مناظرة بين ابن تيمية وبعض أهل البدع جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية من مناظرة بينه وبين أهل ...

منذ 17 ساعة
مناظرة بين ابن تيمية وبعض أهل البدع


جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية من مناظرة بينه وبين أهل البدع:

وسألني الأمير عما تطلب منهم فقلت: متابعة الكتاب والسنة مثل أن لا يعتقد أنه لا يجب عليه اتباعهما، أو أنه يسوغ لأحد الخروج من حكمهما ونحو ذلك، أو أنه يجوز اتباع طريقةٍ تخالف بعض حكمهما، ونحو ذلك من وجوه الخروج عن الكتاب والسنة التي توجب الكفر. وقد توجب القتل دون الكفر، وقد توجب قتال الطائفة الممتنعة دون قتل الواحد المقدور عليه.

فقالوا: نحن ملتزمون الكتاب والسنة أتنكر علينا غير الأطواق؟

نحن نخلعها. فقلت: الأطواق وغير الأطواق، ليس المقصود شيئا معينا؛ وإنما المقصود أن يكون جميع المسلمين تحت طاعة الله ورسوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- فقال الأمير فأي شيء الذي يلزمهم من الكتاب والسنة؟ فقلت: حكم الكتاب والسنة كثير لا يمكن ذكره في هذا المجلس، لكن المقصود أن يلتزموا هذا التزاما عاما ومن خرج عنه ضربت عنقه....

قلت: ومن ذلك الصلوات الخمس في مواقيتها كما أمر الله ورسوله؛ فإن من هؤلاء من لا يصلي ومنهم من يتكلم في صلاته..

فلما أظهروا التزام الكتاب والسنة، وجموعهم بالميدان بأصواتهم وحركاتهم الشيطانية يظهرون أحوالهم، قلت له: أهذا موافق للكتاب والسنة؟ فقال: هذا من الله حال يرِد عليهم فقلت: هذا من الشيطان الرجيم لم يأمر الله به ولا رسوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- ولا أحبَّه الله ولا رسوله فقال: ما في السموات والأرض حركة، ولا كذا ولا كذا إلا بمشيئته وإرادته، فقلت له: هذا من باب القضاء والقدر، وهكذا كل ما في العالم من كفر وفسوق وعصيان هو بمشيئته وإرادته وليس ذلك بحجة لأحد في فعله؛ بل ذلك مما زينه الشيطان وسخطه الرحمن.


• السياط الشرعية للأحوال الشيطانية

فقال: فبأي شيء تبطُل هذه الأحوال. فقلت: بهذه السياط الشرعية. فأعجب الأمير وضحك وقال: أي والله! بالسياط الشرعية تبطل هذه الأحوال الشيطانية كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يُجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية. وأمسكت سيف الأمير وقلت: هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه، وهذا السيف: سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله وأعاد الأمير هذا الكلام.

وأخذ بعضهم يقول: فاليهود والنصارى يُقرُّون ولا نقر نحن؟، فقلت: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدِع لا يُقر على بدعته. فأفحموا لذلك.

و "حقيقة الأمر " أن من أظهر منكرا في دار الإسلام لم يُقر على ذلك، فمن دعا إلى بدعة وأظهرها لم يقر، ولا يقر من أظهر الفجور، وكذلك أهل الذمة لا يُقرون على إظهار منكرات دينهم، ومن سواهم فإن كان مسلما أخذ بواجبات الإسلام وترك محرَّماته، وإن لم يكن مسلما ولا ذمِّيا فهو إما مرتد وإما مشرك وإما زنديق ظاهر الزندقة.


ذم المبتدعة

وذكرت ذم "المبتدعة " فقلت روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته (إن أصدق الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).

وفي السنن عن العرباض بن سارية قال: خطبَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خطبةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: (أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وفي رواية: (وكل ضلالة في النار).

• البدعة شر من المعصية

فقال لي: البدعة مثل الزنا، وروى حديثا في ذم الزنا، فقلت هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والزنا معصية والبدعة شر من المعصية، كما قال سفيان الثوري: البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يُتاب منها والبدعة لا يتاب منها.

وكان قد قال بعضهم: نحن نتوِّب الناس، فقلت: مماذا تتوبونهم؟ قال: من قطع الطريق والسرقة ونحو ذلك. فقلت: حالهم قبل تتويبكم خيرٌ من حالهم بعد تتويبكم؛ فإنهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هم عليه، ويرجون رحمة الله، ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة، فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبِّون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله، وبيَّنت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي.

قلت مخاطبا للأمير والحاضرين: أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب أن رجلا كان يُدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان يُضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان كلما أتي به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جلده الحد، فلعنه رجل مرة.

وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله).

قلت: فهذا رجلٌ كثير الشرب للخمر، ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه.

وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما - دخل حديث بعضهم في بعض - أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقسم، فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)... فلما ظهر قبح البدع في الإسلام وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنهم مبتدعون بدعا منكرة فيكون حالهم أسوأ من حال الزاني والسارق وشارب الخمر، أخذ شيخهم عبد الله يقول: يا مولانا لا تتعرَّض لهذا الجناب العزيز - يعني أتباع أحمد بن الرفاعي - فقلت منكرا بكلام غليظ: ويحك؛ أي شيء هو الجناب العزيز وجناب من خالفه أولى بالعز يا ذو الزرجنة تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله، فقال: يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم فقلت: مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم، وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم، ويقول أصحابهم إن لهم سرا مع الله فنصر الله وأعان عليهم. وكان الأمراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسَّره الله في أمر غزو الرافضة بالجبل.

وقلت لهم: يا شبه الرافضة يا بيت الكذب.. وقلت لهم: أنا كافر بكم وبأحوالكم { فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود: 55].

ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة، أخذوا يطلبون مني كتبا صحيحة ليهتدوا بها فبذلت لهم ذلك، وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضُربت عنقه، وأعاد الأمير هذا الكلام واستقر الكلام على ذلك. والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً