سلسلة علمية في بيان مسائل منهجية (5-6) الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان ...
منذ 2025-07-03
سلسلة علمية في بيان مسائل منهجية (5-6)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام الأولين والآخِرين، أما بعد؛
فسنتكلم في هذه الحلقة بإذن الله تعالى عن المسائل التي حصل فيها النزاع حول حكم الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام.
وقبل الدخول في موضوع الطائفة الممتنعة نود أن نبدأ بتقرير مقدمة يسيرة، فنقول:
إن أهل السنة والجماعة قد اتفقوا على أن الإيمان قول وعمل، ونقل غير واحد من أهل العلم إجماعهم على ذلك، وتفصيل ذلك القول هو بما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقال: "ومن أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قولٌ وعمل؛ قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح"، انتهى كلامه.
وتوضيح ذلك أن الله تعالى إذا أمر بأمر كالصلاة والزكاة وغيرها، وركن الإيمان بأمر الله تعالى هو الانقياد له وذلك من عمل القلب، فمن لم يقم في قلبه انقياد لأمر الله تعالى فهو كافر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق وعملِ القلب الذي هو الانقياد"، إلى أن قال: "فمن لم يحصل في قلبه التَّصديق والانقياد فهو كافر"، انتهى كلامه رحمه الله.
ولا بدَّ أيضًا من التنبيه على أمر مهم؛ وهو أن انقياد القلب لأمر الله لا بدّ وأن يظهر أثرُه على الجوارح، فمن امتنع عن العمل دل امتناعُه على عدم إيمانه وانقياده أو ضعف إيمانه وانقياده، فالممتنع عن العمل إما أن يكون كافرًا وإما أن يكون فاسقًا، وهذا يختلف باختلاف صورة الامتناع عن العمل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فأصل الإيمان في القلب؛ وهو قول القلب وعملُه، وهو إقرارٌ بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب فلا بدَّ أن يظهر موجبُه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه"، انتهى كلامه.
والمقصود من ذلك أن الإنسان إذا امتنع عن عمل من أعمال الإسلام إباءً واستكبارًا فإنه يعد كافرًا لعدم انقياده، وكفر هذا كـكفر إبليس الذي امتنع عن السجود لآدم عليه السلام مع إقراره بالوجوب.
• نعود إلى مسألة الطائفة الممتنعة فنقول: ما هي الطائفة الممتنعة؟
الجواب: هي جماعة تنتسب إلى الإسلام ثم تمتنع بالقوة والقتال عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، ولو أقرت بوجوبها.
مثالها: لو امتنعت طائفة عن التزام أداء الزكاة أو عن التزام الصيام أو غير ذلك من شرائع الإسلام، ولو أقرُّوا بوجوبها، أو لم يلتزموا ترك المحرمات الظَّاهرة كالربا والخمر والزنا، ولو أقروا بتحريمها، ولم نقدر على إلزامهم إلا بالقتال، أو يكونون ذوي قوة يمتنعون بها عن التزام الشرائع الظاهرة ولو لم يباشروا القتال فعليًا.
• ثم نقول: ما حكم الطائفة الممتنعة؟
الجواب: حكم الطائفة الممتنعة على الصحيح من قولي العلماء هو الردة، والخروج عن الإسلام، وذلك بناءً على ما سبق ذكره في المقدمة عن مسمى الإيمان، وأنه قول وعمل، وأنه لا بدّ من الانقياد لأوامر الله تعالى.
والدليل على ذلك: إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- المستند إلى الدليل فقد سموا مانعي الزكاة بالمرتدين.
يقول أبو عبيدٍ القاسم ابن سلّام: "والمصدق لهذا جهادُ أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواءا، لا فرق بينهما في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لها غير جاحدين بها"، انتهى كلامه.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يُصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتَلون على منعها، وإن أقرّوا بالوجوب كما أمر الله"، انتهى كلامه.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد نقله لكلام شيخ الإسلام: "فتأمل كلامه وتصريحه بأن الطائفة الممتنعة عن أداء الزكاة إلى الإمام أنهم يقاتلون، ويحكم عليهم بالكفر، والردة عن الإسلام، وتسبى ذراريُّهم، وتغنم أموالهم، وإن أقروا بوجوب الزكاة، وصلوا الصلوات الخمس، وفعلوا جميع شرائع الإسلام غير أداء الزكاة، وأن ذلك ليس بمسقط للقتال لهم، والحكم عليهم بالكفر، والردة، وأن ذلك قد ثبت بالكتاب والسنة، واتفاق الصحابة رضي الله عنهم، والله أعلم"، انتهى كلامه رحمه الله.• حكم قتال الطائفة الممتنعة.
لقد دل الكتاب، والسنة، والإجماع على وجوب قتال الطائفة الممتنعة.
قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ} [الأنفال : 39 ].
فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه الآخر لغير الله: وجب القتال حتى يكون الدين كلُّه لله.
وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذلك عَصَموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّ الإسلامِ، وحسابُهم على اللهِ).
وقال أبو بكر رضي الله عنه: "الزكاة حق المال، والله لو منعوني عَناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام، فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله، كالمحاربين وأَولى".
وقال أيضًا رحمه الله: "فعُلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب، فأيُّما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين، ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتَل عليها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مالا أعلم فيه خلافا بين العلماء"، انتهى كلامه رحمه الله.
فإذا كان هذا حكمَ الطائفة إذا امتنعت عن التزام شريعة واحدة من شرائع الإسلام فكيف إذا امتنعت عن أكثر من ذلك، بل كيف بمن يعلن عدم التزامه بشرع الله من خلال استبداله بقوانين ديمقراطية أو مبادئ وضعية؟!
إذا تقرر هذا فلا بدّ من التنبيه على مسائل:
المسألة الأولى: الخلاف الذي وقع بين علماء الصحابة: أبي بكر وعمر حول تكفير الطائفة الممتنعة.
إن الخلاف الذي وقع بين الصحابة في تكفير مانعي الزكاة في أول الأمر ثابت بنص الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واُستُخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله، ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)، فقال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عِقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
فكان استدلال عمر -رضي الله عنه- على تحريم القتال بأنهم يقولون لا إله إلا الله، دليل واضح على أنه لم يكن يرى كُفرهم.
وممن نص على حدوث هذا الخلاف بين الصحابة الإمام ابن قدامة في كتابه الـمُغني، فقد قال بعد ذكره للروايتين في تكفير مانع الزكاة: "ووجه الأول أن عمر وغيره من الصحابة امتنعوا من القتال في بدء الأمر، ولو اعتقدوا كفرهم لما توقفوا عنه..." إلى آخر كلامه رحمه الله.
المسألة الثانية: ذكر الخلاف الذي وقع بين العلماء في هذه المسألة.
اختلف علماء أهل السنة في حكم كفر الطائفة الممتنعة بناءً على اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، فذهب الشافعي -رحمه الله- إلى عدم كفر مانعي الزكاة، وذهب إلى أن نسبتهم إلى الردة نسبة لُغوية لا شرعية، فذهب إلى أن الصحابة إنما اختلفوا في القتال مع اتفاقهم على عدم التكفير، ووصفهم بأنهم ممتنعون عن أداء حق للإمام بتأويل.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان؛ منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابِهم، ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات، فإن قال قائل: ما دلَّ على ذلك والعامة تقول لهم: أهلَ الردة؟ قال الشافعي: فهذا لسان عربي؛ فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر، والارتداد بمنع الحق، قال: ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتدّ عن كذا"، انتهى كلامه.
وذهب الإمام أحمد إلى ذلك في رواية عنه، فنقل الأثرم عنه فيمن ترك صوم رمضان: "هو مثل تارك الصلاة؟ فقال: الصلاة آكد ليس هي كغيرها. فقيل له: تارك الزكاة؟ فقال: قد جاء عن عبد الله: ما تارك الزكاة بمسلم، وقد قاتل أبو بكر عليها والحديث في الصلاة"، انتهى كلامه.قال القاضي أبو يعلى: "فظاهر هذا أنه حكى قول عبد الله، وفعل أبي بكر، ولم يقطع به لأنه قال: الحديث في الصلاة، يعني الحديث الوارد بالكفر لينظر هو في الصلاة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينَ العبدِ وبينَ الْكفرِ ترْكُ الصَّلاةِ فمَن ترَكَ الصَّلاةَ فقَد كفَرَ)، ولأن الزكاة حق في المال فلم يكفر بمنعه، والقتال عليه كالكفارات وحقوق الآدميين"، انتهى كلامه.
ويقول شيخ الإسلام: "ثم تَنازع الفقهاءُ في كفر من منعها، وقاتل الإمام عليها مع إقراره بالوجوب على قولين، هما روايتان عن أحمد كالروايتين عنه في تكفير الخوارج"، انتهى كلامه.
المسألة الثالثة : هل المخالف في كفر الطائفة الممتنعة بدعيٌ أم سني؟
نقول: من كان يقول بعدم كفر الطائفة الممتنعة وبنى ذلك على قوله بأن الإيمان قول بلا عمل، فهو مرجئ، وأما من كان يقول: إن الإيمان قول وعمل ثم لم يكفر الطائفة الممتنعة، فإنه ليس بمبتدع، وإنما هو مُجتهد مخطئ، والإمام الشافعي من هذا الصنف، فهو ممن يقرر أن الإيمان قول وعمل كعامة أئمة السنة والجماعة.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم، أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"، انتهى كلامه.
وهذا الأمر يشبه الخلاف في كفر تارك الصلاة؛ فمن العلماء من ذهب إلى عدم كفر تارك الصلاة مع قولهم: إن الإيمان قول وعمل، فهذا سني وليس بمبتدع.
وأما من قال بعدم تكفير تارك الصلاة أو أنه يقتل بعد أن يُدعى إليها حين يقتل مسلمًا فقد دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية في مسمى الإيمان، وبالتالي بنى قوله بعدم التكفير على ذلك.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فهذا الموضع ينبغي تدبُّره؛ فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلِم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقرَّ بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يُقتل، أو يقتَل مع إسلامه، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المُرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من الإيمان"، انتهى كلامه رحمه الله.
ونأخذ مثالاً على هذا:
وهو ما كان من ابن شهاب الزهري -رحمه الله- فقد روى المروزي في تعظيم قدر الصلاة عن ابن شهاب الزهري أنه سُئل عن الرجل يترك الصلاة فقال: "إن كان إنما تركها أنه ابتدع دينًا غير دين الإسلام قُتل، وإن كان إنما هو فاسق ضرب ضربًا مبرحًا وسجن".
فهذا واضح في أن ابن شهاب لم يكن يرى كفر تارك الصلاة، فقد روى اللالكائي عن معقل ابن عبيد الله العبسي قال لنافع مولى ابن عمر: قلت إنهم يقولون نحن نُقر بالصلاة فريضة ولا نصلي، وإن الخمر حرام ونحن نشربها، وإن نكاح الأمهات حرام ونحن نريده، فنتر يده من يدي وقال: من فعل هذا فهو كافر.
قال معقل: فلقيت الزهري فأخبرته بقولهم فقال: سبحان الله؛ أوقد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الشَّارِبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
فانظر إلى قوله بعدم تكفير تارك الصلاة مع إنكاره على المرجئة الذين يخرجون العمل من مسمى الإيمان، فهذا الذي يجعلنا لا نتهم أمثال الإمام الزهري بالإرجاء لمجرد أنه لا يرى كفر تارك الصلاة، فتأمل هذا الموطن جيدًا، ولا تغتر بكثرة المشغِّبين، ولا بأقوال المُغالين، والله المستعان.
وختامًا ينبغي التنبيه ها هنا على أمر هام
وهو أن أغلب من نقاتلهم اليوم من طوائف الكفر والردة لا يجري فيهم الخلاف الذي وقع بين أهل العلم في الطوائف الممتنعة؛ فجيوش الدول الطاغوتية وشرطهم وأعوانهم كفار باتفاق، وهم أقرب إلى كونهم كأتباع مسيلمة والأسود من كونهم كمانعي الزكاة؛ فجند الطاغوت وكل من قاتل في سبيله كافر بنص القرآن، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء : 76].
ومن والى الطاغوت على الحكم بغير ما أنزل الله ومحاربة أولياء الله فهو كافر مثلُه؛ لأن من والى الكفار كان منهم لقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [ المائدة : 51 ].
وقد مر معنا أن البراءة من المشركين وموالاة الموحدين من أصل الدين الذي لا يعذر فيه أحد بالجهل ولا بالتأويل، وهذا محل اتفاق في الجملة بحمد الله تعالى.
ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجمع على الحق كلمتنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام الأولين والآخِرين، أما بعد؛
فسنتكلم في هذه الحلقة بإذن الله تعالى عن المسائل التي حصل فيها النزاع حول حكم الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام.
وقبل الدخول في موضوع الطائفة الممتنعة نود أن نبدأ بتقرير مقدمة يسيرة، فنقول:
إن أهل السنة والجماعة قد اتفقوا على أن الإيمان قول وعمل، ونقل غير واحد من أهل العلم إجماعهم على ذلك، وتفصيل ذلك القول هو بما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقال: "ومن أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قولٌ وعمل؛ قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح"، انتهى كلامه.
وتوضيح ذلك أن الله تعالى إذا أمر بأمر كالصلاة والزكاة وغيرها، وركن الإيمان بأمر الله تعالى هو الانقياد له وذلك من عمل القلب، فمن لم يقم في قلبه انقياد لأمر الله تعالى فهو كافر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق وعملِ القلب الذي هو الانقياد"، إلى أن قال: "فمن لم يحصل في قلبه التَّصديق والانقياد فهو كافر"، انتهى كلامه رحمه الله.
ولا بدَّ أيضًا من التنبيه على أمر مهم؛ وهو أن انقياد القلب لأمر الله لا بدّ وأن يظهر أثرُه على الجوارح، فمن امتنع عن العمل دل امتناعُه على عدم إيمانه وانقياده أو ضعف إيمانه وانقياده، فالممتنع عن العمل إما أن يكون كافرًا وإما أن يكون فاسقًا، وهذا يختلف باختلاف صورة الامتناع عن العمل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فأصل الإيمان في القلب؛ وهو قول القلب وعملُه، وهو إقرارٌ بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب فلا بدَّ أن يظهر موجبُه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه"، انتهى كلامه.
والمقصود من ذلك أن الإنسان إذا امتنع عن عمل من أعمال الإسلام إباءً واستكبارًا فإنه يعد كافرًا لعدم انقياده، وكفر هذا كـكفر إبليس الذي امتنع عن السجود لآدم عليه السلام مع إقراره بالوجوب.
• نعود إلى مسألة الطائفة الممتنعة فنقول: ما هي الطائفة الممتنعة؟
الجواب: هي جماعة تنتسب إلى الإسلام ثم تمتنع بالقوة والقتال عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، ولو أقرت بوجوبها.
مثالها: لو امتنعت طائفة عن التزام أداء الزكاة أو عن التزام الصيام أو غير ذلك من شرائع الإسلام، ولو أقرُّوا بوجوبها، أو لم يلتزموا ترك المحرمات الظَّاهرة كالربا والخمر والزنا، ولو أقروا بتحريمها، ولم نقدر على إلزامهم إلا بالقتال، أو يكونون ذوي قوة يمتنعون بها عن التزام الشرائع الظاهرة ولو لم يباشروا القتال فعليًا.
• ثم نقول: ما حكم الطائفة الممتنعة؟
الجواب: حكم الطائفة الممتنعة على الصحيح من قولي العلماء هو الردة، والخروج عن الإسلام، وذلك بناءً على ما سبق ذكره في المقدمة عن مسمى الإيمان، وأنه قول وعمل، وأنه لا بدّ من الانقياد لأوامر الله تعالى.
والدليل على ذلك: إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- المستند إلى الدليل فقد سموا مانعي الزكاة بالمرتدين.
يقول أبو عبيدٍ القاسم ابن سلّام: "والمصدق لهذا جهادُ أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواءا، لا فرق بينهما في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لها غير جاحدين بها"، انتهى كلامه.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يُصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتَلون على منعها، وإن أقرّوا بالوجوب كما أمر الله"، انتهى كلامه.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد نقله لكلام شيخ الإسلام: "فتأمل كلامه وتصريحه بأن الطائفة الممتنعة عن أداء الزكاة إلى الإمام أنهم يقاتلون، ويحكم عليهم بالكفر، والردة عن الإسلام، وتسبى ذراريُّهم، وتغنم أموالهم، وإن أقروا بوجوب الزكاة، وصلوا الصلوات الخمس، وفعلوا جميع شرائع الإسلام غير أداء الزكاة، وأن ذلك ليس بمسقط للقتال لهم، والحكم عليهم بالكفر، والردة، وأن ذلك قد ثبت بالكتاب والسنة، واتفاق الصحابة رضي الله عنهم، والله أعلم"، انتهى كلامه رحمه الله.• حكم قتال الطائفة الممتنعة.
لقد دل الكتاب، والسنة، والإجماع على وجوب قتال الطائفة الممتنعة.
قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ} [الأنفال : 39 ].
فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه الآخر لغير الله: وجب القتال حتى يكون الدين كلُّه لله.
وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذلك عَصَموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّ الإسلامِ، وحسابُهم على اللهِ).
وقال أبو بكر رضي الله عنه: "الزكاة حق المال، والله لو منعوني عَناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام، فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله، كالمحاربين وأَولى".
وقال أيضًا رحمه الله: "فعُلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب، فأيُّما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين، ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتَل عليها، وإن كانت مقرة بها، وهذا مالا أعلم فيه خلافا بين العلماء"، انتهى كلامه رحمه الله.
فإذا كان هذا حكمَ الطائفة إذا امتنعت عن التزام شريعة واحدة من شرائع الإسلام فكيف إذا امتنعت عن أكثر من ذلك، بل كيف بمن يعلن عدم التزامه بشرع الله من خلال استبداله بقوانين ديمقراطية أو مبادئ وضعية؟!
إذا تقرر هذا فلا بدّ من التنبيه على مسائل:
المسألة الأولى: الخلاف الذي وقع بين علماء الصحابة: أبي بكر وعمر حول تكفير الطائفة الممتنعة.
إن الخلاف الذي وقع بين الصحابة في تكفير مانعي الزكاة في أول الأمر ثابت بنص الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واُستُخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله، ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)، فقال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عِقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".
فكان استدلال عمر -رضي الله عنه- على تحريم القتال بأنهم يقولون لا إله إلا الله، دليل واضح على أنه لم يكن يرى كُفرهم.
وممن نص على حدوث هذا الخلاف بين الصحابة الإمام ابن قدامة في كتابه الـمُغني، فقد قال بعد ذكره للروايتين في تكفير مانع الزكاة: "ووجه الأول أن عمر وغيره من الصحابة امتنعوا من القتال في بدء الأمر، ولو اعتقدوا كفرهم لما توقفوا عنه..." إلى آخر كلامه رحمه الله.
المسألة الثانية: ذكر الخلاف الذي وقع بين العلماء في هذه المسألة.
اختلف علماء أهل السنة في حكم كفر الطائفة الممتنعة بناءً على اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، فذهب الشافعي -رحمه الله- إلى عدم كفر مانعي الزكاة، وذهب إلى أن نسبتهم إلى الردة نسبة لُغوية لا شرعية، فذهب إلى أن الصحابة إنما اختلفوا في القتال مع اتفاقهم على عدم التكفير، ووصفهم بأنهم ممتنعون عن أداء حق للإمام بتأويل.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان؛ منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابِهم، ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات، فإن قال قائل: ما دلَّ على ذلك والعامة تقول لهم: أهلَ الردة؟ قال الشافعي: فهذا لسان عربي؛ فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر، والارتداد بمنع الحق، قال: ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتدّ عن كذا"، انتهى كلامه.
وذهب الإمام أحمد إلى ذلك في رواية عنه، فنقل الأثرم عنه فيمن ترك صوم رمضان: "هو مثل تارك الصلاة؟ فقال: الصلاة آكد ليس هي كغيرها. فقيل له: تارك الزكاة؟ فقال: قد جاء عن عبد الله: ما تارك الزكاة بمسلم، وقد قاتل أبو بكر عليها والحديث في الصلاة"، انتهى كلامه.قال القاضي أبو يعلى: "فظاهر هذا أنه حكى قول عبد الله، وفعل أبي بكر، ولم يقطع به لأنه قال: الحديث في الصلاة، يعني الحديث الوارد بالكفر لينظر هو في الصلاة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينَ العبدِ وبينَ الْكفرِ ترْكُ الصَّلاةِ فمَن ترَكَ الصَّلاةَ فقَد كفَرَ)، ولأن الزكاة حق في المال فلم يكفر بمنعه، والقتال عليه كالكفارات وحقوق الآدميين"، انتهى كلامه.
ويقول شيخ الإسلام: "ثم تَنازع الفقهاءُ في كفر من منعها، وقاتل الإمام عليها مع إقراره بالوجوب على قولين، هما روايتان عن أحمد كالروايتين عنه في تكفير الخوارج"، انتهى كلامه.
المسألة الثالثة : هل المخالف في كفر الطائفة الممتنعة بدعيٌ أم سني؟
نقول: من كان يقول بعدم كفر الطائفة الممتنعة وبنى ذلك على قوله بأن الإيمان قول بلا عمل، فهو مرجئ، وأما من كان يقول: إن الإيمان قول وعمل ثم لم يكفر الطائفة الممتنعة، فإنه ليس بمبتدع، وإنما هو مُجتهد مخطئ، والإمام الشافعي من هذا الصنف، فهو ممن يقرر أن الإيمان قول وعمل كعامة أئمة السنة والجماعة.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم، أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"، انتهى كلامه.
وهذا الأمر يشبه الخلاف في كفر تارك الصلاة؛ فمن العلماء من ذهب إلى عدم كفر تارك الصلاة مع قولهم: إن الإيمان قول وعمل، فهذا سني وليس بمبتدع.
وأما من قال بعدم تكفير تارك الصلاة أو أنه يقتل بعد أن يُدعى إليها حين يقتل مسلمًا فقد دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية في مسمى الإيمان، وبالتالي بنى قوله بعدم التكفير على ذلك.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فهذا الموضع ينبغي تدبُّره؛ فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلِم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقرَّ بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يُقتل، أو يقتَل مع إسلامه، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المُرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من الإيمان"، انتهى كلامه رحمه الله.
ونأخذ مثالاً على هذا:
وهو ما كان من ابن شهاب الزهري -رحمه الله- فقد روى المروزي في تعظيم قدر الصلاة عن ابن شهاب الزهري أنه سُئل عن الرجل يترك الصلاة فقال: "إن كان إنما تركها أنه ابتدع دينًا غير دين الإسلام قُتل، وإن كان إنما هو فاسق ضرب ضربًا مبرحًا وسجن".
فهذا واضح في أن ابن شهاب لم يكن يرى كفر تارك الصلاة، فقد روى اللالكائي عن معقل ابن عبيد الله العبسي قال لنافع مولى ابن عمر: قلت إنهم يقولون نحن نُقر بالصلاة فريضة ولا نصلي، وإن الخمر حرام ونحن نشربها، وإن نكاح الأمهات حرام ونحن نريده، فنتر يده من يدي وقال: من فعل هذا فهو كافر.
قال معقل: فلقيت الزهري فأخبرته بقولهم فقال: سبحان الله؛ أوقد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الشَّارِبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
فانظر إلى قوله بعدم تكفير تارك الصلاة مع إنكاره على المرجئة الذين يخرجون العمل من مسمى الإيمان، فهذا الذي يجعلنا لا نتهم أمثال الإمام الزهري بالإرجاء لمجرد أنه لا يرى كفر تارك الصلاة، فتأمل هذا الموطن جيدًا، ولا تغتر بكثرة المشغِّبين، ولا بأقوال المُغالين، والله المستعان.
وختامًا ينبغي التنبيه ها هنا على أمر هام
وهو أن أغلب من نقاتلهم اليوم من طوائف الكفر والردة لا يجري فيهم الخلاف الذي وقع بين أهل العلم في الطوائف الممتنعة؛ فجيوش الدول الطاغوتية وشرطهم وأعوانهم كفار باتفاق، وهم أقرب إلى كونهم كأتباع مسيلمة والأسود من كونهم كمانعي الزكاة؛ فجند الطاغوت وكل من قاتل في سبيله كافر بنص القرآن، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء : 76].
ومن والى الطاغوت على الحكم بغير ما أنزل الله ومحاربة أولياء الله فهو كافر مثلُه؛ لأن من والى الكفار كان منهم لقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [ المائدة : 51 ].
وقد مر معنا أن البراءة من المشركين وموالاة الموحدين من أصل الدين الذي لا يعذر فيه أحد بالجهل ولا بالتأويل، وهذا محل اتفاق في الجملة بحمد الله تعالى.
ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجمع على الحق كلمتنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.