الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 504 الافتتاحية: فأما الزبد فيذهب جُفاءً إن انتفاشة أهل ...
منذ 2025-07-25
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 504
الافتتاحية:
فأما الزبد فيذهب جُفاءً
إن انتفاشة أهل الباطل واغترارهم بما في أيديهم من وسائل البطش، ليست ببدع من أمرهم وما هي بجديد عليهم، بل هي طريقة متبعة سار عليها أسلافهم من المبطلين الذاهبين جُفاءً، الذين مضت عليهم سنن الله التي لا تتحول ولا تتبدل، وستمضي على هؤلاء الأخلاف حتى يلاقوا ما لقي أسلافهم من الأخذ والعقوبات الربانية، بعذاب من عند الله أو بتسليط أوليائه عليهم.
وعندما نستعرض المكر الكبار والمؤامرات العظام التي يحيكها الكافرون لأهل الإسلام؛ يتبين لنا مدى غطرستهم وتكبرهم، وفي المقابل يتضح لنا حجم خوفهم من الحق وأهله، فالمعسكرات والترسانات التي صارت تملأ الآفاق شغلها الشاغل ووظيفتها الكبرى هي الحرب على المجاهدين بصفتهم رأس حربة الحق، بل لم تعد الجيوش والحكومات تكتفي بنفسها أو تطمئن حتى تجمع معها في هذا الباب غيرها، فتقيم التحالفات وتتناسى خلافاتها -رغم اتساعها- من أجل حرب المجاهدين ولو كانوا نفرا يسيرا، قليلٌ عددهم، هزيلةٌ عُدَّتهم.
والحملات الإعلامية مهما تصادمت وتسلط بعضها على بعض، ومهما اختلفت توجهاتها ووجهاتها؛ إلا أنها متفقة على حرب الإسلام وأهله، طمسا لمعالم التوحيد والفضيلة، ونشرا لمراتع الأهواء والرذيلة؛ كل هذا لأنهم يعلمون أن الحق لا يصمد أمامه سراب باطلهم ولا زَبَدُه الذي يذهب جفاءً، فالتاريخ على امتداده شاهد على مضي سنن الله الكونية بهذا، فقد حكم الله حكما لا يتغير ولا يتبدل أن الباطل لا ثبات له ولا بقاء مع وجود الحق، فقال سبحانه: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
ومجيء الحق إنما يكون بظهور أهله القائمين به، المقاتلين عليه، الداعين إليه بالقول والعمل، الذين لا يخلو منهم زمان إلى يوم القيامة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) [رواه مسلم]، وهذه هي الطائفة التي يقذف الله بها على الباطل فتدمغه بقتالها إيّاه، تدمغه برباطها وثباتها واستمرارها على المنهج السليم والصراط المستقيم، تدمغه بمقاطعتها للباطل ومفارقته ومنابذته في كل الشؤون والأحوال.
ومعلوم أن الباطل لا يزول بالباطل! فلا يزول بالسلمية وشعاراتها ولا الوطنية وراياتها، فضلا أن يزول بتقليده ودخول جحوره!، وكذلك لا يزول بالتماهي أو التهاون أو الالتقاء معه في منتصف الطريق كما هو شأن الجماعات المرتدة، ولا يزول الباطل بالمحاورات وأوهام "التقارب والتعايش" التي لا تحرق سوى أصحابها، كما لا يزول الباطل بإحلال مثله أو أشد منه محله!، فهذا كله مناقض للسنن الشرعية والكونية، ومخالف للعقول والفطر السوية.
لقد بيّن الله تعالى في كتابه السبيل إلى مدافعة الباطل، وأن ذلك يكون باتباع سبيل ذات الشوكة أي القتال، كما جاء في خبر غزوة بدر لمّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه طلبا لعير قريش دون قتالها، فأراد الله لهم أمرا آخر وهو الصدام مع قريش وقتالها إحقاقا للحق وإبطالا للباطل كما بيّن المولى -تبارك وتعالى- ذلك في سورة الأنفال فقال: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}، قال الإمام أبو جعفر: "يريد الله أن يحق الإسلام ويعليه (بكلماته)، بأمره إيَّاكم أيها المؤمنون بقتال الكفار". فبهذا يندفع الباطل وينقمع، وبغيره من سبل الشيطان ينتفش ويرتفع.
ويقينًا فإن الغلبة والتمكين لهذا الدين، وإن النصر والعاقبة لأولياء الله المتقين؛ تصديقا وثقة بوعد الله القائل: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} قال ابن عباس: "بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ"، والتصديق بذلك الوعد إيمان والتكذيب به كفر.
وإن كانت المؤشرات والموازين المادية تَغرُّ من لا دين له ولا إيمان فلا عجب، فقد اغتر من كان قبلهم حتى جاء أمر الله وعذابه من حيث لم يحتسبوا، فلم تغن عنهم قوة ولا كثرة، ولم تكن تلك الانتفاشة والغطرسة سوى استدراج من الله لهم، ليستوجبوا من العذاب أشده وأوفاه.
وكما أن الواجب على المسلمين أن لا يقنطوا من نصر الله، ولا تهتز ثقتهم بتحقُّق وعده الإلهي؛ فكذلك عليهم وجوبا أن يجتهدوا كل الجهد في بذل الأسباب الشرعية التي أمرهم الله بها استنزالا لنصره كما في قوله سبحانه: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، وذلك بنصرة شريعته ومحاربة أعدائه وموالاة أوليائه، وليعتصموا بحبل الله جميعا ويجتمعوا خلف راية الجماعة التي حافظت على نقاء الراية في زمن التلون والنكوص، وبقيت ثابتة راسخة في الأرض، بينما ذهب زبد الجماعات المرتدة، وبان زيف دعاويها، وتجلى لكل ذي عمى أنهم باتوا أدوات جاهلية بأيدي أئمة الكفر يدفعون بهم لحرب الموحدين، باذلين لذلك أنفسهم وأموالهم فدى لطوائف الكفر المختلفة الأقلية منها والأكثرية، وهم بين هذا وذاك لم يوقفوا حربهم ضد المجاهدين ولم يجمعوا على شيء إجماعهم على قتال الدولة الإسلامية!
ومما يجدر الحديث عنه في هذا الصدد، أن الأسباب التي جعلت الكافرين يحشدون المعسكرات ويعقدون التحالفات تحقيقا لمصالحهم في حرب الإسلام؛ لن تدعهم حتى يفني بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، حتى يتبخر زبدهم وتنكسر بحول الله شوكتهم، وهذا من تدبير العليم الخبير لأوليائه المتقين وعقابا لأعدائه الكافرين بخلاف مرادهم.
ختاما، إن من الضروري على المسلم توطين نفسه على شدة البلاء والاستعداد لكل ما هو قادم، فمن لم يوطّن على ذلك نفسه، فلا يأمن عليها أن تذهب غدا جفاء مع جملة الزبد الذاهب! فليتنبه الفطن لذلك وليتقلل من الدنيا وليتبلّغ بالقليل، فإن التعلق بالدنيا وزهرتها من أكثر أسباب القعود عن الجهاد.
وكذلك، على المسلم أن ينشرح بالحق صدرا، ولا يلتفت للمرجفين والمثبطين ومن يلقون الشُّبَه والمصائد في طريقه صدا له عن الحق وقطعا للطريق عليه، فإنما مثل هذه على قلبه كمثل الزبد يعلو السيل ثم ما يلبث أن يتفرق وتأخذه علائق الطريق، فإنْ ثبت على المنهج وإلا أخذته في طريقها، فاثبتوا ولا تبرحوا مواقعكم، والموفق من وفقه الله.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 504
السنة السابعة عشرة - الخميس 22 المحرم 1447 هـ
الافتتاحية:
فأما الزبد فيذهب جُفاءً
إن انتفاشة أهل الباطل واغترارهم بما في أيديهم من وسائل البطش، ليست ببدع من أمرهم وما هي بجديد عليهم، بل هي طريقة متبعة سار عليها أسلافهم من المبطلين الذاهبين جُفاءً، الذين مضت عليهم سنن الله التي لا تتحول ولا تتبدل، وستمضي على هؤلاء الأخلاف حتى يلاقوا ما لقي أسلافهم من الأخذ والعقوبات الربانية، بعذاب من عند الله أو بتسليط أوليائه عليهم.
وعندما نستعرض المكر الكبار والمؤامرات العظام التي يحيكها الكافرون لأهل الإسلام؛ يتبين لنا مدى غطرستهم وتكبرهم، وفي المقابل يتضح لنا حجم خوفهم من الحق وأهله، فالمعسكرات والترسانات التي صارت تملأ الآفاق شغلها الشاغل ووظيفتها الكبرى هي الحرب على المجاهدين بصفتهم رأس حربة الحق، بل لم تعد الجيوش والحكومات تكتفي بنفسها أو تطمئن حتى تجمع معها في هذا الباب غيرها، فتقيم التحالفات وتتناسى خلافاتها -رغم اتساعها- من أجل حرب المجاهدين ولو كانوا نفرا يسيرا، قليلٌ عددهم، هزيلةٌ عُدَّتهم.
والحملات الإعلامية مهما تصادمت وتسلط بعضها على بعض، ومهما اختلفت توجهاتها ووجهاتها؛ إلا أنها متفقة على حرب الإسلام وأهله، طمسا لمعالم التوحيد والفضيلة، ونشرا لمراتع الأهواء والرذيلة؛ كل هذا لأنهم يعلمون أن الحق لا يصمد أمامه سراب باطلهم ولا زَبَدُه الذي يذهب جفاءً، فالتاريخ على امتداده شاهد على مضي سنن الله الكونية بهذا، فقد حكم الله حكما لا يتغير ولا يتبدل أن الباطل لا ثبات له ولا بقاء مع وجود الحق، فقال سبحانه: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
ومجيء الحق إنما يكون بظهور أهله القائمين به، المقاتلين عليه، الداعين إليه بالقول والعمل، الذين لا يخلو منهم زمان إلى يوم القيامة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) [رواه مسلم]، وهذه هي الطائفة التي يقذف الله بها على الباطل فتدمغه بقتالها إيّاه، تدمغه برباطها وثباتها واستمرارها على المنهج السليم والصراط المستقيم، تدمغه بمقاطعتها للباطل ومفارقته ومنابذته في كل الشؤون والأحوال.
ومعلوم أن الباطل لا يزول بالباطل! فلا يزول بالسلمية وشعاراتها ولا الوطنية وراياتها، فضلا أن يزول بتقليده ودخول جحوره!، وكذلك لا يزول بالتماهي أو التهاون أو الالتقاء معه في منتصف الطريق كما هو شأن الجماعات المرتدة، ولا يزول الباطل بالمحاورات وأوهام "التقارب والتعايش" التي لا تحرق سوى أصحابها، كما لا يزول الباطل بإحلال مثله أو أشد منه محله!، فهذا كله مناقض للسنن الشرعية والكونية، ومخالف للعقول والفطر السوية.
لقد بيّن الله تعالى في كتابه السبيل إلى مدافعة الباطل، وأن ذلك يكون باتباع سبيل ذات الشوكة أي القتال، كما جاء في خبر غزوة بدر لمّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه طلبا لعير قريش دون قتالها، فأراد الله لهم أمرا آخر وهو الصدام مع قريش وقتالها إحقاقا للحق وإبطالا للباطل كما بيّن المولى -تبارك وتعالى- ذلك في سورة الأنفال فقال: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}، قال الإمام أبو جعفر: "يريد الله أن يحق الإسلام ويعليه (بكلماته)، بأمره إيَّاكم أيها المؤمنون بقتال الكفار". فبهذا يندفع الباطل وينقمع، وبغيره من سبل الشيطان ينتفش ويرتفع.
ويقينًا فإن الغلبة والتمكين لهذا الدين، وإن النصر والعاقبة لأولياء الله المتقين؛ تصديقا وثقة بوعد الله القائل: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} قال ابن عباس: "بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ"، والتصديق بذلك الوعد إيمان والتكذيب به كفر.
وإن كانت المؤشرات والموازين المادية تَغرُّ من لا دين له ولا إيمان فلا عجب، فقد اغتر من كان قبلهم حتى جاء أمر الله وعذابه من حيث لم يحتسبوا، فلم تغن عنهم قوة ولا كثرة، ولم تكن تلك الانتفاشة والغطرسة سوى استدراج من الله لهم، ليستوجبوا من العذاب أشده وأوفاه.
وكما أن الواجب على المسلمين أن لا يقنطوا من نصر الله، ولا تهتز ثقتهم بتحقُّق وعده الإلهي؛ فكذلك عليهم وجوبا أن يجتهدوا كل الجهد في بذل الأسباب الشرعية التي أمرهم الله بها استنزالا لنصره كما في قوله سبحانه: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، وذلك بنصرة شريعته ومحاربة أعدائه وموالاة أوليائه، وليعتصموا بحبل الله جميعا ويجتمعوا خلف راية الجماعة التي حافظت على نقاء الراية في زمن التلون والنكوص، وبقيت ثابتة راسخة في الأرض، بينما ذهب زبد الجماعات المرتدة، وبان زيف دعاويها، وتجلى لكل ذي عمى أنهم باتوا أدوات جاهلية بأيدي أئمة الكفر يدفعون بهم لحرب الموحدين، باذلين لذلك أنفسهم وأموالهم فدى لطوائف الكفر المختلفة الأقلية منها والأكثرية، وهم بين هذا وذاك لم يوقفوا حربهم ضد المجاهدين ولم يجمعوا على شيء إجماعهم على قتال الدولة الإسلامية!
ومما يجدر الحديث عنه في هذا الصدد، أن الأسباب التي جعلت الكافرين يحشدون المعسكرات ويعقدون التحالفات تحقيقا لمصالحهم في حرب الإسلام؛ لن تدعهم حتى يفني بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، حتى يتبخر زبدهم وتنكسر بحول الله شوكتهم، وهذا من تدبير العليم الخبير لأوليائه المتقين وعقابا لأعدائه الكافرين بخلاف مرادهم.
ختاما، إن من الضروري على المسلم توطين نفسه على شدة البلاء والاستعداد لكل ما هو قادم، فمن لم يوطّن على ذلك نفسه، فلا يأمن عليها أن تذهب غدا جفاء مع جملة الزبد الذاهب! فليتنبه الفطن لذلك وليتقلل من الدنيا وليتبلّغ بالقليل، فإن التعلق بالدنيا وزهرتها من أكثر أسباب القعود عن الجهاد.
وكذلك، على المسلم أن ينشرح بالحق صدرا، ولا يلتفت للمرجفين والمثبطين ومن يلقون الشُّبَه والمصائد في طريقه صدا له عن الحق وقطعا للطريق عليه، فإنما مثل هذه على قلبه كمثل الزبد يعلو السيل ثم ما يلبث أن يتفرق وتأخذه علائق الطريق، فإنْ ثبت على المنهج وإلا أخذته في طريقها، فاثبتوا ولا تبرحوا مواقعكم، والموفق من وفقه الله.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 504
السنة السابعة عشرة - الخميس 22 المحرم 1447 هـ