلهم، ويفتُّ في عضدهم ويوهن من عزيمتهم، فيتبعه في فراره ضعاف النفوس ومرضى القلوب، ممن آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، وما علموا أن متاع الدنيا في الآخرة قليل، وأن اقتحام المكاره أكرم من العيش مع الخوالف.
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما
إن الله قد وعد عباده بالنصر، سواء قُتلوا أو غَلبوا، في الدنيا والآخرة، فإن العبد إذا تيقن بموعود الله -عز وجلَّ- له في هذه الدار ودار القرار، أقدم على إنجاز العقد الذي بينه وبين ربه، فيقتحم غمار الحتوف، باذلا جهده للقاء بارئه، لينال ما وعده، فإن عاش عاش عزيزا، وإن قتل كان شهيدا، وفي كل خير، فهو منصور بنيل إحدى الحسنيين، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 هـ
والسَّمُرة، هي الشجرة التي بايع تحتها الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القتال قبل صلح الحديبية، والتي سميت حينها بيعة الرضوان، لأن الله -تعالى- رضي عن الذين دخلوا في هذه البيعة.
• الفرار والتولي يوم الزحف:
وبالمثل فإن الفرار سجية ذميمة، عاقبتها قبيحة وخيمة، وقد يفِرُّ بفرار الرجل الجيش كله، فتكون بذلك الخيبة والخسران، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد جعله الله -تعالى- إحدى صفات المنافقين، وما أدل على خطورة الفرار من الحرب على جيش المسلمين من قصة المنافقين يوم أحد، إذ لم يكتفوا بالفرار من القتال بل جهدوا ليسحبوا معهم أكثر ما يستطيعون من جيش المسلمين ويقعدوهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن كثير في قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: 167]: "خرج رسول الله -يعني حين خرج إلى أُحُد-في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كان بالشوط -بين أُحُد والمدينة- انحاز عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتُل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم، أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبَوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم" [تفسير القرآن العظيم].
فإن الفارَّ من القتال إنما يخذُل بذلك المسلمين ويخذِّلهم، ويفتُّ في عضدهم ويوهن من عزيمتهم، فيتبعه في فراره ضعاف النفوس ومرضى القلوب، ممن آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، وما علموا أن متاع الدنيا في الآخرة قليل، وأن اقتحام المكاره أكرم من العيش مع الخوالف.
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما
إن الله قد وعد عباده بالنصر، سواء قُتلوا أو غَلبوا، في الدنيا والآخرة، فإن العبد إذا تيقن بموعود الله -عز وجلَّ- له في هذه الدار ودار القرار، أقدم على إنجاز العقد الذي بينه وبين ربه، فيقتحم غمار الحتوف، باذلا جهده للقاء بارئه، لينال ما وعده، فإن عاش عاش عزيزا، وإن قتل كان شهيدا، وفي كل خير، فهو منصور بنيل إحدى الحسنيين، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 هـ