أخي المجاهد فِرَّ إلى الله إذا نزل بك الكرب واشتد حولك الخطب وأحاطت بك المُلمات وجهدت في ...

منذ 20 ساعة
أخي المجاهد فِرَّ إلى الله


إذا نزل بك الكرب واشتد حولك الخطب وأحاطت بك المُلمات وجهدت في البحث عن طريق للنجاة، فاعلم -أخي- أن الطريق هو الفرار إلى الله ربِّ الأرض والسماوات،خالق الليل والنهار، من هو كل يوم في شأن.

نعم فِرَّ إلى الله، فهو من قدَّر الأقدار، وهو من يجيب المضطر إذا دعاه، ومن أقوى منه تلجأ إليه؟! أو أشد بأسا تحتمي بحماه؟!

فِرَّ إلى الله بالتضرع إليه والانكسار بين يديه، فِرَّ إليه بالصلاة والذكر، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم)، وأمرك ربك بالاستعانة بالصلاة فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].

فِرًّ إليه بالتوبة والاستغفار مما بدر منك في حقه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

فِرَّ إليه باتباع أمره، والانتهاء عن نهيه، بالثبات والصبر على دينك وجهادك، والأخذ بالأسباب، واليقين بصدق وعده، قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50].

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فإذا فرَّ العبد إلى الله فإنما يفر من شيء، إلى شيء وُجد بمشيئة الله وقدره، فهو في الحقيقة فارٌّ من الله إليه، ومن تصور هذا حق تصوُّره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك منك) [صحيح مسلم]، وقوله: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ) [رواه الشيخان]، فإنه ليس في الوجود شئ يُفرُّ منه ويستعاذ منه ويلجأ منه إلا هو مِن الله خلقاً وإبداعا، فالفارُّ والمستعيذ: فارٌّ مما أوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه، إلى ما تقتضيه رحمتُه وبِره ولطفه وإحسانه" [الرسالة التبوكية].

وإياك إياك أن تتبع الشيطان في طريق فيه هلاكك وسوء عاقبتك، فلقد أمرك ربك أن تجاهد عدوه وأمرك بالصبر على ذلك، وحذرك من الفرار، وبين لك الطريق وأعلمك بالعاقبة ودلَّك على درب النجاة.

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 155 - 156]، فأخبرهم بقدره عليهم وهو البلاء، ودلَّهم على طريق النجاة وهو الصبر.

ولك أسوة حسنة بالأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين، فلقد علموا طريق نجاتهم وسلكوه، فكانت لهم العاقبة وأهلك الله عدوهم ونصرهم عليهم.

فهذا نبي الله موسى لما أدركه فرعون وجنوده من خلفه، والبحر من أمامه، وقال أصحابه إنا لمدركون، أبى ذلك ودلهم على طريق نجاته الذي لايخيب، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 61 - 63].

وهذا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- يخِرُّ راكعا لله -عز وجل- يوم بدر، وقد حشَّد المشركون حشدهم، وجاؤوا ببهرجهم، يحاربون الله ورسوله، فسلك رسول الله طريقه، وتضرع إلى خالقه وألح عليه في الدعاء حتى أمده الله بجنده ونصره.
فدونك هذا الطريق فالزمه، وإياك أن تحيد عنه، واعلم أن الله نعم المولى ونعم النصير.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً