وقفات مع الرؤى والأحلام الحمد لله الذي جعل من الرؤى مبشرات تسرُّ المؤمن وتعينه على الثبات، ...
منذ 2025-07-12
وقفات مع الرؤى والأحلام
الحمد لله الذي جعل من الرؤى مبشرات تسرُّ المؤمن وتعينه على الثبات، والصلاة والسلام على رسوله القائل "لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة" [رواه البخاري]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...
فإن من الأمور التي ينبغي وضعها في مواضعها الصحيحة الرؤى التي نراها في منامنا، وسنذكر في هذه المقالة -إن شاء الله- أحكاماً شرعية تصحح مفاهيمنا عن الرؤى، ومنها أنه لا شك أن الوحي قد انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن تُؤخذ من الرؤى أحكام شرعية بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولحوقه بربه عز وجل، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السِّتارة، والناس صُفوفٌ خلف أبي بكر، فقال: (أيها الناس، إنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو تُرى له)" [رواه مسلم].
الرؤى الصالحة مبشرات
والرؤيا الصالحة من البشارات التي يُبشَّر بها المؤمن في الدنيا، فقد قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير البشرى في الحياة الدنيا في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]: "إن الله -تعالى ذكره- أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا، ومن البشارة في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له".
أقسام الرؤى
وتُقسم الرؤى إلى ثلاثة أقسام: رؤيا بشرى من الله، وحديث نفس، ورؤيا تحزين من الشيطان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا: أصدقكم حديثا... والرؤيا ثلاث، فالرؤيا الصالحة: بشرى من الله، ورؤيا: تحزين من الشيطان، ورؤيا: مما يحدِّث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصلِّ، ولا يحدث بها الناس) [رواه مسلم وبعضه في البخاري].
ومعنى اقتراب الزمان: قرب قيام الساعة على الصحيح، فينبغي للمسلم أن يضع في اعتباره هذه الأقسام الثلاثة للرؤى، فإن رأى في منامه ما كان يفكر فيه ويشغل باله فقد تكون رؤياه من حديث النفس، وإن رأى ما يسوؤه ولا بشارة فيه فليحمله على أنه من أذى الشيطان ليحزنه، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن أعرابيا قال: "يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرِب فتدحرج، فاشتددت في أثره"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُحدِّث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك) [رواه مسلم].
علاقة الرؤيا بأول تعبير لها
وقد استدل البخاري -رحمه الله- بحديث الرؤيا التي عبرها أبو بكر -رضي الله عنه- على أن الرؤيا لا تقع على أول تعبير تعبر به إذا لم يكن التعبير صوابا، فقال: "باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب"، وتحت التبويب أسند حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطُف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سببٌ واصلٌ من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به، فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل"، فقال أبو بكر: "يا رسول الله، بأبي أنت والله، لتَدَعَنِّي فأعبرها"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعبرها)، قال: "أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به، رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له، فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبت بعضا، وأخطأت بعضا)، قال: "فوالله يا رسول الله، لتحدثني بالذي أخطأت"، قال: (لا تقسم) [رواه البخاري]، وفي الحديث دلالة على أن تعبير الرؤى هو من الاجتهاد الذي قد يصيب وقد يخطئ أو قد يصيب بعضه ويخطئ بالآخر، وقد يقول قائل فما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرؤيا تقع على ما تعبر و مثل ذلك رجل رفع رجله فهو ينتظر فهو متى يضعها فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما)، فيقال له أن لا إشكال في المعنى لأن الرؤيا تقع على ما تعبر من الصحيح في تأويلها لا على تأويل من جانب الصواب كما مر معنا في عنوان الباب الذي أورده الإمام البخاري في صحيحه، وفي هذا الحديث إرشاد نبوي وحث على سؤال العالم بالتأويل أو الناصح في تعبير الرؤى.
على من تُقص الرؤيا
وكذلك دلت قصة يوسف -عليه السلام- على أن الأصل ألا تُقَصَّ الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح أو من يخشى منه الكيد والحسد، وذاك في قوله تعالى: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5]، ومن فهم من رؤيا أنها مصيبة تنزل بالرائي فلا يجوز أن يجامله فيكذب في تأويلها، وله أن يتهرب من تفسيرها دون كذب، قيل لمالك، رحمه الله: "أتُعَبِّر الرؤيا على الخير وهي عنده على الشر؟"، فقال: "معاذ الله، أبالنبوة يتلعب؟ هي من أجزاء النبوة".
زمن وقوع الرؤيا
وقد يخطئ بعض الناس في تعبير الرؤى من حيث زمان وقوعها أو مكانه أو غير ذلك، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أُري في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام، فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل، وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ذلك، فقال له فيما قال: "أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟" قال: (بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا) قال: "لا"، قال: (فإنك آتيه ومُطَّوِّف به). وبهذا أجاب الصديق -رضي الله عنه- أيضا حذو القذة بالقذة؛ ولهذا قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: 27].
من تعبير النبي صلى الله عليه وسلم للرؤى
ومن أمثلة تعبير النبي -صلى الله عليه وسلم- للرؤى ما جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (رأيت الليلة -وفي رواية: رأيت ذات ليلة- فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن رافع، وأتينا برُطَب من رُطَب ابن طاب، فأوَّلْتُ: أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب) [رواه مسلم]، وفي هذا المثال بعض العلم النبوي يوضح أن الكلمات تكون أحيانا مفاتيح للتعبير، فاسم عقبة فُسّر بالعاقبة في الآخرة، واسم رافع فُسّر بالرفعة في الدنيا، وابن طاب فُسّر بأن ديننا قد طاب.
وموضوع الرؤى لا تكفيه هذه المساحة، ولكن ما يجدر ذكره أن رؤى الأنبياء وحي كرؤيا نبي الله إبراهيم أنه يذبح ابنه، ومنها أن رؤيا الكافر قد تصدق كما في رؤيا الملك قبل أن يسلم على يدي يوسف عليه السلام.
وعلم تعبير الرؤى من نعم الله على من أراده الله بهذا الفضل، وهي نعمة تستوجب الشكر، أخبر -تعالى- أن يعقوب قال لابنه يوسف، عليهما السلام: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 6].
ونصلي ونسلم على رسول الله ومصطفاه، والحمد لله رب العالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 103
الخميس 6 صفر 1439 هـ
الحمد لله الذي جعل من الرؤى مبشرات تسرُّ المؤمن وتعينه على الثبات، والصلاة والسلام على رسوله القائل "لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة" [رواه البخاري]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...
فإن من الأمور التي ينبغي وضعها في مواضعها الصحيحة الرؤى التي نراها في منامنا، وسنذكر في هذه المقالة -إن شاء الله- أحكاماً شرعية تصحح مفاهيمنا عن الرؤى، ومنها أنه لا شك أن الوحي قد انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن تُؤخذ من الرؤى أحكام شرعية بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولحوقه بربه عز وجل، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السِّتارة، والناس صُفوفٌ خلف أبي بكر، فقال: (أيها الناس، إنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو تُرى له)" [رواه مسلم].
الرؤى الصالحة مبشرات
والرؤيا الصالحة من البشارات التي يُبشَّر بها المؤمن في الدنيا، فقد قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير البشرى في الحياة الدنيا في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]: "إن الله -تعالى ذكره- أخبر أن لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا، ومن البشارة في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له".
أقسام الرؤى
وتُقسم الرؤى إلى ثلاثة أقسام: رؤيا بشرى من الله، وحديث نفس، ورؤيا تحزين من الشيطان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا: أصدقكم حديثا... والرؤيا ثلاث، فالرؤيا الصالحة: بشرى من الله، ورؤيا: تحزين من الشيطان، ورؤيا: مما يحدِّث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصلِّ، ولا يحدث بها الناس) [رواه مسلم وبعضه في البخاري].
ومعنى اقتراب الزمان: قرب قيام الساعة على الصحيح، فينبغي للمسلم أن يضع في اعتباره هذه الأقسام الثلاثة للرؤى، فإن رأى في منامه ما كان يفكر فيه ويشغل باله فقد تكون رؤياه من حديث النفس، وإن رأى ما يسوؤه ولا بشارة فيه فليحمله على أنه من أذى الشيطان ليحزنه، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن أعرابيا قال: "يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرِب فتدحرج، فاشتددت في أثره"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُحدِّث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك) [رواه مسلم].
علاقة الرؤيا بأول تعبير لها
وقد استدل البخاري -رحمه الله- بحديث الرؤيا التي عبرها أبو بكر -رضي الله عنه- على أن الرؤيا لا تقع على أول تعبير تعبر به إذا لم يكن التعبير صوابا، فقال: "باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب"، وتحت التبويب أسند حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطُف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سببٌ واصلٌ من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به، فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل"، فقال أبو بكر: "يا رسول الله، بأبي أنت والله، لتَدَعَنِّي فأعبرها"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعبرها)، قال: "أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به، رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له، فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبت بعضا، وأخطأت بعضا)، قال: "فوالله يا رسول الله، لتحدثني بالذي أخطأت"، قال: (لا تقسم) [رواه البخاري]، وفي الحديث دلالة على أن تعبير الرؤى هو من الاجتهاد الذي قد يصيب وقد يخطئ أو قد يصيب بعضه ويخطئ بالآخر، وقد يقول قائل فما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرؤيا تقع على ما تعبر و مثل ذلك رجل رفع رجله فهو ينتظر فهو متى يضعها فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما)، فيقال له أن لا إشكال في المعنى لأن الرؤيا تقع على ما تعبر من الصحيح في تأويلها لا على تأويل من جانب الصواب كما مر معنا في عنوان الباب الذي أورده الإمام البخاري في صحيحه، وفي هذا الحديث إرشاد نبوي وحث على سؤال العالم بالتأويل أو الناصح في تعبير الرؤى.
على من تُقص الرؤيا
وكذلك دلت قصة يوسف -عليه السلام- على أن الأصل ألا تُقَصَّ الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح أو من يخشى منه الكيد والحسد، وذاك في قوله تعالى: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5]، ومن فهم من رؤيا أنها مصيبة تنزل بالرائي فلا يجوز أن يجامله فيكذب في تأويلها، وله أن يتهرب من تفسيرها دون كذب، قيل لمالك، رحمه الله: "أتُعَبِّر الرؤيا على الخير وهي عنده على الشر؟"، فقال: "معاذ الله، أبالنبوة يتلعب؟ هي من أجزاء النبوة".
زمن وقوع الرؤيا
وقد يخطئ بعض الناس في تعبير الرؤى من حيث زمان وقوعها أو مكانه أو غير ذلك، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أُري في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام، فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل، وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ذلك، فقال له فيما قال: "أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟" قال: (بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا) قال: "لا"، قال: (فإنك آتيه ومُطَّوِّف به). وبهذا أجاب الصديق -رضي الله عنه- أيضا حذو القذة بالقذة؛ ولهذا قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: 27].
من تعبير النبي صلى الله عليه وسلم للرؤى
ومن أمثلة تعبير النبي -صلى الله عليه وسلم- للرؤى ما جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (رأيت الليلة -وفي رواية: رأيت ذات ليلة- فيما يرى النائم، كأنا في دار عقبة بن رافع، وأتينا برُطَب من رُطَب ابن طاب، فأوَّلْتُ: أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب) [رواه مسلم]، وفي هذا المثال بعض العلم النبوي يوضح أن الكلمات تكون أحيانا مفاتيح للتعبير، فاسم عقبة فُسّر بالعاقبة في الآخرة، واسم رافع فُسّر بالرفعة في الدنيا، وابن طاب فُسّر بأن ديننا قد طاب.
وموضوع الرؤى لا تكفيه هذه المساحة، ولكن ما يجدر ذكره أن رؤى الأنبياء وحي كرؤيا نبي الله إبراهيم أنه يذبح ابنه، ومنها أن رؤيا الكافر قد تصدق كما في رؤيا الملك قبل أن يسلم على يدي يوسف عليه السلام.
وعلم تعبير الرؤى من نعم الله على من أراده الله بهذا الفضل، وهي نعمة تستوجب الشكر، أخبر -تعالى- أن يعقوب قال لابنه يوسف، عليهما السلام: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 6].
ونصلي ونسلم على رسول الله ومصطفاه، والحمد لله رب العالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 103
الخميس 6 صفر 1439 هـ