بسم الله الرحمن الرحيم *خطبة التشاؤم والتفاؤل* شهر صفر. جمع وإعداد منصور علي عبد السلام ...

منذ 2025-07-30
بسم الله الرحمن الرحيم

*خطبة التشاؤم والتفاؤل* شهر صفر.

جمع وإعداد منصور علي عبد السلام محمد وفقه الله وإياكم لصالح الأعمال وتقبل منه ومنكم.


الحمد لله رب العالمين القائل: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} الأنعام 17

يا رب لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد على كل حال.

لك الحمد ربي على كل نعمة ومن جُمْلة النعماء قولي لك الحمد
فلا حمد إلا منك تعاليت منة سبحانك لا يقوى على حمدك العبد

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، شهادة أبدية سرمدية ندخرها إلى يوم أن نلقاه:
ربــــــــّــاه
‏يا مـن تـرى حـال الـبـلاد وتعلمُ وبحـولك تُجْـلِي الـبـلاء الأعـظمُ

الْطُـفْ بنا يا رب وارْحَمْ ضَعْفَنَا من ذا سـواك بكل ضعف يرحمُ

وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وخليلنا وشفيعنا وقدوتنا وأسوتنا محمداً عبدُ الله ورسوله وصفيه من خير خلقه وخليله القائل صلوات الله وسلامه عليه: ((لا عدوى ولا صَفَر ولا هامَة)).

ألا يا مُحِبَّ المصطفى زِدْ صَبَابَةً‬‬‬‬‬‬‬ وَضَمِّخْ لسانَ الذكرِ منكَ بِطِيبِهِ
ولا تَعْبــَــــــأَنَّ بالمُبْطلين فإنَّما علامـــــــةُ حُبِّ اللهِ حُبُّ حَبِيبِهِ

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا وخليلنا وشفيعنا وعظيمنا محمدٍ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين.

وصيتي لنفسي وإياكم بتقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر 18.

فاتقوا الله وخافوه وراقبوه، ولْنَعْلمْ جميعاً علم يقين أننا جميعا ومن دون استثناء يوماً ما بين يدي ربنا موقوفون، وعلى أعمالنا محاسبون، وعلى تفريطنا نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

أما بعد:
أيها الإخوة الأعزاء فلأننا دخلنا في شهر من شهور الله عز وجل وهو شهر صفر الخير، ولأن البعض ربما يتشاءم من شهر صفر ويعتبره شهراً غير سعيد، أو يعتبره شهرَ نحس، ولأجل هذا فعنوان موضوعنا في هذا اليوم المبارك هو:
التفاؤل والتشاؤم.

ونقاط خطبة هذا اليوم:
أولاً: معنى التفاؤل والتشاؤم.

ثانياً: التشاؤم ينافي التوكل.

ثالثاً: الطِّيَرَة والتشاؤم في القرآن الكريم.

رابعاً: أصحاب الخُلق العالي ليسوا من أهل التشاؤم.

خامساً: بين التشاؤم والتفاؤل في الأسماء واللغات.

سادساً: لا تعادوا الدهر فيعاديكم.

سابعاً: من أنواع التشاؤم.

ثامناً: من هو المشئوم؟


*أولاً: معنى التفاؤل والتشاؤم* :
التفاؤل : مشتق من الفأل ، وهو كلمة خير ، قال في القاموس المحيط : (( الفَأْل : ضد الطِّــيَرَة , كأن يسمع مريضاً فيقول له : يا سالم ، تفاؤلاً بأن الله سيخرجه من مرضه سليما مُعافى )) والتشاؤم : كما ذكر في القاموس : (( ضد اليُمْنِ )) ( 1 ) والتشاؤم: بالمعنى العامِّي المتبادَر بين الناس ؛ هو عندما نرى إنسانا مثلا فنقول عنه : بأنه دَبُور، أو عندما نقول : بأن المطر امتنع من النزول لأنَّ فلانًا موجود في البلاد ، أو عندما تجد شخصًا في صباح يومِك فإنْ نَقَصَ رزقُكَ في تلك اليوم تقول : لقد نقص رزقي لأنني وجدتُ فلانا في صباح هذه اليوم ، ويقول عنه بعض العوام بأنه شقيٌّ ودَبُور؛ لأنه نغَّصَ عليهم سعادتهم في تلك اليوم كما يعتقدون، وغير ذلك مما سنذكره في هذا الموضوع اليسير، فما هو حكم الشَّرع في التفاؤل وفي التشاؤم؟
التفاؤل دائما هو تعويد اللسان على النطق بالخير، وهو كذلك الأمل بالحصول على الخير في المستقبل، والأمل بأن الحال سيجعله الله إلى الأحسن.

فالتفاؤل محبوب طبعاً وشرعاً فقد روى الإمام البخاري ومسلم من حديث عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ، الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ "
وفي رواية: قالوا: وما الفأل؟ قال: ((«الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ»)).

أما التشاؤم فهو النظرة السوداوية إلى الناس من حولك وإلى مستقبلك وإلى نفْسك، وهو الخُلُق السَّيِّئُ الذي يجعلك تعتقد أنَّ فلانا كان سببا في نقْص رِزْقِك، أو أنه سبب في تعاستك وغير ذلك مما سيذكر، ولأجل هذا فالتشاؤم غير مرغوب طبعاً وشرعاً.


*ثانياً: التشاؤم ينافي التوكل:*

إن المتشائم غير متوكل على الله، وغير واثق بالله جلَّ وعلا فهو يعتقد أن الشخص النَّحْسَ هو الذي يُنْقِص رزقه، وقد يترك عملا تشاؤما بمن يعتقد بأنه النَّحْس.

ولهذا جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في حديثٍ ذكر فيه عَرْضِ الأُمَم على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب)) فاختلف الصحابة في هؤلاء السبعين ألفاً مَنْ هم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((هم الذين لا يَرْقُون ولا يَسْتَرْقون ولا يَتَطَيَّرون وعلى ربهم يتوكلون))، والشاهد من الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((ولا يتطيرون)) والتَّطَيُّر: هو التشاؤم، فالمتشائم لا يُعتبر متوكلا على الله لا من قريب ولا من بعيد.


*ثالثاً: الطِّيَرَةُ والتشاؤم في القرآن الكريم:*

أيها الإخوة المؤمنون.
إننا عندما ننظر في القرآن الكريم فإنَّ الله سبحانه وتعالى يذكر لنا بأنَّ الذين يتشاءمون هم الكفار، ولم يذكر الله في أي موضع من كتابه أن المؤمن بالله متشائم، فقد قال الله عن فرعون وقومه في سورة الأعراف حينما تشاءموا مِنْ موسى ومَنْ معه: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} الأعراف 131.
أي عندما تأتيهم النِّعم يقولون: لنا هذه، أي نحن نَسْتَحِقُّها، أما حينما تنزل بهم المصائب أو نقْص الرزق يطَّيروا بموسى ومن معه، أي: يعتبرون موسى ومن معه مناحيس لأنهم تسببوا لهم في هذه المصيبة عليهم.
يقول الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية من سورة الأعراف:
يطَّيروا بموسى" أي يتشاءمون به.

والأصل في هذا مِن الطِّيَرَة وزجْر الطَّيْر، ثم كَثُرَ استعمالهم حتى قيل لكل من تشاءم: تطَيَّر. وكانت العرب تتفاءل بالسانح: وهو الذي يأتي من ناحية اليمين. وتتشاءم بالبارح، وهو الذي يأتي من ناحية الشمال. وكانوا يتطيرون ويتشاءمون أيضاً بصوت الغراب، ويقولون بأنه يعني به الفِراق " كحال من يسمع عُواء الكلاب فيفزع ويقول: بأنها تنذر بموت أحدٍ من الناس "
وَكَانُوا يَسْتَدِلُّونَ بِمُجَاوَبَاتِ الطُّيُورِ بَعْضِهَا بَعْضًا عَلَى أُمُورٍ، وَبِأَصْوَاتِهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهَا الْمَعْهُودَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.

وكان التشاؤم حتى عند الأعاجم من غير العرب فقد كانوا يتشاءمون إذا رأوا صبيا يذهب به إلى العلم بِالْغَدَاةِ، وَيَتَيَمَّنُونَ بِرُؤْيَةِ صَبِيٍّ يَرْجِعُ مِنْ عِنْدِ الْمُعَلِّمِ إِلَى بَيْتِهِ، وَيَتَشَاءَمُونَ بِرُؤْيَةِ السَّقَّاءِ عَلَى ظَهْرِهِ قِرْبَةٌ مَمْلُوءَةٌ مَشْدُودَةٌ، وَيَتَيَمَّنُونَ بِرُؤْيَةِ فَارِغِ السِّقاء مفتوحة، ومتشائمون بِالْحَمَّالِ الْمُثْقَلِ بِالْحِمْلِ، وَالدَّابَّةِ الْمُوقَرَةِ «وَيَتَيَمَّنُونَ بِالْحَمَّالِ الذي وضع جمله، وَبِالدَّابَّةِ يُحَطُّ عَنْهَا ثِقْلُهَا.

فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّطَيُّرِ وَالتَّشَاؤُمِ بِمَا يُسْمَعُ مِنْ صَوْتِ طَائِرٍ مَا كَانَ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مُكُنَاتِهَا). وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَتَى الطَّيْرَ فِي وَكْرِهَا فَنَفَّرَهَا، فَإِذَا أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ مَضَى لِحَاجَتِهِ، وَهَذَا هُوَ السَّانِحُ عِنْدَهُمْ. وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، وَهَذَا هُوَ الْبَارِحُ عِنْدَهُمْ، أي النحْس عندهم، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا بقوله: (أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مُكُنَاتِهَا).

ومع ذلك كان أيضاً من العرب مِمَّن لهم أخلاق عالية مَن لا يرى التَّطير شيئاً، ويمدحون من كذَّب به. قال المرقش:
ولقد غدوتُ وكنتُ لا أغدو على واقٍ وحاتمْ
فإذا الأشــــائِمُ كالأَيَا مِنِ والأيامــــنُ كالأشائمْ

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَرَّ طَائِرٌ يَصِيحُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: خَيْرٌ، خَيْرٌ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا عِنْدَ هَذَا لَا خَيْرَ وَلَا شَرَّ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَأَمَّا أَقْوَالُ الطَّيْرِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا يُجْعَلُ دَلَالَةً عَلَيْهِ، وَلَا لَهَا عِلْمٌ بِكَائِنٍ فَضْلًا عَنْ مُسْتَقْبَلٍ فَتُخْبِرُ بِهِ، وَلَا فِي النَّاسِ مَنْ يَعْلَمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، إِلَّا مَا كَانَ الله تعال خَصَّ بِهِ سُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، فَالْتَحَقَ التَّطَيُّرُ بِجُمْلَةِ الْبَاطِلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَحَلَّمَ أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ رَدَّهُ عَنْ سَفَرِهِ تَطَيُّرٌ).
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: (إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ). ثُمَّ يَذْهَبُ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَكْفِيهِ مَا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُهِمُّهُ.
وفي نهاية الآية "ولكن أكثرهم لا يعلمون" أي: لا يعلمون أنَّ ما لحقهم من القحط والشدائد إنما هو من عند الله عز وجل بذنوبهم لا من عند موسى وقومه.

وكذلك قال الله تعالى عن ثمود الذين تشاءموا بالنبي صالح ومَنْ معه فقال في سورة النمل: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} النمل 47.

يقول الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية:
قوله تعالى: " اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ " أي تشاءمنا. والشُّؤم النحس. ولا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطِّيرة والتشاؤم. ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيق غراب أو عُواء كلب يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل.
وقال الشاعر:
طِيْرَةُ الدَّهر لا تَرُدُّ قضاءً فاعْذُرِ الدهرَ لا تَشَبَّهْ بِلَوْمْ
أيَّ يومٍ يَخُصُّــــــهُ بِسُعُودٍ والمنايا يَنْزِلْنَ في كل يومْ
ليس يوم وفيه ســـــــــعـودٌ ونُحُوسٌ تجري لِقَوْمٍ فَقَومْ

وردَّ عليهم النبي صالح عليه السلام: " قال طائركم عند الله " أي مصائبكم. " بل أنتم قوم تفتنون " أي تُمْتَحنون. وقيل: تعذبون بذنوبكم.

وقال عن الذين تشاءموا بالدُّعاة إلى الله في قصة أصحاب القرية في سورة يس 18 {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} يس18.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات، فاستغفروه ثم توبوا إليه، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.


*الخطبة الثانية*
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدُ اللهِ ورسولُه.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وصيتي لنفسي وإياكم يا عبادَ الله بتقوى الله وطاعته، فاتقوا الله وخافوه راقبوه.
أما بعد فلا زلنا مع موضوع التفاؤل والتشاؤم:
ورابع نقطة في هذه الخطبة هي:

*أصحاب الخُلق العالي ليسوا من أهل التشاؤم.*

أيها الإخوة المؤمنون:
إن صاحب الخلق العالي والنفس التقية النقية ليس متشائما، فهذا المقنع الكندي ذكَر جُمْلَة من الأخلاق التي يتميز بها فقال:

ﻳُﻌَﺎﺗِﺒُﻨِﻲ ﻓﻲ اﻟﺪَّﻳﻦ ﻗﻮﻣـــﻲ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺩُﻳُﻮﻧِﻲ ﻓﻲ ﺃﺷﻴﺎءَ ﺗُﻜْﺴِﺒُﻬُﻢُ ﺣَﻤْــــــﺪا
ﺃَﺳُـــﺪُّ ﺑﻪِ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺃَﺧَﻠُّــﻮا ﻭﺿَﻴَّﻌُﻮا ﺛُﻐُﻮﺭَ ﺣُﻘُﻮﻕٍ ﻣﺎ ﺃﻃﺎﻗُﻮا ﻟﻬﺎ ﺳَــــــﺪّا
ﻭﺇﻥَّ اﻟَّﺬﻱ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦَ ﺑَﻨِﻲ ﺃَﺑِــــﻲ ﻭﺑَﻴْﻦَ ﺑَﻨِﻲ ﻋَمِّي ﻟَﻤُﺨْﺘَﻠِﻒٌ ﺟِـــــــــــﺪّا
ﺃﺭاﻫُﻢْ ﺇﻟﻰ ﻧَﺼْﺮِﻱ ﺑِﻄَﺎءً ﻭﺇﻥْ ﻫُﻢُ ﺩَﻋَﻮْﻧِﻲ ﺇﻟﻰ ﻧَﺼْــــﺮٍ ﺃَﺗَﻴْﺘُﻬُﻢْ ﺷَــــــﺪّا
ﻓﺈﻥْ ﻳَﺄﻛُﻠُﻮا ﻟَﺤْﻤِﻲ ﻭَﻓَﺮْﺕُ ﻟُﺤُﻮﻣَﻬُﻢْ ﻭﺇﻥْ ﻳَﻬْﺪِﻣُﻮا ﻣَﺠْﺪِﻱ ﺑَﻨَﻴْﺖُ ﻟﻬﻢْ ﻣَﺠْـﺪا
ﻭﺇﻥْ ﺯَﺟَﺮُﻭا ﻃَﻴْﺮًا بِنَحْسٍ ﺗَﻤُﺮُّ ﺑِﻲ ﺯَﺟَﺮْﺕُ ﻟﻬﻢْ ﻃَﻴْﺮًا ﺗَﻤُﺮُّ ﺑِﻬِﻢْ ﺳُﻌْـــــﺪا
ﻭﻻ ﺃﺣﻤﻞُ اﻟﺤِﻘْــــــﺪَ اﻟﻘﺪﻳﻢَ ﻋﻠﻴﻬﻢُ ﻭﻟﻴﺲ ﺭﺋﻴﺲُ اﻟﻘﻮﻡِ ﻣَﻦْ ﻳَﺤْﻤِﻞُ اﻟﺤِﻘْﺪا

والشاهد من ذلك قوله :
ﻭﺇﻥْ ﺯَﺟَﺮُﻭا ﻃَﻴْﺮًا بِنَحْسٍ ﺗَﻤُﺮُّ ﺑِﻲ ﺯَﺟَﺮْﺕُ ﻟﻬﻢْ ﻃَﻴْﺮًا ﺗَﻤُﺮُّ ﺑِﻬِﻢْ ﺳُﻌْـــــﺪا

أي: لو اعتقدوا أنني منحوس بسبب مرور طير بي فأنا أنظر إليهم بمنظور طير السُّعد لا طير النحس.


*خامساً: بين التشاؤم والتفاؤل في الأسماء والمواضع.*

كان عليه الصلاة والسلام يحب الأسماء الحسنة ويُغَيِّر الأسماء غير الحسنة، وكان يحب الفأل ويتفاءل بالأشياء الحسنة، فقد قال لهم في الحُديبية حين أرسلت لهم قريش سهيل بن عمرو: ((لقد سَهُلَ لكم من أمركم)) تفاؤلا باسم سُهيل، و((ندب جماعة ليحلبوا شاة فقام رجل ليحلبها، فقال له: ما اسمك؟ قال: مُرَّة، قال: اجلس، فقام آخر، فقال " ما اسمك؟ قال: حَرْب، فقال: اجلس، فقام آخر، فقال: ما اسمك؟ فقال: يعيش، فقال: احْلُبْهَا))، وَمَرَّ عليه الصلاة والسلام بين جبلين فسأل عن اسميهما، فقالوا: فاضحٌ ومُخْزٍ.. فعدَل عنهما، أي مضى من طريق آخر غير الجبلين.
وكراهته عليه الصلاة والسلام للأسماء الخبيثة ليس من باب التشاؤم ولكن من باب التشريع للأمة بأن تنتقي الأسماء الحسنة.


*سادساً: لا تعادوا الدهر فيعاديكم.*
يتشاءم البعض من شهر صفر أومن يوم الأربعاء أو غير ذلك فهذا في حقيقته قد نقضه وأبطله الشرع، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((لا عدوى ولا طِيَرَة ويعجبني الْفَأْل) قالوا: وما الفأل؟ قال: ((كلمة طيبة)) رواه البخاري ومسلم عن أنس، ولهذا مَن كان متشائما مما حوله عاد ذلك بالضرر إليه وحده ولهذا: لا تعادوا الدهر فيعاديكم.
ذكر الإمام السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء أنه في سنة ثلاث وعشرين ومائتين غزا المعتصم الروم، فهزمهم هزيمة عظيمة لم يُسمع بمثلها لخليفة، وشَتَّتَ جُمُوعهم، وفتح عَمُّورية، وقد كان لمَّا تَجَهَّز لغزوها حَكَمَ المُنَجِّمُون أنَّ ذلك طالِعٌ نَحْسٌ، وأنه لو خرج سيُهزم، ولكن الله نصره وخاب المنجمون ولم يخْف نصره على أحد، وقال في ذلك أبو تمام قصيدته المشهورة ومنها:
السيفُ أَصْـــــــدَقُ أَنْبَاءٍ مِنَ الْكُتُبِ في حَدِّهِ الحَدُّ بين الجِــــــدِّ واللعبِ
والْعِلْمُ في شُهُبِ الأرْمَـــــاحِ لامِعَةٌ بين الخَمِيسَينِ لا في السبعة الشهبِ
أيْنَ الرِّوَايَةُ؟ أَمْ أيْنَ النُّجُـــومُ؟ وما صَاغُوهُ مِنْ زُخْرِفٍ فيها ومِنْ كَذِبِ (3)


**(سابعاً): من أنواع التشاؤم:*
*أ: - التشاؤم من النفس:**

من ينظر إلى نفسه نظرة كارهٍ لنفسه تراه لا يُبدع شيئا وتراه منطويا أو منعزلا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم خَبُثَتْ نفسي)) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وفي حديث آخر: ((لا يحقرن أحدكم نفسه)) رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري.
وكما يقول الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله: إن أضر الأضرار التي يمكن أن تصيب الشخص هو اعتقاده السيئ بنفسه، ويقول نقلا عن أحدهم: (لكي تكون بطلا يجب أولا أن تؤمن وتعتقد أنك الأحسن، وإذا لم تكن الأحسن فتظاهرْ وتصرَّف كأنك الأحسن.)


*ب: - التشاؤم ممن حولك:*
قد يكون عندك نظرة سيئة إلى كل الذين من حولك، مما يخلق بينك وبينهم عداء وعقدة نفسية تتراكم عليك، وهذا مما نهى عنه الشرع لأنه يسلب حق الأخوة من المجتمعات، بل الأصل أن تنظر إلى المجتمعات المسلمة نظرة شفقة وحنان وحب، وإياك أن تكون ممن أشغل نفسه بعيوب الخلق فصار يحاكمهم وكأنه خالقهم، ومن قال: هلك الناس فهو أهلكهم. وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ").


*جـ: - التشاؤم من المستقبل:*
هناك من ينظر إلى مستقبله نظرة تشاؤم , فيصير بسبب هذه النظرة التشاؤمية معقدا في نفسه , ولو أنه كان عنده إيمان بالله عز وجل لعلم أن هذه النظرة السيئة للمستقبل ليست إلا من قبيل الشيطان فقد جاء في الحديث : ((إن للشيطان لَمَّة بابن آدم، وللملَك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق , وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق , فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله , فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان )) ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268 رواه الترمذي والنسائي عن عبدالله بن مسعود.

*
*ثامناً: من هو المشؤوم؟**
أيها الإخوة المؤمنون:
من هو المشؤوم الحقيقي؟
المشؤوم الحقيقي هو من عصى الله فهو المشؤوم، قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} الواقعة 9.
وصَدَقَ الإمام علي كرَّم الله وجهَه حين قال: (وكلُّ يومٍ نُطيع الله فيه فهولنا عيد) فالشُّؤْمُ الحقيقي هو حين نبتعد عن منهج الله.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه عموما بقول الله عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صَلُّوا عليه وسلموا تسليما}.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك سيدنا ونبيِّنا وحبيبنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
الدعاء ...
المراجع:
القرآن الكريم
بعض كتب الحديث الشريف. وكتاب من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لطه عفيفي.
(1) القاموس المحيط للفيروز أبادي بتصرف.
(2) تفسير القرطبي المجلد 4 عند تفسيره في سورة الأعراف والمجلد 7 في تفسير سورة النمل.
(3) تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي.

682cd3fb01f1d

  • 2
  • 0
  • 81

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً