الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ 104: الافتتاحية: الصبر واليقين حلة الصادقين إن أعظم الناس ...

منذ يوم
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ 104:
الافتتاحية:

الصبر واليقين حلة الصادقين

إن أعظم الناس إيمانا، هو أعظمهم يقينا بالله -تعالى- أنه الإله الواحد الحق المستحق للعبادة، وأن دينه العظيم فوق جميع الأديان الباطلة، وبرهان ذلك اليقين الذي لا شك فيه هو قتال من كفر بالله وعدل معه غيره واستبدل بدينه أديان البشر الآسنة، وهذا اليقين هو من أعمال القلوب الجليلة التي لا يصح الإيمان إلا بها، وهو أحد الشروط التي لا بد منها لصحة كلمة التوحيد، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من مات يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، موقنا من قلبه دخل الجنة) [رواه النسائي].

وهذا اليقين هو الذي يدفع صاحبه للمطاولة في طريق الدعوة إلى الله بالسيف والسنان والحجة والبيان، مع ما فيه من شدة البلاء وعظيم الخطب والزلزلة، وملاقاة الكفار والزحوف، واعتلاء مراكب المنايا والحتوف، إنه اليقين الذي يدفع صاحبه للصبر على كل ذلك، فلا يجد صاحبه بُدا من المطاولة والسعي الحثيث لنصرة الدين، ومرضاة رب العالمين، وهذا هو الإيمان الذي يتدرج بصاحبه حتى يصل إلى حق اليقين ثم عين اليقين، وأعظم الناس يقينا هم الرسل، لأنهم هم من تجري على أيديهم المعجزات وتتنزل عليهم الآيات، ولذلك عندما شكى خباب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يلاقونه من أذى المشركين وطلب منه الدعاء والنصرة، كشف له النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لاقاه الجيل الأول من أتباع كل رسول من الصبر العظيم على دين الله، وما هذا الصبر إلا من قوة الإيمان بالله -سبحانه- واليقين بوعده، والرضى بتلك المصائب في ذات الله، فعن خباب بن الأرتِّ -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: (قد كان من قبلكم، يُؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله لَيُتمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) [رواه البخاري].

وهكذا يأتي الجيل بعد ذاك الجيل المبتلى الذي قامت عليه الدعوة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ممن أنعم الله عليهم بالإيمان والصبر واليقين، فيكون فضلهم على قدر ما هم عليه من يقين وتحمل وتصبر في القيام بأمر الله تعالى، وبهذه المعايير يكون التفاضل والدرجة في الجنة، فأخبرنا الله -تعالى- عن التفاضل بين بعض أجيال الصحابة الكرام، وأن درجة من أنفق وقاتل قبل فتح مكة ليس كمن آمن وقاتل بعد الفتح، وهؤلاء الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بمجموعهم ممن سبق ولحق، هم من أعظم الناس إيمانا واتباعا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويقينا وبلاء في سبيل الله، ولذلك هم خير القرون، وعندما ارتدت العرب وانحسرت رقعة الدولة في مكة والمدينة، ظهر مِن حُسن بلائِهم وجهادهم ما يدل على هذه الخيرية، فألقوا بأنفسهم في أتون حرب ضروس، ضَرَستْ أهل الردة وكسرت شوكتهم، وكانوا من أكثر الناس بذلا للدماء والأشلاء، وقُتل في وقعة اليمامة سبعون من قراء الصحابة، وهي وقعة واحدة من وقعات كثيرة، مما حدا بالصدّيق -رضي الله عنه- أن يجمع القرآن خشية أن يضيع منه شيء، أولئك هم جيل الهداة المهتدين، الذين نالوا الإمامة في الدين بالصبر واليقين، اليقين بوحدانية الله والحساب والجنة والنار، اليقين برضوان الله وتحقيق وعده، اليقين بكفر الطواغيت وأتباعهم وجندهم وأنصارهم من صليبيين ومرتدين، والصبر على نتائج القتال مهما عظمت، ولذلك تجد من المجاهدين اليوم من يذكرك بفعل أنس بن النضر -رضي الله عنه- يوم أحد وهو ممن عظم إيمانه ويقينه، فشقّ طريقه إلى ربه موقنا صابرا محتسبا مقبلا عليه قائلا حين فرّ الناس: "واها لريح الجنة، أجدها دون أحد"، وما أعجب تلك الكلمات، إنها كلمة تلهُّف وحنين للجنة، فهنيئا لمن سار على خطاه، وحث الخطى إلى دار السعادة والكرامة، فإن أعظم الناس إيمانا ويقينا من يقبل على ربه حين يدبر الناس، وينكلوا عن هذا الخير العظيم.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 104
الخميس 13 صفر 1439 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 76

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً