قصص من جهاد النساء 2 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد ألا ...

منذ 2025-07-12
قصص من جهاد النساء 2

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
ففي هذه الحلقة من سلسلتنا نقدم لك -أختي الكريمة- قصص ثلة من النساء المجاهدات القدوات، ونبدأ بقدوة جعلت سلامة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوق كل شيء رغم قتل ابنها، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أغلى وأهم عندها، ولا تعد المصاب شيئاً إزاء سلامته صلى الله عليه وسلم.

قُتل زوجها وأبوها وتسأل عن سلامة رسول الله
جاء في سيرة ابن هشام: "عن سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- قال: مرّ رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم- بامرأة من بني دينار، وقد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم- بأحد، فلمّا نُعوا لها، قالت: فما فعل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: خيراً يا أمّ فلان، هو -بحمد اللّه- كما تحبّين، قالت: أرونيه حتّى أنظر إليه؟ قال: فأشير لها إليه، حتّى إذا رأته قالت: كلّ مصيبة بعدك جلل! -تريد صغيرةً- قال ابن هشام: الجلل: يكون من القليل، ومن الكثير، وهو ها هنا من القليل".


الصابرة المحتسبة:

وإن أردت -أختي في الله- قدوة لك في احتساب المصيبة في سبيل الله والصبر عليها، فإليك هذا النموذج، قال الذهبي: "معاذة بنت عبد الله السيدة العالمة أم الصهباء العدوية البصرية العابدة زوجة السيد القدوة صلة بن أشيم، لما استشهد زوجها (صلة) وابنُها في بعض الحروب اجتمع النساء عندها فقالت: مرحباً بكن إن كنتن جئتن للهناء، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن، وكانت تقول: "والله ما أحب البقاء إلا لأتقرب إلى ربي بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الشعثاء وابنه في الجنة" [سير أعلام النبلاء].


أم المجاهدين:

وإليك -أختي- امرأة فريدة من نوعها كرمها الله على النساء ورزقها الأولاد ولم تطب نفسها إلا بأن يجاهدوا كلهم في سبيل الله، إنها عفراء بنت عبيد بن ثعلبة، قال أبو جعفر البغدادي: "عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، كانت عند الحارث بن رفاعة، فولدت له معاذا ومعوّذا، ثم طلقها، فقدمت مكة فتزوجها بكير بن عبد ياليل، فولدت له خالدا وإياسا وعاقلا وعامرا بني بكير، ثم رجعت إلى المدينة فراجعها الحارث بن رفاعة فولدت له عوفا، وشهدوا كلهم بدرا، واستشهد معاذ ومعوذ وعاقل يوم بدر، وخالد يوم الرجيع. وعامر يوم بئر معونة، وإياس يوم اليمامة، والبقية منهم لعوف" [المحبر].

وأنت يا أم الرجال كم لك من الأبناء؟ فهلَّا قدمت ما قدمت عفراء رضي الله عنها؟
أم الأبطال:

وهذه امرأة مشهورة لو كان النساء مثلها، لخرج الرجال جماعات للجهاد، ألا وهي الخنساء، قال أبو الربيع الكلاعي: "وقد ذكر الزبير بن بكار نحو هذا عن الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية فى بنين لها أربعة شهدت معهم حرب القادسية، فقالت لهم من أول الليل: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وذكرت من صونها لنسبهم نحو ما ذكر قبل، ثم قالت لهم:

"وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل فى حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا صبَّحتم غدا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرت عن ساقها واضطرمت لظاها على سباقها، وجللت نارا على أرواقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام حميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة"، فخرج بنوها قابلين لنصحها، فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم، وأنشأ أولهم يقول:

يا إخوتي إن العجوز الناصحة
قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه
مقالة ذات بيان واضحه
فباكروا الحرب الضروس الكالحه
وإنما تلقون عند الصالحه
من آل ساسان كلابا نابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحه
وأنتم بين حياة صالحه
أو موتة تورث غنما رابحه
وتقدم فقاتل حتى قتل، رحمه الله، ثم حمل الثاني وهو يقول:
إن العجوز ذات حزم وجلَد
والنظر الأوفق والرأى السدَد
قد أمرتنا بالسداد والرشَد
نصيحة منها وبرا بالولَد
فباكروا الحرب حُماة فى العدد
إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم عز الأبد
في جنة الفردوس والعيش الرغد
فقاتل حتى استشهد، رحمه الله، ثم حمل الثالث وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفا
قد أمرتنا حدبا وعطفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا
فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفّا
وتكشفوهم عن حمالكم كشفا
فقاتل حتى استشهد، رحمه الله، وحمل الرابع وهو يقول:
لست لخنساء ولا لأخزمِ
ولا لعمر وذى السناء الأقدمِ
إن لم أرد في الجيش جيش العجمِ
ماض على الهول خضم خضرمِ
إما لفوز عاجل ومغنمِ
أو لوفاة في السبيل الأكرمِ

فقاتل حتى قتل، رحمة الله عليه وعلى إخوته، فبلغ الخبر أمَّهم، فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم فى مستقر رحمته، فكان عمر -رضي الله عنه- يعطي الخنساء بعد ذلك أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتي درهم، حتى قُبض، رحمه الله" [الاكتفاء].


أسماء ذات النطاقين تحض ابنها على الثبات:

ولكِ -أختي- في صبر النساء وحضهن أبنائهن على القتال قدوات كثيرات، ومنهن ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قال الذهبي: "قال عروة رحمه الله: دخلت أنا و أخي -يقصد عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه قبل أن يقتل على أمِّنا بعشرِ ليال وهي وَجِعة، وقالت: والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك -أي في قتاله مع الحجّاج- إما أن تُقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني، وإياك أن تُعرض على خطةٍ لا تُحق الحق فتقبلها كراهية الموت. ولما جاءها ابن عمر -رضي الله عنه- ليعزيها بمقتل ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وجدها في ناحية المسجد وذلك حين صلب ابن الزبير، فمال إليها فقال إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله فاتقي الله واصبري، فقالت: وما يمنعني -أي أن أصبر- وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا -عليهما السلام- إلى بغي من بغايا بني إسرائيل؟" [سير أعلام النبلاء].

هانت عليها مصيبتها لأن دين الله أحب إليها من ابنها، وتعزت بما أصاب نبي الله يحيى -عليه السلام- وهو أكرم على الله من ابنها، رضي الله عنه.

هؤلاء المجاهدات من نساء السلف نقلنا لك جهادهن ومثلهن كثير، ولا يمنعنا من الاستزادة إلا خشية الإطالة، علماً أننا لم نذكر لك إلا جانباً بسيطاً من سيرتهن العطرة، فكيف لو ذكرنا لك طرفاً من عبادتهن وخشيتهن لله وعلمهن وصدقتهن وسائر أعمالهن الصالحة، إذاً لطال بنا المقام ولكن فيما ذكرنا كفاية إن شاء الله، فاقتدي بنساء السلف في التحريض على الجهاد والإعداد له، وكذلك المشاركة في هذا الجهاد بما تستطيعين، وفي الصبر على هذا الطريق من أجل انتصار الإسلام، والحمد لله رب العالمين.



* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 103
الخميس 6 صفر 1439 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 78

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً