وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3) تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن ...
منذ 2025-07-28
وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3)
تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن والملاحم الواردة في نصوص الوحيين، وواجب المسلم نحوها، وبينا أنها من الإيمان بالغيب الذي لا يتم إيمان المرء بغيره.
ونكمل في هذه الحلقة -بإذن الله- كلامنا، مستعينين به -عز وجل- في بيان مكانة هذا الباب من أبواب العلم، ومقدار اهتمام أهل الإسلام به.
• أخبار الغيب وأنواعها
فأخبار الغيب التي أخبر بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تتفاوت من حيث المدى الزمني لوقوعها، فمنها ما وقع قبل زمن التكلم بها، فيوحي بها إلى عباده المرسلين ليبلغوها لأقوامهم على سبيل التعليم وأخذ العبر وإثبات النبوة، كما في أخبار الأمم السالفة التي ما جاء نبي من بعد نوح إلا وأخبر بها، كما قال عنها الله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
ومنها ما كان واقعا في زمن تكلم الأنبياء بها، كإخبارهم -عليهم الصلاة والسلام- الناس بأمور من الغيب لم يطلعوا عليها، على سبيل تقديم الآيات والدلائل على نبوتهم، وتلقيهم الوحي من الله عز وجل، كما في قول عيسى بن مريم -عليه السلام- لقوله، فيما أخبر عنه ربه سبحانه وتعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 49].
ومنها ما كان إخبارا عن أمور ستقع بعد فترة من إخبارهم بها، كما في إخباره -عليه الصلاة والسلام- بدخول المسلمين إلى مكة بعد رؤيا رآها، وصدق ذلك كلام ربه عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]، قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُري في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين، ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا شق عليهم، فأنزل الله هذه الآية" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].
ومن تلك الأخبار، ما لم يقع في حياة الأنبياء المبلغين لها، ولكن بعد أن توفاهم الله، كإخبارهم ببعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأمرهم أتباعهم بالإيمان به، كما في قول عيسى بن مريم عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
وكذلك بعض أخبار رسولنا عليه الصلاة والسلام، التي وقعت بعد موته، كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: (فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى)، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: (كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه) [رواه البخاري]، قال عدي عن الحديث نفسه: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم الحياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (يُخرج ملء كفه)".• أخبار الغيب وأشراط الساعة
ومنها ما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها تكون بعد موته، وجعلها إشارات أو علامات على اقتراب الساعة، كلما وقع منها شيء دلّ أكثر على اقتراب ذلك اليوم الموعود، كما أنها حين وقوعها تدلّ على صدق رسالته -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به قبل حدوثه، ففي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: (اعدد ستا بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) [رواه البخاري].
ولارتباط هذه الأخبار بالساعة، وهي موعد انتهاء الحياة الدنيا، وبداية الحياة الآخرة، ولعظم الأحداث المرتبطة بهذه الأخبار، فقد أولى بها أهل العلم من صحابة رسول الله وأتباعهم اهتماما كبيرا، وأفرد لها أهل الحديث في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم أبوابا وكتبا.
فمنهم من أوردها في معرض الحديث عن الساعة وأشراطها، وذلك ثابت في كلامه عليه الصلاة والسلام، بدلالته على اقتراب الساعة بأحداث تقع قبلها، كما في الحديث السابق، وكما في جوابه لجبريل -عليه السلام- عندما سأله عن الساعة وموعدها، قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها) [متفق عليه]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون الشعر) [رواه ابن ماجة]، وغير ذلك كثير فيما أخبر عنه عليه الصلاة والسلام.
أحاديث الفتن والملاحم وموقعها من العلم
ومن العلماء من جعلها في باب الحديث عن الأحداث العظام التي تقع قبل قيام الساعة، وهذا ما غلب على وصف هذه الأحاديث، حتى صارت تعرف عند الناس بـ (أحاديث الفتن والملاحم)، ولذلك نجد معظم هذه الأحاديث تحت هذه التسمية في كتب أهل العلم، وقلما نجد كتابا من كتب الحديث يخلو من باب بهذه التسمية أو قريبا منه.
فبوب البخاري في صحيحه (كتاب الفتن)، وفي صحيح مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة)، و(كتاب الفتن) في كل من سنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومسند الشافعي، ومصنف ابن ابي الشيبة، و(كتاب الفتن والملاحم) في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم.
ومن العلماء من صنف كتبا مستقلة في هذا الباب، ككتاب (الفتن) للإمام أحمد بن حنبل، و(كتاب الفتن) لحنبل ابن إسحق بن حنبل، و(كتاب الفتن) لنعيم بن حماد المروزي، وهو أشهر ما صنف في هذا الباب، رغم تحذير العلماء منه لما احتواه من مناكير، وعلى آثارهم سار من جاء بعدهم، كالحافظ ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم)، وغيره كثير من كتب أهل العلم.
فأحاديث (الفتن والملاحم) تندرج في إطار العلم بالساعة، لما توضحه من علامات على قرب موعدها، ومن العلم بدلائل النبوة، لما فيها من أدلة واضحة على صدقه -عليه الصلاة والسلام- فيما يبلغه عن ربه تعالى، بل وجعلها بعض علماء السلف بابا من أبواب الاعتقاد التي يعلمونها للمسلمين، وخاصة الأحاديث التي أنكرها أهل الضلال من المعتزلة والروافض وغيرهم، لما فيها من نقض لأقوالهم ومعتقداتهم الباطلة.
بل ليس من المستبعد اعتبار (الفتن والملاحم) علما مستقلا بذاته، لما في هذا العلم من منهجية خاصة في تأويل الأخبار الواردة في متون الأحاديث التي نقلتها، من حيث مطابقة الأخبار للوقائع التي تحدث في كل زمان، وتقرير إن كانت هذه الوقائع من الأحداث التي تندرج في إطار (الفتن والملاحم) التي يدرسها هذا العلم، أم هي من جملة الأحداث التي يحدثها الله -تعالى- في كل الأزمنة المختلفة، والأماكن المتباعدة، ويبتلي بها عباده، ويمضي بها أقداره.
وسنبين في الحلقة القادمة -بإذن الله- جانبا من أهمية هذا العلم، من خلال بيان اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بتعليمه لأصحابه، واهتمامهم -رضي الله عنهم- بتعلمه وتبليغه لمن بعدهم، واهتمام علماء الإسلام بنقل هذا العلم، والفقه فيه، وبيانه للناس، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 هـ
تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن والملاحم الواردة في نصوص الوحيين، وواجب المسلم نحوها، وبينا أنها من الإيمان بالغيب الذي لا يتم إيمان المرء بغيره.
ونكمل في هذه الحلقة -بإذن الله- كلامنا، مستعينين به -عز وجل- في بيان مكانة هذا الباب من أبواب العلم، ومقدار اهتمام أهل الإسلام به.
• أخبار الغيب وأنواعها
فأخبار الغيب التي أخبر بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تتفاوت من حيث المدى الزمني لوقوعها، فمنها ما وقع قبل زمن التكلم بها، فيوحي بها إلى عباده المرسلين ليبلغوها لأقوامهم على سبيل التعليم وأخذ العبر وإثبات النبوة، كما في أخبار الأمم السالفة التي ما جاء نبي من بعد نوح إلا وأخبر بها، كما قال عنها الله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
ومنها ما كان واقعا في زمن تكلم الأنبياء بها، كإخبارهم -عليهم الصلاة والسلام- الناس بأمور من الغيب لم يطلعوا عليها، على سبيل تقديم الآيات والدلائل على نبوتهم، وتلقيهم الوحي من الله عز وجل، كما في قول عيسى بن مريم -عليه السلام- لقوله، فيما أخبر عنه ربه سبحانه وتعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 49].
ومنها ما كان إخبارا عن أمور ستقع بعد فترة من إخبارهم بها، كما في إخباره -عليه الصلاة والسلام- بدخول المسلمين إلى مكة بعد رؤيا رآها، وصدق ذلك كلام ربه عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]، قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُري في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين، ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا شق عليهم، فأنزل الله هذه الآية" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].
ومن تلك الأخبار، ما لم يقع في حياة الأنبياء المبلغين لها، ولكن بعد أن توفاهم الله، كإخبارهم ببعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأمرهم أتباعهم بالإيمان به، كما في قول عيسى بن مريم عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
وكذلك بعض أخبار رسولنا عليه الصلاة والسلام، التي وقعت بعد موته، كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: (فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى)، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: (كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه) [رواه البخاري]، قال عدي عن الحديث نفسه: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم الحياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (يُخرج ملء كفه)".• أخبار الغيب وأشراط الساعة
ومنها ما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها تكون بعد موته، وجعلها إشارات أو علامات على اقتراب الساعة، كلما وقع منها شيء دلّ أكثر على اقتراب ذلك اليوم الموعود، كما أنها حين وقوعها تدلّ على صدق رسالته -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به قبل حدوثه، ففي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: (اعدد ستا بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) [رواه البخاري].
ولارتباط هذه الأخبار بالساعة، وهي موعد انتهاء الحياة الدنيا، وبداية الحياة الآخرة، ولعظم الأحداث المرتبطة بهذه الأخبار، فقد أولى بها أهل العلم من صحابة رسول الله وأتباعهم اهتماما كبيرا، وأفرد لها أهل الحديث في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم أبوابا وكتبا.
فمنهم من أوردها في معرض الحديث عن الساعة وأشراطها، وذلك ثابت في كلامه عليه الصلاة والسلام، بدلالته على اقتراب الساعة بأحداث تقع قبلها، كما في الحديث السابق، وكما في جوابه لجبريل -عليه السلام- عندما سأله عن الساعة وموعدها، قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها) [متفق عليه]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون الشعر) [رواه ابن ماجة]، وغير ذلك كثير فيما أخبر عنه عليه الصلاة والسلام.
أحاديث الفتن والملاحم وموقعها من العلم
ومن العلماء من جعلها في باب الحديث عن الأحداث العظام التي تقع قبل قيام الساعة، وهذا ما غلب على وصف هذه الأحاديث، حتى صارت تعرف عند الناس بـ (أحاديث الفتن والملاحم)، ولذلك نجد معظم هذه الأحاديث تحت هذه التسمية في كتب أهل العلم، وقلما نجد كتابا من كتب الحديث يخلو من باب بهذه التسمية أو قريبا منه.
فبوب البخاري في صحيحه (كتاب الفتن)، وفي صحيح مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة)، و(كتاب الفتن) في كل من سنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومسند الشافعي، ومصنف ابن ابي الشيبة، و(كتاب الفتن والملاحم) في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم.
ومن العلماء من صنف كتبا مستقلة في هذا الباب، ككتاب (الفتن) للإمام أحمد بن حنبل، و(كتاب الفتن) لحنبل ابن إسحق بن حنبل، و(كتاب الفتن) لنعيم بن حماد المروزي، وهو أشهر ما صنف في هذا الباب، رغم تحذير العلماء منه لما احتواه من مناكير، وعلى آثارهم سار من جاء بعدهم، كالحافظ ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم)، وغيره كثير من كتب أهل العلم.
فأحاديث (الفتن والملاحم) تندرج في إطار العلم بالساعة، لما توضحه من علامات على قرب موعدها، ومن العلم بدلائل النبوة، لما فيها من أدلة واضحة على صدقه -عليه الصلاة والسلام- فيما يبلغه عن ربه تعالى، بل وجعلها بعض علماء السلف بابا من أبواب الاعتقاد التي يعلمونها للمسلمين، وخاصة الأحاديث التي أنكرها أهل الضلال من المعتزلة والروافض وغيرهم، لما فيها من نقض لأقوالهم ومعتقداتهم الباطلة.
بل ليس من المستبعد اعتبار (الفتن والملاحم) علما مستقلا بذاته، لما في هذا العلم من منهجية خاصة في تأويل الأخبار الواردة في متون الأحاديث التي نقلتها، من حيث مطابقة الأخبار للوقائع التي تحدث في كل زمان، وتقرير إن كانت هذه الوقائع من الأحداث التي تندرج في إطار (الفتن والملاحم) التي يدرسها هذا العلم، أم هي من جملة الأحداث التي يحدثها الله -تعالى- في كل الأزمنة المختلفة، والأماكن المتباعدة، ويبتلي بها عباده، ويمضي بها أقداره.
وسنبين في الحلقة القادمة -بإذن الله- جانبا من أهمية هذا العلم، من خلال بيان اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بتعليمه لأصحابه، واهتمامهم -رضي الله عنهم- بتعلمه وتبليغه لمن بعدهم، واهتمام علماء الإسلام بنقل هذا العلم، والفقه فيه، وبيانه للناس، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 هـ