الدولة الإسلامية - قصة شهيد: أبو عبد الله الطبيب كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً ...
منذ 11 ساعة
الدولة الإسلامية - قصة شهيد:
أبو عبد الله الطبيب
كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً
إذا رأيته حسبته من زمن آخر، حمل القرآن في صدره، فانعكس على أقواله وأفعاله، أحب الخفاء والخلوة وكره الشهرة والسمعة، حتى أن عددا من الأعمال العسكرية ضد المرتدين لم يُعلم منفذها إلا بعد مقتله من مقربين منه في أرض الجهاد خارج ولاية سيناء، ولم يعرف المرتدون حتى الآن من نفذها.
هو الأخ الناصح والصديق المشفق والخِل الرقيق،المسارع في الخيرات، "أبو عبد الله الطبيب"، كان أكبر همه إرضاء الله تعالى.
قليل الطعام والكلام، كثير الذكر، بسيط الملبس متشبها بالسلف، إذ كان له ثوبان يغسل أحدهما ويلبس الآخر، وكان من أصحاب الإيثار، رحمه الله، فهو يُهدي أحب ما عنده لإخوانه ويرضى بالقليل، فلله دره وعلى الله أجره، وكنتَ إذا رأيته وسط إخوانه لا تعرف من الطبيب ومن الممرِّض، فهو تارة يعالج ويطبب، وتارة يذكِّر بالله -تعالى- ويحرض، يذكر إخوانه بأن يتعلقوا بالله -تعالى- فهو الذي بيده الشفاء، ولا يتعلقوا بالطبيب أو بالدواء، وتارة يجهز الطعام أو يرتب المكان أو يُطْعِمُ بعض إخوانه المرضى بنفسه، ولقد كان لوجوده وسط الجرحى أثر كبير في سرعة الشفاء بإذن الله، وكان يجهِّز الملصقات الدعوية ويضعها في أماكن تواجد المصابين أمام أعينهم ليجعلهم على ارتباط بالله طيلة الوقت.
وكان -تقبله الله- مجازاً برواية حفص عن عاصم، رحمهما الله، فكان يُعلّم إخوانه القرآن، ولقد انتدبه إخوانه ليكمل طلب العلم بالموازاة مع عمله فاجتهد في ذلك، ولقد كانت له أبحاث في بعض المسائل الخاصة بعمله، ولم يكن يحب الجدال، ويكره النزاع والشقاق ويحب الألفة والاتفاق في غير معصية الله تعالى.
وكان مثالاً للسمع والطاعة وفق الكتاب والسنة فبالرغم من حبه للقتال وحرصه عليه، إلا أنه لما تم تكليفه بأمر المرضى بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك، فكان أميراً لمركز الصحة وقتها، ومن مواقف سمعه وطاعته أن هناك طريقا تمنع فيها إضاءة النور للسيارات وكانت هذه الطريق جديدة عليه ولا يحفظ تضاريسها مثل باقي الإخوة، فامتثل للأمر، فانحرفت السيارة به لتطأ على حجر ضخم على جانب الطريق فهرع إليه بعض الإخوة لمساعدته وتعجبوا أن السيارة لم تنقلب ولم يمسه -بفضل الله- أذى، ففرح الإخوة بنجاته وبلطف الله به.
أما عن توفيق الله -تعالى- له في عمله، فقد كان شعاره ولسان حاله ومقاله قول الله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88]، فلقد قام هذا الأخ الطبيب بعمليات جراحية مع أنه ليس جراحاً، إلا أنه طبيب عنده معلومات عامة في غير تخصصه، ولكن ليست بالحرفية التي تؤهله لمثل هذه الجراحات التي لها من الخطورة ما لها أثناء تنفيذها وبعد تنفيذها، ولكننا كنا نرى بركات من الله -تعالى- تتنزل على المريض بالصبر وسرعة الشفاء وعلى الطبيب بالتوفيق والتسديد حتى أنه كان يتعجب من ذلك ويقول إنها بركة الجهاد في بلاد الشام.
فلقد أجرى عملية بتر ذراع من فوق المرفق، وبتر في رجل شخص كُسر فخذه وحوضه، وكذلك قام على عدد من الكسور منها كسور خطيرة تحتاج لتجهيزات كبيرة، ومعلوم خطورة هذه الحالات وكيفية متابعتها في بيئة ملوثة بعيدة عن التعقيم فقيرة لأقل التجهيزات، وكان -تقبله الله- كثيرا ما يُردد: "مجبر أخاك لا بطل"، ويقول: "لو تم إعمال المعايير الطبية على أعمالنا هذه ربما منعوني من مزاولة المهنة؛ فلقد خرقنا كل المحاذير الطبية وتعاملنا بعشوائية مجبرين مضطرين، ولكن الله على كل شىء قدير".
ومن الحالات اللطيفة التي وفق الله -تعالى- أخانا فيها أن أحد الإخوة أصيب في حادث سيارة مما جعله يضغط بأسنانه على لسانه وكاد أن ينقطع فذهب إليه لإسعافه، وكان يظن أن الأمر نزيف داخلي، فالدم يخرج من فمه وبعد أن فتح فم الأخ المصاب علم بأن في لسانه قطع كبير، فاللسان مُتدلٍّ ولم تبق إلا قطعة صغيرة جداً من اللحم تمسك اللسان ببعضه، فأخرج -تقبله الله- خيوطه بعد تفتيش دقيق لحقيبته بابتسامة علت على وجهه وبعد أن انتهى من الأمر، سأله الإخوة عن ابتسامته فقال: "إن اللسان يحتاج لخيط معين وبالأمس احتجت لمثله فلم أجده وفتشت في حقيبتي على أنني لن أجده لأنني بحثت كثيرا عليه بالأمس، ولكن عندما وجدته اليوم سررت كثيرا، وكأن الله -تعالى- أعماني عنه بالأمس حيث لم يكن ضرورياً ووجدته اليوم لضرورته فالحمد لله، ولم أقم بعمل غرز للسان من قبل وكنت خائفا من أن أتسبب بأذى للأخ، ولكن الله وفقني والحمد لله"، ولقد شُفي الأخ وأكل وشرب وتكلم في فترة وجيزة جداً ولله الفضل والمنة.
كان ناصحاً بضوابط السنة قليل الغضب إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى، صابراً محتسباً، يحب النصح.
ولقد كان شديد التأثير بإخوانه، فقد كانوا في حياته كالأبناء يحتمون بوالدهم ولا يحملون هماً، ويعتمدون على تواجده بينهم ويهرعون إليه إذا قابلتهم معضلة، وكان يربيهم ويزرع فيهم التوكل على الله، وإنكار الذات وإرجاع كل نجاح وتوفيق لله عز وجل وحده،فلما قُتل -تقبله الله- تحولوا إلى شعلة من النشاط وكأنهم كلهم أبو عبد الله، كان دمه نور ونار وما هو إلا قليل حتى اصطفاهم الله –تعالى- إثر قصف يهودي أثناء انحيازهم لأحد المناطق ببعض المصابين لعلاجهم.
أما عن مقتله -تقبله الله- فلقد قُتل في قصف يهودي وهو في زيارة طبية لإحدى السرايا المقاتلة، هو ومرافقه حيث باغتتهم الطائرات المسيَّرة اليهودية وظلت تحوم فوقهم واتبعها قصف للمقاتلات اليهودية للموقع، فتقبل الله إخواننا نحسبهم والله حسيبهم من الشهداء.
أما عن زوجته وابنه فقد نفروا من بعده، وكان فرحاً جداً بوصولهم إليه، وكان يتمنى تربية ولده في ديار الإسلام، وكان حريصاً على أن يمتد سلطان المجاهدين إلى كل ربوع الأرض لِيعم الخير البلاد والعباد.
وبقيت زوجه فترة لم تعلم بمقتله، فلما أخبرت به حمدت الله واسترجعت واستبشرت واحتسبته عند الله عز وجل، وقالت: "وهل كنا ننتظر غير ذلك؟"، وفرحت أنه نال ما تمنى، وكانت نيتها إكمال وصيته ببقائها في ديار الإسلام وتربية ولدها في كنف المجاهدين، وشاء الله -تعالى- أمراً آخر، إذ لم تنتصف عدة أختنا حتى جاء أمر الله، فقُتلت وولدها على يد اليهود، فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، فلله درك يا أبا عبد الله وعلى الله أجرك.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ
أبو عبد الله الطبيب
كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً
إذا رأيته حسبته من زمن آخر، حمل القرآن في صدره، فانعكس على أقواله وأفعاله، أحب الخفاء والخلوة وكره الشهرة والسمعة، حتى أن عددا من الأعمال العسكرية ضد المرتدين لم يُعلم منفذها إلا بعد مقتله من مقربين منه في أرض الجهاد خارج ولاية سيناء، ولم يعرف المرتدون حتى الآن من نفذها.
هو الأخ الناصح والصديق المشفق والخِل الرقيق،المسارع في الخيرات، "أبو عبد الله الطبيب"، كان أكبر همه إرضاء الله تعالى.
قليل الطعام والكلام، كثير الذكر، بسيط الملبس متشبها بالسلف، إذ كان له ثوبان يغسل أحدهما ويلبس الآخر، وكان من أصحاب الإيثار، رحمه الله، فهو يُهدي أحب ما عنده لإخوانه ويرضى بالقليل، فلله دره وعلى الله أجره، وكنتَ إذا رأيته وسط إخوانه لا تعرف من الطبيب ومن الممرِّض، فهو تارة يعالج ويطبب، وتارة يذكِّر بالله -تعالى- ويحرض، يذكر إخوانه بأن يتعلقوا بالله -تعالى- فهو الذي بيده الشفاء، ولا يتعلقوا بالطبيب أو بالدواء، وتارة يجهز الطعام أو يرتب المكان أو يُطْعِمُ بعض إخوانه المرضى بنفسه، ولقد كان لوجوده وسط الجرحى أثر كبير في سرعة الشفاء بإذن الله، وكان يجهِّز الملصقات الدعوية ويضعها في أماكن تواجد المصابين أمام أعينهم ليجعلهم على ارتباط بالله طيلة الوقت.
وكان -تقبله الله- مجازاً برواية حفص عن عاصم، رحمهما الله، فكان يُعلّم إخوانه القرآن، ولقد انتدبه إخوانه ليكمل طلب العلم بالموازاة مع عمله فاجتهد في ذلك، ولقد كانت له أبحاث في بعض المسائل الخاصة بعمله، ولم يكن يحب الجدال، ويكره النزاع والشقاق ويحب الألفة والاتفاق في غير معصية الله تعالى.
وكان مثالاً للسمع والطاعة وفق الكتاب والسنة فبالرغم من حبه للقتال وحرصه عليه، إلا أنه لما تم تكليفه بأمر المرضى بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك، فكان أميراً لمركز الصحة وقتها، ومن مواقف سمعه وطاعته أن هناك طريقا تمنع فيها إضاءة النور للسيارات وكانت هذه الطريق جديدة عليه ولا يحفظ تضاريسها مثل باقي الإخوة، فامتثل للأمر، فانحرفت السيارة به لتطأ على حجر ضخم على جانب الطريق فهرع إليه بعض الإخوة لمساعدته وتعجبوا أن السيارة لم تنقلب ولم يمسه -بفضل الله- أذى، ففرح الإخوة بنجاته وبلطف الله به.
أما عن توفيق الله -تعالى- له في عمله، فقد كان شعاره ولسان حاله ومقاله قول الله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88]، فلقد قام هذا الأخ الطبيب بعمليات جراحية مع أنه ليس جراحاً، إلا أنه طبيب عنده معلومات عامة في غير تخصصه، ولكن ليست بالحرفية التي تؤهله لمثل هذه الجراحات التي لها من الخطورة ما لها أثناء تنفيذها وبعد تنفيذها، ولكننا كنا نرى بركات من الله -تعالى- تتنزل على المريض بالصبر وسرعة الشفاء وعلى الطبيب بالتوفيق والتسديد حتى أنه كان يتعجب من ذلك ويقول إنها بركة الجهاد في بلاد الشام.
فلقد أجرى عملية بتر ذراع من فوق المرفق، وبتر في رجل شخص كُسر فخذه وحوضه، وكذلك قام على عدد من الكسور منها كسور خطيرة تحتاج لتجهيزات كبيرة، ومعلوم خطورة هذه الحالات وكيفية متابعتها في بيئة ملوثة بعيدة عن التعقيم فقيرة لأقل التجهيزات، وكان -تقبله الله- كثيرا ما يُردد: "مجبر أخاك لا بطل"، ويقول: "لو تم إعمال المعايير الطبية على أعمالنا هذه ربما منعوني من مزاولة المهنة؛ فلقد خرقنا كل المحاذير الطبية وتعاملنا بعشوائية مجبرين مضطرين، ولكن الله على كل شىء قدير".
ومن الحالات اللطيفة التي وفق الله -تعالى- أخانا فيها أن أحد الإخوة أصيب في حادث سيارة مما جعله يضغط بأسنانه على لسانه وكاد أن ينقطع فذهب إليه لإسعافه، وكان يظن أن الأمر نزيف داخلي، فالدم يخرج من فمه وبعد أن فتح فم الأخ المصاب علم بأن في لسانه قطع كبير، فاللسان مُتدلٍّ ولم تبق إلا قطعة صغيرة جداً من اللحم تمسك اللسان ببعضه، فأخرج -تقبله الله- خيوطه بعد تفتيش دقيق لحقيبته بابتسامة علت على وجهه وبعد أن انتهى من الأمر، سأله الإخوة عن ابتسامته فقال: "إن اللسان يحتاج لخيط معين وبالأمس احتجت لمثله فلم أجده وفتشت في حقيبتي على أنني لن أجده لأنني بحثت كثيرا عليه بالأمس، ولكن عندما وجدته اليوم سررت كثيرا، وكأن الله -تعالى- أعماني عنه بالأمس حيث لم يكن ضرورياً ووجدته اليوم لضرورته فالحمد لله، ولم أقم بعمل غرز للسان من قبل وكنت خائفا من أن أتسبب بأذى للأخ، ولكن الله وفقني والحمد لله"، ولقد شُفي الأخ وأكل وشرب وتكلم في فترة وجيزة جداً ولله الفضل والمنة.
كان ناصحاً بضوابط السنة قليل الغضب إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى، صابراً محتسباً، يحب النصح.
ولقد كان شديد التأثير بإخوانه، فقد كانوا في حياته كالأبناء يحتمون بوالدهم ولا يحملون هماً، ويعتمدون على تواجده بينهم ويهرعون إليه إذا قابلتهم معضلة، وكان يربيهم ويزرع فيهم التوكل على الله، وإنكار الذات وإرجاع كل نجاح وتوفيق لله عز وجل وحده،فلما قُتل -تقبله الله- تحولوا إلى شعلة من النشاط وكأنهم كلهم أبو عبد الله، كان دمه نور ونار وما هو إلا قليل حتى اصطفاهم الله –تعالى- إثر قصف يهودي أثناء انحيازهم لأحد المناطق ببعض المصابين لعلاجهم.
أما عن مقتله -تقبله الله- فلقد قُتل في قصف يهودي وهو في زيارة طبية لإحدى السرايا المقاتلة، هو ومرافقه حيث باغتتهم الطائرات المسيَّرة اليهودية وظلت تحوم فوقهم واتبعها قصف للمقاتلات اليهودية للموقع، فتقبل الله إخواننا نحسبهم والله حسيبهم من الشهداء.
أما عن زوجته وابنه فقد نفروا من بعده، وكان فرحاً جداً بوصولهم إليه، وكان يتمنى تربية ولده في ديار الإسلام، وكان حريصاً على أن يمتد سلطان المجاهدين إلى كل ربوع الأرض لِيعم الخير البلاد والعباد.
وبقيت زوجه فترة لم تعلم بمقتله، فلما أخبرت به حمدت الله واسترجعت واستبشرت واحتسبته عند الله عز وجل، وقالت: "وهل كنا ننتظر غير ذلك؟"، وفرحت أنه نال ما تمنى، وكانت نيتها إكمال وصيته ببقائها في ديار الإسلام وتربية ولدها في كنف المجاهدين، وشاء الله -تعالى- أمراً آخر، إذ لم تنتصف عدة أختنا حتى جاء أمر الله، فقُتلت وولدها على يد اليهود، فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، فلله درك يا أبا عبد الله وعلى الله أجرك.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ