هذا وقد تتابع أهل العلم على تقرير الفرق بين الجهل بأصل الدين والجهل بالواجبات الشـرعية: فقد نقل ...
منذ 18 ساعة
هذا وقد تتابع أهل العلم على تقرير الفرق بين الجهل بأصل الدين والجهل بالواجبات الشـرعية:
فقد نقل الإمام محمد بن نصـر المروزي عن طائفة من أهل الحديث قولهم: "ولما كان العلم بـالله إيمانا والجهل به كفرا، وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر... إلى أن قالوا: وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا، وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا، والجهل بـالله في كل حال كفر، قبل الخبر وبعد الخبر". (13) انتهى كلامه -رحمه الله-
وأما صفة قيام الحجة وكيفية تحقيق هذا الشـرط قبل التكفير، فإن ذلك يختلف بحسب ظهور المسألة وخفائها، فقد تقوم الحجة بمجرد وجود المتوقف عن التكفير في مظنة العلم، بحيث يكون بتوقفه معرضا لا جاهلا، وبحيث لا يعذر إلا من كان حديث عهد بإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة، وقد تكون إقامة الحجة بتبيين النص الشـرعي الدال على كفر من فعل كذا أو قال كذا، ولا يكتفى بمجرد البلوغ العام للقرآن، وقد تكون إقامة الحجة بتبيين الدليل مع إزالة الشبهة والإجابة عن الدليل المعارض، وسيأتي مزيد توضيح لهذه المسألة عند الحديث عن مراتب المتوقفين.
ويستدل على التفريق بين الجهل بالشـرائع والجهل بأصل الدين أو على أن تكفير المشـركين من الشـرائع ليس من أصل الدين بعدة من الأدلة، أذكر منها:
إن جميع الأنبياء عليهم السلام بدءوا أقوامهم بالدعوة إلى عبادة الله وحده لا شـريك له، ولو أن الجهل بأحكام التكفير كفر لما تأخر بيانها عن بيان أصل الدين لحظة واحدة.
ومن الأدلة أيضا على التفريق أن التكفير من واجبات الدين وأنه حكم شـرعي وليس من أصل الدين ما ثبت أن من الصحابة رضي الله عنهم، من توقف في تكفير قوم وقعوا في الردة، وسموهم مسلمين، ولما نزلت الآيات التي بينت كفر هؤلاء القوم لم يستتابوا من توقفهم، بينما ثبت أن أحد الصحابة وقع في الشـرك جاهلا، ومع ذلك كفره الصحابة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه، وهذا يدل على الفرق بين من وقع في الشـرك جاهلا، وبين من جهل الشـرائع.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشـركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: "كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فـــاستغفروا لهم"، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97، 98]، قال: فكتب إلي من بقي من المسلمين بهذه الآية، وأنه لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشـركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [العنكبوت: ١٠] الْآيَةَ".(14)
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله : "فأنزل الله هذه الآية، وبين فيها حكم هؤلاء المشـركين، وأنهم من أهل النار مع تكلمهم بالإسلام".(15) انتهى كلامه.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: كنا نذكر بعض الأمر، وأنا حديث عهد بالجاهلية، فحلفت باللات والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره؛ فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فلقيته فأخبرته، فقال: «قل: لا إله إلا الله وحده ثلاث مرات، وتعوذ من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن شمالك ثلاث مرات، ولا تعد له».(16)
وقال ابن الوزير الصنعاني-رحمه الله- معلقا على هذا الحديث: "وهذا أمر بتجديد الإسلام".(17) انتهى كلامه.
وقال ابن العربي المالكي -رحمه الله- "فمن قال في الإسلام في يمينه واللات والعزى مؤكدا ليمينه بذلك على معنى التعظيم فيه: كافر حقيقة". ا.هـ(18)
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- : "أخذ به -يعني حديث سعد -رضي الله عنه- طائفة من العلماء فقالوا يكفر من حلف بغير الله كفر شـرك، قالوا: ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول لا إله إلا الله، فلولا أنه كفر ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك، وقال الجمهور: لا يكفر كفرا ينقله عن الملة، لكنه من الشـرك الأصغر".(19) انتهى كلامه.
فلم يعذر- رضي الله عنه- في ذلك مع أنه حديث عهد بجاهلية..
ومن الأدلة أيضا على التفريق أن التكفير من واجبات الدين، وأنه حكم شـرعي وليس من أصل الدين الذي لا يعذر فيه أحد: ما روي أن الصحابة -رضي الله عنهم- اختلفوا في تكفير بعض المرتدين، فلما بين الله تعالى كفر هؤلاء القوم لم يأمر من توقف فيهم بتجديد إسلامه.
فقد نقل الإمام محمد بن نصـر المروزي عن طائفة من أهل الحديث قولهم: "ولما كان العلم بـالله إيمانا والجهل به كفرا، وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر... إلى أن قالوا: وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا، وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا، والجهل بـالله في كل حال كفر، قبل الخبر وبعد الخبر". (13) انتهى كلامه -رحمه الله-
وأما صفة قيام الحجة وكيفية تحقيق هذا الشـرط قبل التكفير، فإن ذلك يختلف بحسب ظهور المسألة وخفائها، فقد تقوم الحجة بمجرد وجود المتوقف عن التكفير في مظنة العلم، بحيث يكون بتوقفه معرضا لا جاهلا، وبحيث لا يعذر إلا من كان حديث عهد بإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة، وقد تكون إقامة الحجة بتبيين النص الشـرعي الدال على كفر من فعل كذا أو قال كذا، ولا يكتفى بمجرد البلوغ العام للقرآن، وقد تكون إقامة الحجة بتبيين الدليل مع إزالة الشبهة والإجابة عن الدليل المعارض، وسيأتي مزيد توضيح لهذه المسألة عند الحديث عن مراتب المتوقفين.
ويستدل على التفريق بين الجهل بالشـرائع والجهل بأصل الدين أو على أن تكفير المشـركين من الشـرائع ليس من أصل الدين بعدة من الأدلة، أذكر منها:
إن جميع الأنبياء عليهم السلام بدءوا أقوامهم بالدعوة إلى عبادة الله وحده لا شـريك له، ولو أن الجهل بأحكام التكفير كفر لما تأخر بيانها عن بيان أصل الدين لحظة واحدة.
ومن الأدلة أيضا على التفريق أن التكفير من واجبات الدين وأنه حكم شـرعي وليس من أصل الدين ما ثبت أن من الصحابة رضي الله عنهم، من توقف في تكفير قوم وقعوا في الردة، وسموهم مسلمين، ولما نزلت الآيات التي بينت كفر هؤلاء القوم لم يستتابوا من توقفهم، بينما ثبت أن أحد الصحابة وقع في الشـرك جاهلا، ومع ذلك كفره الصحابة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه، وهذا يدل على الفرق بين من وقع في الشـرك جاهلا، وبين من جهل الشـرائع.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشـركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: "كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فـــاستغفروا لهم"، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97، 98]، قال: فكتب إلي من بقي من المسلمين بهذه الآية، وأنه لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشـركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [العنكبوت: ١٠] الْآيَةَ".(14)
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله : "فأنزل الله هذه الآية، وبين فيها حكم هؤلاء المشـركين، وأنهم من أهل النار مع تكلمهم بالإسلام".(15) انتهى كلامه.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: كنا نذكر بعض الأمر، وأنا حديث عهد بالجاهلية، فحلفت باللات والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره؛ فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فلقيته فأخبرته، فقال: «قل: لا إله إلا الله وحده ثلاث مرات، وتعوذ من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن شمالك ثلاث مرات، ولا تعد له».(16)
وقال ابن الوزير الصنعاني-رحمه الله- معلقا على هذا الحديث: "وهذا أمر بتجديد الإسلام".(17) انتهى كلامه.
وقال ابن العربي المالكي -رحمه الله- "فمن قال في الإسلام في يمينه واللات والعزى مؤكدا ليمينه بذلك على معنى التعظيم فيه: كافر حقيقة". ا.هـ(18)
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- : "أخذ به -يعني حديث سعد -رضي الله عنه- طائفة من العلماء فقالوا يكفر من حلف بغير الله كفر شـرك، قالوا: ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول لا إله إلا الله، فلولا أنه كفر ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك، وقال الجمهور: لا يكفر كفرا ينقله عن الملة، لكنه من الشـرك الأصغر".(19) انتهى كلامه.
فلم يعذر- رضي الله عنه- في ذلك مع أنه حديث عهد بجاهلية..
ومن الأدلة أيضا على التفريق أن التكفير من واجبات الدين، وأنه حكم شـرعي وليس من أصل الدين الذي لا يعذر فيه أحد: ما روي أن الصحابة -رضي الله عنهم- اختلفوا في تكفير بعض المرتدين، فلما بين الله تعالى كفر هؤلاء القوم لم يأمر من توقف فيهم بتجديد إسلامه.