وحرض المؤمنين محن ونوازل متلاحقة يشتدّ فيها الصراع بين الحق والباطل، ويكشّر الكفار فيها عن ...
منذ يوم
وحرض المؤمنين
محن ونوازل متلاحقة يشتدّ فيها الصراع بين الحق والباطل، ويكشّر الكفار فيها عن أنيابهم ليحاربوا المسلمين في كل مكان، فيسفكون الدماء وينتهكون الحرمات وينهبون الخيرات ويهلكون الحرث والنسل، فكان لزاما على أبناء الإسلام التصدي لهم ورد عاديتهم، نصرة للدين وصونا للحرمات.
• من ينتصر للإسلام؟
أخي الموحد، أما تغضب لدينك وأنت ترى بلدان المسلمين تُحكم بشرع الشيطان بدل شرع الرحمن؟، أما تبصر مآسي أمتك فوق كل أرض وتحت كل سماء على أيدي النصارى واليهود وأذنابهم المرتدين؟، أما يحزنك قصف المنازل على رؤوس الصغار والكبار؟ أما تغضبك أخبار الاعتداء على الأعراض؟ أما يحرك قلبك أنين الأسارى؟، هب أن المُعتدَى عليهم أهلك وأبناؤك، هل كنت ستقف موقف المتفرج أم أنك ستدافع بكل ما أوتيت من قوة؟ قل لنا بالله عليك: لماذا تحرّك قلبك تجاه أقاربك في النسب ولم يتحرك تجاه إخوانك في الدين، مع أن أواصر الدين أقوى وأمتن؟! أما تعلم أن نصرة إخوانك في الدين واجب شرعي عليك، لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، قال القرطبي: "حض على الجهاد، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين؛ فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس".
• إني أجد ريح الجنة!
كلمة سطرها التاريخ لأنس بن النضر رضي الله عنه في غزوة أحد لمّا تراجع الناس "فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضى فَقُتِل". [متفق عليه]، فنال ما تمنى، أما آن لك أن يحترق قلبك شوقا إلى بلاد الأفراح، حيث سعادة الأنفس والأرواح، حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، نعيم لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، كما في الحديث القدسي: (قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ). [البخاري]
فقل لنا بالله عليك: أما طمعت نفسك في الجنان، وفي النظر إلى الرحيم الرحمن، أما قرأت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، تأمل كيف يشتري سبحانه منك نفسك ومالك وهو المالك الحقيقي، وبأغلى الأثمان!، فما ضرك يا أخي أن تبذل نفسك رخيصة في سبيل خالقها ومالكها فتفوز بأعلى الجنان؟!
• انفروا خفافا وثقالا
أخي الموحد، اعلم أن الله تعالى شرع الجهاد والهجرة في سبيله وقرن سبحانه بينهما في آيات كثيرة كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فما الذي يقعدك عن اللحاق بإخوانك والهجرة إليهم، أما سمعت قول ربك: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع". أخي الموحد، ما أخرك عن اللحاق بقوافل المهاجرين، أهما والداك؟ فلن يدفعا عنك يوم القيامة عذاب ترك الجهاد، بل لعلك بالجهاد والشهادة تكون شفيعا لهما يوم الحساب، وحسبك في الدنيا أن تبرهما وتحسن إليهما وليس من ذلك ترك الجهاد المتعين، أم أخرك زوجك وأبناؤك؟، هب أنك قعيد بينهم أكنت أنت رازقهم أم كنت أنت الذي تحميهم من نوائب الدهر؟!، أتخشى عليهم الفقر بعدك؟ فمن كان إذًا لـ "هاجر" زوج الخليل -عليه السلام- بعد أن تركها في صحراء قاحلة لا طعام لها ولا زاد، ولكن يقينها بربها كان أقوى فقالت: "يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: اللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعَنَا" [البخاري]، فاعلم وتيقن أن رزق عيالك على ربك سبحانه، وإن كان ما أخرّك مسكن واسع أو تجارة رابحة أو غير ذلك من عرض الدنيا الفانية فتدبر قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} فخف على نفسك وعيد ربك.
• واقتلوهم حيث ثقفتموهم
أخي المسلم، إن حيل بينك وبين الهجرة ولم تهتد إليها سبيلا، فاعلم أنك على ثغر مهم لا يقل شأنا عن ثغور الجهاد إن أحسنت استغلاله، فابذل الأسباب واستعن بالله ودونك رقاب الكفار والمرتدين، فاقطف رؤوسهم وأحرق مراكبهم واجعلهم لا يأمنون على أنفسهم حتى في بيوتهم، واجعل قدوتك في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم، فهذا محمد بن مسلمة رضي الله عنه ذهب إلى "كعب بن الأشرف" فقتله بين أظهر المشركين، نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم قال: (مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) [البخاري]
فيا أخي في الدين، كم مرة سبّوا فيها نبينا صلى الله عليه وسلم وتطاولوا على جنابه الكريم في أرض الكفار الأصليين وعند الأنجاس المرتدين؟! كما يفعل الرافضة في العراق وغيرهم، وكم مرة شتموا فيها ديننا! بل وتطاولوا على خالقنا! -جل جلاله- باسم "حرية التعبير" و "التنوير" أما يغضبك ذلك؟! أما يحرك فيك دماء الثأر والانتقام؟ فكن أخي على درب محمد بن مسلمة وانتصر لدينك ونبيّك، أو كن مثل الصحابي فيروز الديلمي الذي اغتال رأس الردة "الأسود العنسي" في عقر داره وعلى فراشه، أو كن مثل تلك الثلة المباركة من الصحابة بقيادة عبد الله بن أنيس، الذين تسللوا إلى خيبر واغتالوا عدو الله "سلام بن أبي الحقيق"، فقتلوه وامرأته تصرخ وتولول! [تاريخ ابن كثير].
وعلى خطى الصحابة سار أبطال الإسلام اليوم، أما سمعت عن فوارس دولتنا الذين صالوا وجالوا في عقر أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها من بلاد الكفر، فمنهم من دهس! ومنهم من ذبح! ومنهم من فجّر وانغمس واشتبك!، فكن مثلهم واقتد بهم واسلك طريقهم، ولا تدع الشيطان يثبطك، ولا تتعذر بقلة العدة فالقليل يغني مع الصدق الكثير، ولا تتهيب الأسر، فهو -إنْ وقع- ابتلاء من جملة الابتلاءات التي يقدرها الله على عباده ليميز الخبيث من الطيب، فادفعه عنك ببذل الأسباب وحسن التوكل على مولاك، واصبر وصابر واستعن بالله وانطلق، والله خير حافظا.
فحاصل الكلام أخي المسلم، أن تشارك إخوانك المجاهدين في أرض العز بالهجرة إليهم كما فعل غيرك، فانهض وتجهز وكن لبنة من لبنات التمكين لهذا الدين، ولا يغرنك تخلف المتخلفين ولا ثرثرة القاعدين، فإن حيل بينك وبين الوصول إلى المجاهدين، فاجتهد وجاهد في مكانك فأئمة الكفر وجنودهم في كل مكان حولك، ولتكن غايتك رضا مولاك ولتضع هذه الآية نصب عينيك: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.
• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 505
السنة السابعة عشرة - الخميس 29 المحرم 1447 هـ
مقال:
وحرض المؤمنين
محن ونوازل متلاحقة يشتدّ فيها الصراع بين الحق والباطل، ويكشّر الكفار فيها عن أنيابهم ليحاربوا المسلمين في كل مكان، فيسفكون الدماء وينتهكون الحرمات وينهبون الخيرات ويهلكون الحرث والنسل، فكان لزاما على أبناء الإسلام التصدي لهم ورد عاديتهم، نصرة للدين وصونا للحرمات.
• من ينتصر للإسلام؟
أخي الموحد، أما تغضب لدينك وأنت ترى بلدان المسلمين تُحكم بشرع الشيطان بدل شرع الرحمن؟، أما تبصر مآسي أمتك فوق كل أرض وتحت كل سماء على أيدي النصارى واليهود وأذنابهم المرتدين؟، أما يحزنك قصف المنازل على رؤوس الصغار والكبار؟ أما تغضبك أخبار الاعتداء على الأعراض؟ أما يحرك قلبك أنين الأسارى؟، هب أن المُعتدَى عليهم أهلك وأبناؤك، هل كنت ستقف موقف المتفرج أم أنك ستدافع بكل ما أوتيت من قوة؟ قل لنا بالله عليك: لماذا تحرّك قلبك تجاه أقاربك في النسب ولم يتحرك تجاه إخوانك في الدين، مع أن أواصر الدين أقوى وأمتن؟! أما تعلم أن نصرة إخوانك في الدين واجب شرعي عليك، لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، قال القرطبي: "حض على الجهاد، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين؛ فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس".
• إني أجد ريح الجنة!
كلمة سطرها التاريخ لأنس بن النضر رضي الله عنه في غزوة أحد لمّا تراجع الناس "فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضى فَقُتِل". [متفق عليه]، فنال ما تمنى، أما آن لك أن يحترق قلبك شوقا إلى بلاد الأفراح، حيث سعادة الأنفس والأرواح، حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، نعيم لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، كما في الحديث القدسي: (قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ). [البخاري]
فقل لنا بالله عليك: أما طمعت نفسك في الجنان، وفي النظر إلى الرحيم الرحمن، أما قرأت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، تأمل كيف يشتري سبحانه منك نفسك ومالك وهو المالك الحقيقي، وبأغلى الأثمان!، فما ضرك يا أخي أن تبذل نفسك رخيصة في سبيل خالقها ومالكها فتفوز بأعلى الجنان؟!
• انفروا خفافا وثقالا
أخي الموحد، اعلم أن الله تعالى شرع الجهاد والهجرة في سبيله وقرن سبحانه بينهما في آيات كثيرة كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فما الذي يقعدك عن اللحاق بإخوانك والهجرة إليهم، أما سمعت قول ربك: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع". أخي الموحد، ما أخرك عن اللحاق بقوافل المهاجرين، أهما والداك؟ فلن يدفعا عنك يوم القيامة عذاب ترك الجهاد، بل لعلك بالجهاد والشهادة تكون شفيعا لهما يوم الحساب، وحسبك في الدنيا أن تبرهما وتحسن إليهما وليس من ذلك ترك الجهاد المتعين، أم أخرك زوجك وأبناؤك؟، هب أنك قعيد بينهم أكنت أنت رازقهم أم كنت أنت الذي تحميهم من نوائب الدهر؟!، أتخشى عليهم الفقر بعدك؟ فمن كان إذًا لـ "هاجر" زوج الخليل -عليه السلام- بعد أن تركها في صحراء قاحلة لا طعام لها ولا زاد، ولكن يقينها بربها كان أقوى فقالت: "يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: اللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعَنَا" [البخاري]، فاعلم وتيقن أن رزق عيالك على ربك سبحانه، وإن كان ما أخرّك مسكن واسع أو تجارة رابحة أو غير ذلك من عرض الدنيا الفانية فتدبر قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} فخف على نفسك وعيد ربك.
• واقتلوهم حيث ثقفتموهم
أخي المسلم، إن حيل بينك وبين الهجرة ولم تهتد إليها سبيلا، فاعلم أنك على ثغر مهم لا يقل شأنا عن ثغور الجهاد إن أحسنت استغلاله، فابذل الأسباب واستعن بالله ودونك رقاب الكفار والمرتدين، فاقطف رؤوسهم وأحرق مراكبهم واجعلهم لا يأمنون على أنفسهم حتى في بيوتهم، واجعل قدوتك في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم، فهذا محمد بن مسلمة رضي الله عنه ذهب إلى "كعب بن الأشرف" فقتله بين أظهر المشركين، نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم قال: (مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) [البخاري]
فيا أخي في الدين، كم مرة سبّوا فيها نبينا صلى الله عليه وسلم وتطاولوا على جنابه الكريم في أرض الكفار الأصليين وعند الأنجاس المرتدين؟! كما يفعل الرافضة في العراق وغيرهم، وكم مرة شتموا فيها ديننا! بل وتطاولوا على خالقنا! -جل جلاله- باسم "حرية التعبير" و "التنوير" أما يغضبك ذلك؟! أما يحرك فيك دماء الثأر والانتقام؟ فكن أخي على درب محمد بن مسلمة وانتصر لدينك ونبيّك، أو كن مثل الصحابي فيروز الديلمي الذي اغتال رأس الردة "الأسود العنسي" في عقر داره وعلى فراشه، أو كن مثل تلك الثلة المباركة من الصحابة بقيادة عبد الله بن أنيس، الذين تسللوا إلى خيبر واغتالوا عدو الله "سلام بن أبي الحقيق"، فقتلوه وامرأته تصرخ وتولول! [تاريخ ابن كثير].
وعلى خطى الصحابة سار أبطال الإسلام اليوم، أما سمعت عن فوارس دولتنا الذين صالوا وجالوا في عقر أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها من بلاد الكفر، فمنهم من دهس! ومنهم من ذبح! ومنهم من فجّر وانغمس واشتبك!، فكن مثلهم واقتد بهم واسلك طريقهم، ولا تدع الشيطان يثبطك، ولا تتعذر بقلة العدة فالقليل يغني مع الصدق الكثير، ولا تتهيب الأسر، فهو -إنْ وقع- ابتلاء من جملة الابتلاءات التي يقدرها الله على عباده ليميز الخبيث من الطيب، فادفعه عنك ببذل الأسباب وحسن التوكل على مولاك، واصبر وصابر واستعن بالله وانطلق، والله خير حافظا.
فحاصل الكلام أخي المسلم، أن تشارك إخوانك المجاهدين في أرض العز بالهجرة إليهم كما فعل غيرك، فانهض وتجهز وكن لبنة من لبنات التمكين لهذا الدين، ولا يغرنك تخلف المتخلفين ولا ثرثرة القاعدين، فإن حيل بينك وبين الوصول إلى المجاهدين، فاجتهد وجاهد في مكانك فأئمة الكفر وجنودهم في كل مكان حولك، ولتكن غايتك رضا مولاك ولتضع هذه الآية نصب عينيك: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.
• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 505
السنة السابعة عشرة - الخميس 29 المحرم 1447 هـ
مقال:
وحرض المؤمنين