صحيفة النبأ - قصة شهيد: أبو عمر القوقازي وإخوانه هاجروا معاً وسقوا بدمائهم أرض الدولة ...

منذ يوم
صحيفة النبأ - قصة شهيد:

أبو عمر القوقازي وإخوانه

هاجروا معاً وسقوا بدمائهم أرض الدولة الإسلامية
11 أخاً جمعتهم الحياة ولم يفرقهم الموت


لم يكن أبو عمر القوقازي وإخوانه العشرة على موعد بمعركة بيجي أو الموصل أو الرقة، ولم يتوقعوا عندما غادروا أرض القوقاز قبل سنوات طويلة متجهين إلى جزيرة العرب لتلقِّي العلوم الشرعية ودراسة اللغة العربية في إحدى جامعاتها أن يسقوا بدمائهم الطاهرة أرض الخلافة.

وكما جمعتهم الأرض على وجهها سنواتٍ طويلة متحابين متآخين في الله، جمعتهم الأرض كذلك في باطنها شهداء، نحسبهم والله حسيبهم.

لقد قُتل الإخوة الأحد عشر على أرض الشام والعراق في المكان الذي طالما حلموا بالعيش فيه والموت على ثراه، لم يمض على هجرتهم عدة أشهر حتى بدأ أحدهم يلحق بالآخر إلى الرفيق الأعلى، لقد تعاهدوا على المضي في الطريق إلى نهايته وقد بلغوها، لم يشغلهم شاغل، أو يمنعهم مانع، أو يعِقهم عائق، أو يلفت وجوههم بريق.

ألقوا ما على أكتافهم من متاع وأزالوا ما في قلوبهم من وهن، شدوا عزائمهم وأزمعوا أمرهم وصححوا هدفهم وجددوا نياتهم وحددوا وجهتهم الجديدة، إنها أرض الخلافة بعد أن تزودوا من علوم الآلة والعلوم الشرعية ما يعينهم على بلوغ الهدف، وبعد أن لم يجدوا بُدّاً من تطبيق ما تعلموه من مسائل العقيدة في الولاء والبراء والحاكمية وقتال الأعداء.

لقد ارتقوا مراتب الشرف ولم يُقنعهم دون النجوم مرام، فكان هاديهم في الطريق قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وكان حاديهم في المسير قول الشاعر:

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير
كطعم الموت في أمر عظيم

إذا فلتكن الهجرة إلى أرض الخلافة هي الهدف، وليكن القتل في سبيل الله هو المرام، ولتصب المحن والبلايا منهم ما تشاء، فإن سلعة الله غالية وهي تستحق العناء، وإن قدَّر الله لنا أن نُقتل ونحن في أرض الخلافة، فلنقتل ونحن في أرض الخلافة، هذا ما قاله هؤلاء الإخوة الأحد عشر قبل هجرتهم عندما حاول ثنيهم الأهل والأصحاب.

لقد كان لبعض هؤلاء الإخوة أنشطة دعوية في القوقاز وكان أغلبهم يتابع أخبار المجاهدين فيها ويناصرونهم، لم يكونوا جماعة ولكن كانوا يعرفون بعضهم البعض ويحبون الجهاد ويدعمون أهله، ثم التقوا في أرض الجزيرة أثناء طلبهم للعلم وظلوا على تواصل مع بعضهم البعض يلتقون بين الفترة والأخرى.

الصدمة هي الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تُعبِّر عن حالة الإخوة ساعة إعلان الخلافة، وكما حدث لآلاف بل لملايين المسلمين في العالم، بدأت الأسئلة تنهال على ألسنتهم، كيف ذلك؟ من هؤلاء الذين أقدموا على أمر عظيم وكبير كهذا؟ هل هذا هو الوقت المناسب لإقامتها؟ هل؟ وهل؟ أسئلة كثيرة دارت على ألسنتهم وجالت في أذهانهم، دفعتهم إلى البحث عن الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وبما أنهم طلاب علم فقد لجؤوا إلى الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن ذلك، وبدؤوا بالتعرف على الدولة الإسلامية عبر ألسنة قادتها وإصداراتها، وليس عبر كلام المُغرضين الكارهين والمحاربين، والتعرف على معنى الخلافة ومفهومها الشرعي ووجوب إقامتها، ووجوب الدفاع عنها، والتهيؤ لما يمكن أن يلاقوه في ذلك.

فكان أن علموا الحق ووقفوا على الحقيقة بعد أشهر من البحث والنقاش والجدال، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن الدارَ دارُ إسلام وجبت الهجرة إليها، وأن الرجل الذي بايعه المسلمون إمام شرعي واجبة طاعته عليهم، وأن جنوده مجاهدون يقاتلون تحت راية صحيحة نقية، وأنه لا خيار أمامهم سوى الهجرة إلى تلك الأرض، والبيعة لذلك الإمام، والالتحاق بصف أولئك المجاهدين.

فهاجروا إلى الله وهم يعلمون أن بركة العلم في العمل به، لا في الركون إلى الدنيا بزعم التفرغ له في وقت تزداد الحاجة إلى أهله خصوصا في زمن الفتن، ولم يصدهم عن طاعة ربهم تلبيسات المنتسبين إليه من علماء السوء الذين كانوا يتحلَّقون حولهم في الجامعة، وفي المساجد، وفي حلق العلم، وهم يحسنون بهم ظنا، ويحسبونهم على خير، حتى إذا جاءت الفتن عرّت عن أولئك الضالين ما لبسوا من مُسوح العلماء العاملين، وأظهرت سوءاتهم، وأبانت حقائقهم، فإذا هم أدعياء منافقون، يقولون ما لا يفعلون، وبالدين يأكلون، وفي مرضَات الطواغيت يعملون.

وكان من هؤلاء الإخوة الأبطال الذين قضوا جميعا في المعارك ضد الكفار والمرتدين وأعوانهم الطبيب المجاهد أبو عمر القوقازي صاحب السبعة والثلاثين عاما، أب لأربعة أبناء، طالب علم لا يكاد يفارق الكتاب يمينَه، لقد سبق أن سجن في بلده بتهمة صداقته لأحد المجاهدين وكانت فترة سجنه رغم قصرها كفيلة بأن تعلمه شراسة الحرب التي يخوضها إخوانه ضد الكفار والمرتدين، فقد لاقى ما لاقاه من أذى، وما إن خرج من محبسه حتى جمع حقائبه وخرج فارا بنفسه وأهله ودينه.

لقد كان مقتل أبي عمر وأحد إخوانه العشرة مثالا على التضحية والفداء، حيث ترافقا -تقبلهما الله- إلى خط الدفاع الأول عن مدينة الموصل وكان ذلك الأخ قناصا، فشاهد مدرعة للروافض المشركين قريبة من نقطة رباطهم فتناول قذيفة خارقة للدروع لقذفها باتجاه المدرعة، ودنا مسافة باتجاه الهدف وفور اقترابه أصابته طلقة بجسده فسقط، فما كان من أبي عمر -تقبله الله- إلا أن تسلل باتجاه أخيه لإنقاذه وإسعافه رغم انكشاف موقعه للروافض المشركين، وما إن وصل إليه حتى وجد أخاه قد فارق الحياة، فأخذ يسحبه حتى أصابته طلقة أردته قتيلا، فسقط فوق أخيه -تقبلهما الله تعالى-.

وكان -تقبله الله- يحلم بأن يكون قناصا يدافع عن دولته، لكنه كان يعاني من ضعف في بصره، وقبل نفيره إلى أرض الخلافة خضع لعلاج كلَّفه ما يزيد على 2000 دولار، وعندما وصل إلى أرض الدولة الإسلامية والتحق بمعسكراتها، أخبر أمير المعسكر بأنه يرغب في الالتحاق بسرايا القناصين، فلما عُرِض على الإخوة في سرايا القنص رفضوا طلبه لضعف بصره، فما كان منه إلا أن بكى وحزن على ذلك.

وكان له -تقبله الله- باعٌ في مجال تربية الأطفال لما يتحلى به من صبر وحلم وأناة وعلم وتقوى -نحسبه والله حسيبه- وكان حافظا لكتاب الله تعالى، مجيدا تجويده وترتيله، فتم فرزه لمعسكرات الأشبال فقدَّم ما يملك في هذا المجال، فكان خير أب وخير معلم وخير مربٍّ، ورغم ضيق الوقت لديه إلا أنه لم ينس حلمه في القنص فكان يتعلمه بمساعدة أحد إخوانه في أوقات فراغه، وكلما سنحت له الفرصة رابط بقناصته على الكفار والمرتدين، فخرَّج في معسكرات الأشبال رجالا سيشهد لهم التاريخ والناس، نسأل الله أن يتقبل منه ومن إخوانه، وأن يتقبلهم جميعا في جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 200

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً