السمع والطاعة (1) الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله ...

منذ 2025-07-14
السمع والطاعة (1)

الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد...

مما هو معلوم لدى أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة، وهذا مما يتميز به أهل السنة والجماعة عن أهل البدع، قال ابن تيمية -رحمه الله- في الواسطية: "أهل السنة والجماعة هم الذين يتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً، على ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ويبتعدون عن البدع، ويرون السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية، ويأمرون بالفضائل وينهون عن الرذائل".

فإن السمع والطاعة هي الركن الأول في البيعة، والحق الأعظم للإمام والأمير، قال عبادة بن الصامت: "دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان" [رواه البخار ي].

ولما كان للسمع والطاعة من الأهمية ما ذكرنا، كان بيان مفهومهما ضروريا للغاية، حتى لا يلتبس على الناس هذا المعنى العظيم الذي به ينتظم أمر دنياهم ويُحفظ عليهم دينهم القويم، فكانت هذه السلسلة (السمع والطاعة).


• وجوب السمع والطاعة:

إن مما انعقد عليه الإجماع وجوب السمع والطاعة، حتى أصبح السمع والطاعة علامة مميزة وفارقة لأهل السنة عن أهل البدع، بل أصبح السمع والطاعة يذكر في كتب عقائد أهل السنة.

قال ابن قدامة، رحمه الله: "ومن السنة: السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين -بَرِّهم وفاجرهم- ما لم يأمروا بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة، وسمي أمير المؤمنين، وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين" [لمعة الاعتقاد].

وقال ابن تيمية -رحمه الله- في الواسطية: "فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق".

قال ابن رجب، رحمه الله: "أما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعة ربهم".

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: "وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، بَرِّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية اللَّه".

والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة، ولم يقع خلل في دين الناس أو دنياهم إلا من الإخلال بهذه الوصية.

وقبل هذا جاء كلام الله ورسوله يؤكد وجوب السمع والطاعة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59]. قال ابن حجر: "قال ابن عيينة: سألت زيد بن أسلم عنها -أي عن أولي الأمر في هذه الآية- ولم يكن بالمدينة أحد يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله، فقال: اقرأ ما قبلها تعرف، فقرأت: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمواْ بِالْعَدْل} [النساء: 58]. فقال: هذه في الولاة" [فتح الباري].

أما من السنة فالأحاديث كثيرة في وجوب السمع والطاعة للأئمة في غير معصية نذكر منها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميرِي فقد أطاعَنِي، ومن عصى أميري فقد عصانِي).

ومنها ما رواه البخاري بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اسمعوا وأطيعُوا، وإن استُعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ، كأنَّ رأسَه زبيبةٌ).

ومنها ما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنها ستكونُ بعدِي أثرةً وأمورٌ تُنكرونها). قالوا: "يا رسولَ اللهِ! كيف تأمر من أدركَ منّا ذلك؟" قال: (تُؤدّونَ الحقَّ الذي عليكُم، وتسألونَ اللهَ الذي لكُم)، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الموجبة لطاعة الأئمة في غير معصية وإن جاروا.
حرمة مفارقة الجماعة:

إن الله لَمَّا أمر بالسمع والطاعة والجماعة، حَرَّم الخروج عنها والعصيان والتنازع، إذا لا يجوز لفرد أو جماعة الخروج على الإمام العادل، ومن خرج عليه وجب قتاله وقمعه، ورد شره وبغيه.

قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]، وعن عرفجة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَقول: (من أتاكم، وأمركُم جميعٌ، على رجلٍ واحدٍ، يريدُ أن يشقُّ عصاكُم، أو يفرقَ جماعتكُم، فاقتلوهُ) [رواه مسلم].

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميرِه شيئاً يكرهُه فليصبر، فإنَّهُ ليس أحدٌ يُفارِقُ الجماعةَ شبراً فيموتُ، إلا مات ميتةَ جاهليةٍ) [متفق عليه]. قال الإمام البخاري، رحمه الله: "لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم، أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر... -وذكر جماعة منهم ثم قال:- ما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء، فذكر أموراً منها: وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يَغِل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإنَّ دعوتهم تحيط من ورائهم)". وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: "سألت أبي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم [...] فذكرا أموراً منها: ونقيم الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله -عز وجل- أمرنا، ولا ننزع يداً من طاعة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، فإن الجهاد ماض مذ بعث الله -عز وجل- نبيه -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة مع ولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء، والحج كذلك، ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين".

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من خلع يداً من طاعةٍ، لقيَ اللهَ يومَ القيامةِ، لا حُجَّةَ له. ومن مات وليس في عُنُقِه بَيعةٌ، مات مِيتةً جاهليةً) [رواه مسلم].

فعلى المسلمين لزوم الجماعة لما تقدم ذكره، ولما في ذلك من عزة المسلمين ووحدتهم، وعليهم نبذ التنازع والفرقة والاختلاف، حتى لا يذهب ريحهم فيصيبهم الفشل، فتستباح بيضتهم وتباد خضراؤهم، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.



* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 104
الخميس 13 صفر 1439 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 11

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً