تكونون غثاءً كغثاء السيل لا شك أن لكل مرض يعتري الأفراد والجماعات أسبابا علمها من علمها وجهلها ...

منذ 2025-07-25
تكونون غثاءً كغثاء السيل


لا شك أن لكل مرض يعتري الأفراد والجماعات أسبابا علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولا يمكن علاج هذه الأمراض قبل التعرف عليها، كما لا يمكن الوقاية منها دون معرفة الأسباب التي تسببها.

ومن عادة كثير من الناس عندما تحل بهم مصيبة أو يطرأ عليهم طارئ أن يبحثوا عن أسباب ذلك في خارج أنفسهم ليُلقوا بالتبعات على غيرهم من الظروف أو الأعيان، كما وصف الله -تعالى- ذلك في حال أهل النفاق بقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 78 - 79].

فما يصيب الإنسان هو من عند نفسه، وتغييرُ حال الإنسان يكون من عند نفسه، إن شاء الله تعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]، فما تغيَّر حال عبد من حال خير إلى غيره أو العكس إلا بتغير أصابه في نفسه، وكذلك الأمم والدول، ومن كان له علم بالعمران والسياسة عرف ذلك.

فعندما يتغلب العدو على طائفة من المسلمين، فإن كثيرا منهم يُحيلون ذلك إلى تفوقهم في العدد والعدة، أو ضعف المسلمين في هذه الأبواب، ويسبب تركيزهم على الجانب الكمي من القضية تغافلا منهم عن نوعية الأفراد الذين يشكلون هذا الكم الذي ينظر إليه هؤلاء، وهذا الأمر نجدُ مصداقا له في حديث ثوبان -رضي الله عنه- حين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها)، قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: (أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن)، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: (حب الحياة وكراهية الموت) [رواه أحمد].

فالكثرة العددية لا تغني عن الجيش شيئا إن كان أفراده قد تسلط عليهم الوهن، فكرهوا القتال، وركنوا إلى الدعة والسلامة التي يحسبونها في البعد عن الحرب، والعدو وإن كان قليل العدد فإنه سيتجرأ على المسلمين إن نزعت من نفسه مهابتهم، وصار لا يلقي لهم بالا، خاصة إذا عرف ما فيهم من وهن، وضعف في النفوس، وكراهية للقتال.

ولقد رأينا في حال الأمم التي سبقتنا وفي حالنا أن القلة الصابرة ينصرها الله تعالى، وإن الجمع المتخاذل لا تغني عنه كثرته شيئا، كما في قوله سبحانه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]، وفي قوله سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].

ولذلك فإن إصلاح النفوس وتجديد إيمانها هو أول خطوات العلاج لمرض الوهن الذي نتيجته الحتمية تسلط العدو على المسلمين، وسبيله تذكير المسلمين بأن كراهية الموت لا تبعده ولا تؤخر أجله، والفرار منه لا يفيد في دفعه، وأن النهاية الحتمية لكل حي أن يموت، فيرجع إلى الله -تعالى- ليجزيه على جهاده وثباته أو يعاقبه على قعوده وتوليه، كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].

وكذلك تذكيرهم بأن عاقبة الركون إلى متاع الدنيا من زوجة وولد ومال وعشيرة وخِيمة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

فيا أهل التوحيد، جددوا الإيمان في قلوبكم، وأحيوا حب الجهاد والاستشهاد في نفوسكم، واسألوا الله المراتب العلى من الجنة، تجدوا نتيجة ذلك في حياتكم الدنيا قبل الآخرة، نصرا على عدوكم، ومهابة لكم في نفوس العالمين، ومن كان همه الآخرة فلا يأبه لما يبتليه الله به في الدنيا، والعاقبة للمتقين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً