صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد: دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله أبو سليمان الليبي: ...

منذ 19 ساعة
صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد:

دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله
أبو سليمان الليبي:
"لقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا"


إن الدعوة إلى الله هدي الأنبياء، وسبيل الصالحين والأتقياء، قال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وللدعوة طريقان، طريق السنان وطريق اللسان، وأكمل أسلوب للدعوة هو الجمع بين الطريقين، وقد تجسَّد ذلك كله بأخلاق النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وسار على هديه الصحابة والتابعون الكرام، فقد كانوا دعاة لله بأفعالهم قبل أقوالهم.

وممن نحسبه كذلك -والله حسيبه- الأخ المجاهد أبو سليمان الليبي -تقبله الله- فلقد كان -رحمه الله- مثلا في الدعوة إلى الله بفعله وقوله، حيث كان طالب علم على صغر سنِّه الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد كان حافظا لكتاب الله، ولآلاف من الأحاديث النبوية الصحيحة، وكان له باع في علوم الآلة.

ولم يكن -تقبله الله- ممن حفظ المتون والكتب وتجاهل العمل بها، بل كان علمه قائدا له في جميع شؤون حياته، فكان قوّاما بالليل صواما بالنهار، عابدا لله على بصيرة، مجاهدا ذو أخلاق كريمة رفيعة.

لم تمنعه الدنيا من الالتحاق بجندية الخلافة
ينحدر أبو سليمان الليبي -تقبله الله- من عائلة ثرية من مدينة بنغازي، فلم يكن ينقصه المال كي يطلبه عبر الغزوات أو القتال، ولم تكن تنقصه الشهرة كي يطلبها عن طريق الالتحاق بصفوف الدولة الإسلامية وجنديتها، لم يرض القعود ودماءُ المسلمين تسيل، وأعراضهم تنتهك، فشمَّر عن ساعد الجد، وتسلَّح بالإيمان وتوكل على الله، وأدرك يقينا حقيقة الضر والنفع، التي لخَّصها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بقوله لابن عباس -رضي الله عنه- عندما كان يافعا: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [سنن الترمذي].

كان حريصا على طلب العلم وتعلمه، وكان أكثر ما يحرص على علم المواريث، ولم يكن طلبه للعلم يصدُّه عن الجهاد في سبيل الله، بل كان من السباقين للقتال في ليبيا منذ اندلعت شرارة الجهاد فيها، وأُصيب -تقبله الله- في إحدى المعارك هناك خلال قتاله ضد المرتدين أعوان الصليبيين الأمريكان.

ولما منّ الله على عباده المجاهدين بإعلان الخلافة، سارع بإعلان بيعته لخليفة المسلمين وحثَّ إخوانه هناك على اللحاق بركب الخلافة، خاصة وأنه وجد في إعلانها في ذلك الوقت فرصة ذهبية لجمع شتات الأمة بعد تبعثرها ولإحيائها بعد موتها بمئات السنين، ففرح أشد الفرح لإعلانها وبدأ ينشط نشاطا كبيرا لإقناع إخوانه بالالتحاق بركبها.


• ابتعاثه إلى أرض الشام

فانتدبه إخوانه للهجرة إلى أرض الشام مبتعثا من قبلهم للتواصل مع الأمراء، وإخبارهم عن حال إخوانهم في ليبيا وإطلاعهم على منهجهم وعقيدتهم، فانطلق أبو سليمان قاصدا أرض الشام، فالتقى بإخوانه من الأمراء ورفع لهم أمر إخوانه في ليبيا، فرحبوا به وبإخوانه بعد أن تأكدوا من صحة منهجهم، وقوة عزيمتهم، وقام بدوره -تقبله الله- بنقل ما رآه في أرض العراق والشام لإخوانه في ليبيا مشجعا ومحرضا لهم على البيعة، فبايع الإخوة هناك.

وبعد فترة وجيزة من وصوله لأرض الشام، عُين -تقبله الله- الشرعي العام لولاية حمص وأميرا للمراكز الشرعية فيها، فأحبه الإخوة حبا شديدا لما رأوا من طيب أخلاقه وحسن إدارته، وما زادته تلك التكليفات إلا انكسارا لربه وتواضعا لإخوانه الذين وُلِّي أمرهم.

واستمر الشيخ -رحمه الله- في طلب العلم والجهاد في سبيل الله حتى بعد تكليفه بمهام كثيرة منها خدمة إخوانه، فكان يدير شؤونهم في النهار ويسهر على طلب العلم في الليل، وإذا ما نادى منادي الجهاد والقتال تراه في الصفوف الأولى بجنب إخوانه المقاتلين في المعارك يحرض ويقاتل، وكأن لسان حاله ما قاله ابن حزم:

مناي من الدنيا علوم أبثها
وأنشرها في كل باد وحاضر

دعاء إلى القرآن والسنن التي
تناسى رجال ذكرها في المحاضر

وألزم أطراف الثغور مجاهدا
إذا هيعة قامت فأول نافر

لألقى حمامي مقبلا غير مدبر
بسمر العوالي والربيع البواتر

فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها
ولا تجعلني من قطين المقابر

لم يغفل -رحمه الله- عن العمل بما تعلمه من خلق نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فلقد كان لينا رحيما بإخوانه المجاهدين، يؤثرهم على نفسه حتى في أموره الخاصة، وكانوا لا يسمعون منه إلا طيب الكلام ولا يرون منه إلا حسن المعاملة، ولقد صدق من قال عنه أنه كان مدرسة بفعله وأخلاقه وتعامله مع إخوانه.
• مقتله -تقبله الله-

ولقد كان لمقتله –تقبله الله- أثر كبير في نفوس إخوانه لا يمحى، فلقد كان مقتله علامة على صدقه -نحسبه والله حسيبه-، صدق الله عز وجل فصدقه الله، وما أشبه مقتله بمقتل ذلك الصحابي الكريم الذي قال عندما وصله نصيبه من الغنائم: "ما على هذا بايعتك يا رسول الله، بايعتك على سهم يدخل من هنا ويخرج من هنا، بايعتك على أن أقتل في سبيل الله"، وما هي إلا أن دارت رحى الحرب حتى تفقد الصحابة الكرام الصحابي فرأوا السهم وقد اخترق رقبته كما أشار.

وهنا مع أخينا أبي سليمان الليبي حصل الشيء نفسه، حيث ينقل لنا أحد إخوانه الذين كانوا مع في آخر غزوة خاضها -رحمه الله- ما حدث فيقول: ركب أخونا أبو سليمان معنا في عربة BMP لينغمس في حاجز للجيش النصيري في محيط المحطة الثالثة بولاية حمص شرق مدينة تدمر، فأصيب بطلق ناري وبدأ ينزف دما فيغمى عليه ويفيق، فقال له الأخوة: ارجع يا شيخ لن تستطيع مواصلة القتال معنا فلقد أُصبت، فقال: "لا والله لا أرجع"، فلما أعاد عليه إخوانه طلب الرجوع وألحوا عليه قال: "لا والله لا أرجع ولقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا وأشار إلى جبهته ومؤخرة رأسه"، وما هي إلا دقائق قليلة حيث رفع رأسه فجاءته رصاصة أصابت جبهته بالمكان الذي أشار إليه فارتقى -تقبله الله- شهيدا كما نحسبه.

رحمك الله أبا سليمان، لقد كنت نعم الأخ ونعم الرفيق ونعم الأمير ونعم المعلم، وأسكنك الله فسيح جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً