وقفة مع اختلاف حال الصائمين فيما يصومون عنه (صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص) تختلف ...

منذ 2025-07-10
وقفة مع اختلاف حال الصائمين فيما يصومون عنه

(صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص)

تختلف حالات الصائمين من جهة تعاطيهم مع الطعام والشراب ما بين الإفطار والإمساك، ومن جهة ما يصومون عنه، ومن جهة القصد من الصيام وحقيقة النية فيه، وينبغي أن نتأمل في هذه الحالات جميعاً ليتضح كيف ينبغي أن يكون صومنا، وكيف ينبغي أن نتصرف لنحفظ الأساس في الضيافة الإلهية ونحافظ على آثاره ونتائجه.

وهذه وقفة مع اختلاف حال الصائمين فيما يصومون عنه.

مراتب الصوم ثلاثة:

"صوم العوام وهو بترك الطعام والشراب على ما قرَّره الفقهاء من واجباته ومحرماته".

" وصوم الخواص وهو ترك ذلك أي ترك المفطرات حسب ما قرَّره الفقهاء مع كفّ الجوارح عن مخالفات الله جل جلاله".
" وصوم خواص الخواص" وهو ترك كل ما هو شاغل عن الله تعالى من حلال أو حرام"
ولكل واحد من المرتبتين الأخيرتين أصناف كثيرة، لاسيّما الأولى – أي صوم الخواص فإنها الأولى من الأخيرتين- فإن أصنافها كثيرة لا تحصى بعدد مراتب أصحاب اليمين من المؤمنين، بل كل نفس منهم له حدٌّ خاص لا يشبه حدَّ صاحبه، ومن أهل المراتب أيضاً من يقرب عمله من عمل من هو فوقه، وإن لم يكن من مرتبته".

والمراد بكلمة العوام في مصطلح صوم العوام، الذين هم أهل المعاصي، وليس المراد المتعارف بيننا من أننا نحن معاشر المشايخ أو معاشر المثقفين النخبة والباقي عوام، إن هذه الطبقية البغيضة مرفوضة في الإسلام.

فالنخبة بحق والخواص هم أهل الطاعات، أهل الاستقامة على الحق وطاعة الله تعالى، والعوام هم أصحاب المعاصي.

وبناء على ذلك فإذا كان شخص من الناس بحسب الظاهر من العلماء، ولكنه يرتكب المعاصي فهو من العوام، وصومه صوم العوام، لأن هذا الصوم يجتمع مع المعاصي التي يجتنبها الخواص الذين يهتمون بدرجة من الصوم غير اعتيادية هي بالإضافة إلى اجتناب المفطرات كف الجوارح عن مخالفة الله تعالى.
والفائدة العملية التي ينبغي أن يستخلصها القلب من ذلك: هي إدراك خطورة معصية الله تعالى في ضيافته، وأنها تُسقط صاحبها من إمكانية الوصول إلى الدرجات العالية وتجعله في عداد العوام العاصين.

هكذا ينبغي أن نكون في ضيافة الله عز وجل، طيلة الشهر الكريم، فإما أن أعتقد بأني في ضيافة الرحمن، وأنسجم مع هذا الاعتقاد، ويكون أدبي بمستواه، وإما أن أكون صريحاً مع نفسي، فأقول إني لا أعتقد بضيافة الرحمن والعياذ بالله، وهذا يعني وجود خلل عقائدي يجب التصدي لعلاجه.
وفي شهر الصيام أمام واجب رفع مستوى اهتمامنا بالحكم الشرعي، ورفع وتيرة اهتمامنا بمراقبة النفس، بالالتفات إلى أننا في محضر الله عز وجل، صحيح أننا دائماً في محضر الله سبحانه وتعالى إلا أننا في هذه الضيافة في محضر خاص ومميز.
فلنخرج من صوم العوام إلى صوم الخواص: الذي هو ترك المفطرات مع حفظ الجوارح من مخالفات الله جل جلاله، وهو يستدعي مزيد مراقبة لهذه الجوارح وخصوصاً اللسان والعين والأذن.

وأما القسم الثالث وهو صوم خواص الخواص:

فهو ترك كل ما هو شاغل عن الله من حلال أو حرام، أي أنه بالإضافة إلى ترك المفطرات وحفظ الجوارح يستدعي حضور القلب دائماً، واليقظة الدائمة فالمحضر محضر الله عز وجل ولا يصح للقلب أن يشغله عن الله تعالى شاغل سواءً كان هذا الشاغل حلالاً أو حراماً، بل يبقى مع الله عز وجل، منقطعاً إليه، مقيماً على طاعته، عامراً بحبه والحنين إلى رضاه.

صحيح أن هذه المرتبة عالية جداً إلا أنه من الصحيح أن معرفة هذه المرتبة يجعلنا ندرك الذرى التي ينبغي أن نحرص على الوصول إليها، وبدلاً من أن يضع المؤمن سقفاً معيَّناً للصوم، ويتصور أن مجرد امتناعه عن الطعام يجعله في عداد الصائمين الذين يغدون في يوم العيد إلى جوائزهم السَنيّة والعظيمة.

بدلاً من ذلك يدرك المؤمن عندما يسمع الحديث عن صوم خواص الخواص أن عليه أن يشمّر عن ساعد الجِد فالطريق طويل والسقف مرتفع جداً، وهو بعدُ سهل ممتنع، أو ليس من أوضح الواضحات أن على الصائم الضيف أن يتنبه إلى هذه الضيافة على الدوام؟
ثم أليس من أوضح الواضحات أن من هم كذلك في غاية الندرة؟
ولا حل إلا باليقظة والتضرع لمن يجيب دعوة الداع إذا دعاه.
وإذا كنت لا أستطيع ترك كل شاغل عن الله من حلال أو حرام، أي لا أستطيع أن أصوم صوم خواص الخواص فما الذي يمنعني عن صوم الخواص، أي حفظ الجوارح من مخالفات الله عز وجل؟
ما معنى أن يثبت في صحيفة أعمال الصائم أنه صائم مغتاب؟ أو صائم يؤذي المؤمنين، أو صائم سيء الخُلُق؟
لماذا لا نقرر أن يكون شهر الصوم شهراً مميزاً في محاسبة النفس، في الحرص على حُسن الخُلُق، في التفكير بكل كلمة قبل أن نقولها وبكل عمل قبل أن نُقدِم عليه؟
لماذا لا نحرص أن نكون سبباً لنشر المحبة في الأجواء التي نكون فيها في شهر رمضان المبارك؟
لماذا لا يقرر كلٌ منا ألا يؤذي أحداً طيلة هذا الشهر على الأقل، لعلّه بذلك يوفَّق لئلا يؤذي أحداً بعد انقضائه؟
إن لشهر الله عز وجل حرمته الخاصة، فكيف أسمح لنفسي وأنا أدَّعي الصيام أن أتصرف كما لو أني لم أسمع بضيافة الله عز وجل؟ لا بد من وقفة مع النفس في هذا المجال.
مَراتِبِ الصِّيامِ
قسّم علماء الأخلاق وأرباب السَير والسلوك، الصيام إلى صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواصّ الخواصّ، على ما سنتحدث عنه ملخّصاً:
أولاً: صوم العوامّ: يتمثّل صوم العوامّ باجتناب مفطرات الصيام والإمساك عنها، على التفصيل المذكور في الكتب الفقهية. وهذه المرتبة من الصوم تعدّ أيسر مراتبه وأدناها.
ثانياً: صوم الخواص: في صوم الخواصّ لا يقتصر الصائم في صومه على الإمساك عن مفطرات الصيام، إنّما يتجنّب كلّ المحرّمات الإلهية ويمتنع عنها أيضاً. وبذلك يصبح الإمساك عن المفطرات هو شرط صحّة الصيام، أمّا اجتناب المحرّمات فهو شرط قبوله.
ثالثاً: صوم خواصّ الخواصّ: يتمثّل هذا النوع من الصيام بكفّ القلب وتحصينه عن كلّ ما يشغله سوى اللّه سبحانه، حلالاً كان الشاغل أم حراماً.
يقول أبو حامد الغزالي (توفي 505 ه) في وصف هذه الدرجة من الصوم: « وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القَلب عَن الهمم الدنيّة والأفكار الدنيويّة وكفّه عمّا سوى اللّه بالكلّية ؛ ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفِكر فيما سوى اللّه واليوم الآخر ، وبالفكر في الدّنيا إلاّ دنيا تراد للدِّين فإنَّ ذلك زاد الآخرة وليس من الدّنيا حتّى قال أرباب القلوب : مَن تحرّكت همّته بالتصرّف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه ، كتبت عليه خطيئة فإنَّ ذلك من قلّة الوثوق بفضل اللّه وقلّة اليقين برزقه الموعود ، وهذه رتبة الأنبياء والصدّيقين والمقرّبين، ولا يطوَّل النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً ، فإنّه إقبال بكنه الهمّة على اللّه وانصراف عن غير اللّه وتلبّس بمعنى قوله تعالى : « قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ » الأنعام: 91. ينظر: كتاب إحياء علوم الدين للغزالي: 1 / 350.
صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ.
على أنَّ لكلّ واحدة من المرتبتين الأخيرتين مراتب كثيرة بحسب مجاهدات الصائمين واستعدادهم، كما يختلف الصوم أيضا من زاوية دوافع الصائم، حيث يأتي في ذروة هذه المراتب حال الصائم حين لا يكون الباعث إلى صيامه الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب، وإنّما امتثال الأمر الإلهي والرغبة في قربه والطمع برضاه ولقائه سبحانه.


معنى صيام الخواص وصيام خواص الخواص

صَومُ الجَسَدِ الإِمساكُ عَنِ الأَغذِيَةِ بِإِرادَةٍ وَاختِيارٍ؛ خَوفا مِنَ العِقابِ ورَغبَةً فِي الثَّوابِ وَالأَجرِ.
صَومُ النَّفسِ إمساكُ الحَواسِّ الخَمسِ عَن سائِرِ المَآثِمِ، وخُلُوُّ القَلبِ عَن جَميعِ أسبابِ الشَّرِّ.
صَومُ النَّفسِ عَن لَذّاتِ الدُّنيا أنفَعُ الصِّيامِ.
صِيامُ القَلبِ عَنِ الفِكرِ فِي الآثامِ أفضَلُ مِن صِيامِ البَطنِ عَنِ الطَّعامِ.
صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ، وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ.


فهل للصوم درجات؟


الصيام على ثلاث درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص.

أما صوم العوام فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات، وصاحب هذا الصوم ليس له منه إلا الجوع.
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعني.


وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.

للصيام ثلاث درجات: صيام العوام - صيام الخواص - صيام خواص الخواص، فما الفرق بينهما؟

1- صوم العوام: هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها من المفطرات.
2- بينما صوم الخواص: فهو يزيد على ذلك الإمساك صوم الأعضاء والجوارح والحواس الظاهرة عن المنهيات الشرعية، فتصوم العين عن المحرمات ويغض النظر إلى ما حرم الله عليه في القرآن والسنة، ويصوم السمع عن استماع الغيبة والنميمة والبهتان، ويصوم اللسان عن الغيبة والافتراء والفحش وسوء الكلام وأمثالها، وتصوم اليد عن البطش بغير حق، والرجل عن السعي إلى مجالس اللهو واللعب وغيرها من المحافل غير المشروعة.

3- وصوم خواص الخواص: يزيد على ما ذكر من صوم العوام والخواص، صوم القلب عن غير ذكر الله تعالى وعن الرذائل الأخلاقية من البخل والجبن، والغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء.

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص فأما صَوْمُ الْعُمُومِ: فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة، كما سبق تفصيله.
وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ: فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ، عَنِ الْآثَامِ.
وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهمم الدَّنِيَّةِ، وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية".
"إحياء علوم الدين" (1/ 234).

وهذه معان صحيحة، فإن المؤمنين يتفاوتون في الصوم، فمنهم من صومه مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الفرج، ولكن قد يطلق لسانه بالغيبة والنميمة والكذب، ويطلق عينه للنظر المحرم، وسمعه للخنا والموسيقى ونحوها، وجوارحه للأذى والفساد، فهذا صوم ناقص ضعيف.
قال عمر رضي الله عنه: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو، والحلف.
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8882).
وقال ميمون بن مهران: "إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب".
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (8882).

المرتبة الأولى من الصوم: الصوم الناقص، الذي لا يحجز صاحبه عن محرمات اللسان والجوارح.
قال ابن رجب رحمه الله: " قال بعض السلف: أهون الصيام: ترك الشراب والطعام.
من "لطائف المعارف"، ص 155

وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء...
فمن حفظ جوارحه عن المحرمات، فقد أتى بحقيقة الصوم، وهي المرتبة الثانية التي سماها الغزالي: صوم الخصوص.

وأما المرتبة الثالثة، وهي صوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار الدنيوية، وجمعه بالكلية على الله وحده
فلا شك أنها مرتبة عظيمة لا يصل إليها إلا الموفقون، فإن القلب هو ملك الأعضاء، ومحل التقوى، ومحل نظر الرب سبحانه، وكمال العبادة يكون بجمعه على الله، وإقباله عليه، وقطع الشواغل عنه، فمن حقق الصوم بقلبه وجوارحه، فقد حاز الكمال.

والحاصل: أن هذه المراتب موجودة، وأن صيام الناس متفاوت، وأن على المؤمن أن يحقق الصوم بكل معانيه.
وليس المقصود من ذلك: أن العوام لهم صوم، والخواص لهم صوم، بل الجميع مأمورون بتحقيق أعلى الصوم وأكمله، لكن اقتضت سنة الله تعالى في عباده أنهم متفاوتون في ذلك، كما أنهم متفاوتون في إقامة الصلاة وتحقيق الخشوع فيها.
ينظر: صحة قول الغزالي في مراتب الصوم: صوم العموم والخصوص وخصوص الخصوص، موقع الإسلام سؤال وجواب.

أما صوم العوام: فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات، وصاحب هذا الصوم ليس له من صومه إلا الجوع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري.
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعنى.
وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.

قال الغزالي في "الإحياء": اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص. وأما صَوْمُ الْعُمُومِ فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْآثَامِ. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدَّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية. أ. ه

وللصوم درجات، فمن الناس من يصوم عن الطعام والشراب فحسب وهذه أقل درجات الصوم، ومن الناس من يصوم عن الطعام والشراب والأعمال السيئة والأقوال الرديئة، وتلك هي أعلى من السابقة.
وهناك صفوة يصومون عن الطعام والشراب وسوء الأعمال ومنكرات الأقوال.
وتصوم قلوبهم عن الأهواء وخواطرهم عما سوى ربهم، وتلك نهاية عليا في الصوم.
المصدر: دار الإفتاء المصرية.

ونجد أن الإمام الغزالي قد جعل الصوم ثلاث درجات:
- صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
- صوم الخصوص: وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
- صوم خصوص الخصوص: وهو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية.
وأما صوم الخاصة
فهو كف الجوارح عن الآثام، كغض البصر عما حرم الله، وحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وكف السمع عن الإصغاء إلى الحرام، وكف باقي الجوارح عن ارتكاب الآثام، وهذا الصنف ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يَصْخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتله أحد فَلْيَقُلْ إني صائم) متفق عليه.
ثم إن من صفات هذا الصنف أنك تجد قلبه معلقاً بين الخوف والرجاء، مستحضراً قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون:60)، إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فيكون من أصحاب اليمين المقربين، أم يرد فيكون من أصحاب الشمال المبعدين المحرومين.
أما صوم خاصة الخاصة: فهو صوم القلب عن الأفعال الدنيئة، والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله سبحانه بالكلية، وقد وصف الغزالي صاحب هذه الرتبة بأنه مقبل بكامل الهمة على الله، منصرف عما سواه، متمثلاً في كل ذلك قوله تعالى: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} (الأنعام:91)، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين من عباده المخلَصين.
فحقيق بالمسلم أن يربأ بنفسه عن صوم العوام وهو صوم البطن والفرج وأن يأخذ بنفسه إلى مراتب صوم الخواص، ليكون من المقربين عند رب العالمين، وَلِيَصْدُقَ عليه قوله تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} (الأحقاف:16)
ينظر: أصناف الناس في رمضان، قطوف رمضانية.

ذكر الإمام الغزالي رحمه الله: أن الصوم ليس على درجة واحدة، وإنما هو على درجات، فليس كل من امتنع عن المفطرات المادية يكون قد أتى بمعنى الصوم؛ إذ إن حقيقة الصوم فوق هذا، وهي الامتناع عن المفطرات المعنوية.
إن الصيام على ثلاث درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص.
صوم العوام: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج مع إرسال الجوارح في الزلات، وإهمال القلب في الغفلات
صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعني.
صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
وقد ذكر أن صوم الخصوص وهو صوم الصالحين إنما يحصل بستة أمور:
الأمر الأول: غض البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يُذّم ويُكْره وإلى كل ما يُشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل
قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم} (النور: 30)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتبع النظر النظر، فإن الأولى لك، وليست لك الآخرة) رواه أحمد وهو حسن بالشواهد.

الأمر الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمِراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان
وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم، وروي عن مجاهد قوله: خصلتان تفسدان الصيام: الغيبة والكذب، وقال صلى الله عليه وسلم: (الصيام جُنَّةٌ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) متفق عليه.
ينظر: قطوف رمضانية، مراتب الصوم، موسوعة مقالات: إسلام ويب.

الأمر الثالث: كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه
لأن كل ما حَرُمَ قوله حَرُم الإصغاء إليه؛ ولذلك قرن الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت، فقال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت} (المائدة:42)، وقال عز وجل: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} (المائدة:63)، فالسكوت على الغيبة وعدم الإنكار على قائلها حرام، وقال تعالى: {إنكم إذاً مثلهم} (النساء:140). فالمستمع شريك المغتاب ما لم ينهه عن هذا المنكر..

الأمر الرابع: كفُّ بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكفُّ البطن عن الشبهات وقت الإفطار
فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال، ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً، ويهدم مِصْراً، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله، وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً، والحرام سم مهلك للدِّين، والحلال دواء ينفع قليله، ويضر كثيره، وقَصْدُ الصوم تقليله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش) رواه أحمد، قيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.

الأمر الخامس: ألا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلئ جوفه
فقد أخرج النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما وعاء شر من بطن، حسب المسلم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه).

وكيف يستفاد من الصوم قَهْرُ عدو الله، وكسر الشهوة، إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟ حتى استمرت العادات بأن تُدَّخَرَ جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في غيره، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء، وكسر الهوى؛ لتقوى النفس على التقوى، وإذا مُنِعَت المعدة من وسط النهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها، وقويت رغبتها، ثم أُطعِمَت من اللذات وأُشبعت، زادت لذتها، وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما كانت راكدة، فروح الصوم وسره إضعاف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل نهاراً إلى ما كان يأكل ليلاً، فلا ينتفع بصومه.
ومن الآداب: ألا يُكْثِر النوم بالنهار حتى يَحُسَّ بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف، حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان ألا يحوم على قلبه، فينظر إلى ملكوت السماء.
الأمر السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء؛ إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فهو من المقربين، أو يُرَدُّ عليه فهو من الممقوتين؟
وقد روي عن الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون، فقال: "إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كُشِفَ الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، أي: كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك".
بنظر: إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين مرتضى الزبيدي.

ثم أثار الغزالي هنا سؤالاً، فقال: "فإن قلتَ: فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج، وتَرْكِ هذه المعاني، فقد قال الفقهاء: صومه صحيح، فما معناه؟".
وقد أجاب الغزالي عن هذا السؤال بقوله: "اعلم أن فقهاء الظاهر يُثْبِتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة، لاسيما الغيبة وأمثالها، وليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم المُكَلَفين المقبلين على الدنيا الدخول تحته، فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول، وبالقبول الوصول إلى المقصود، ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بأخلاق الله عز وجل، والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات - بحسب الإمكان - فإنهم منزهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم؛ لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه، وكونه مبتلى بمجاهدتها، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل سافلين، والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات، ارتفع إلى أعلى عليين، والتحق بأفق الملائكة.

والملائكة مقربون من الله عز وجل، والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب، وليس القرب ثَمَّ بالمكان، بل بالصفات، وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب، فأي جدوى لتأخير أكلة، وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأُخر طول النهار؟ ولو كان لمثله جدوى، فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)

ومن فهم معنى الصوم وسره، عَلِمَ أن مثل من كفَّ عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات، فقد وافق في الظاهر العدد، إلا أنه ترك المهم، وهو الغُسْلُ، فصلاته مردودة عليه بجهله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصوم أمانة، فليحفظ أحدكم أمانته) أخرجه الخرائطي وإسناده حسن
ينظر: قطوف رمضانية، مراتب الصوم، موسوعة مقالات: إسلام ويب.

ولما تلا قوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:58)، وضع يده على سمعه وبصره. أخرجه أبو داود، ولولا أن السمع والبصر - وكذلك سائر الجوارح - من أمانات الصوم، لما قال صلى الله عليه وسلم: (فليقل: إني صائم)، أي: إني أودعت لساني وبصري وجوارحي كافة لأحفظها، فكيف أُطلقها فيما لا يُرضي الله سبحانه؟".
وبهذا تعلم، أن الصوم ليس في مرتبة واحدة، بل هو في مراتب متفاوتة، أعلاها صوم القلوب والجوارح عن كل ما لا يُرضي الله سبحانه من الأفعال والأقوال، وأدناها الصوم عن الطعام والشراب والنكاح، وشتان ما بينهما، وقد تبين لك الفرق بينهما.
نسأل الله أن يرزقنا حقيقة الصوم، وأن يجعلنا من المقبولين. ونسأله سبحانه أن يوفّقنا لكي نبذل ما يزيد حظّنا من طاعته، وأن يتفضّل علينا بأعلى درجات الصيام وأسماها.
  • 1
  • 0
  • 7

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً