وبشِّر الصابرين (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ...
منذ يوم
وبشِّر الصابرين
(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرا له) [صحيح مسلم].
إن الله يبتلي العبد ليحط عنه من ذنوبه، ويكفر عنه من سيئاته، وإن الرجل ليبتلى بقدر إيمانه ومنزلته عند الله ومكانه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فمن كان إيمانه قويا اشتد بلاؤه وعظم، ومن كان إيمانه رقيقا خفف الله عنه البلاء ورَحِم، وإن للمحن أشكالا، وللبلاء ألوانا، فقد يبتلى الرجل في النفس أو المال، أو الأهل أو العيال، {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
ولما كان الصحابة أصلب الناس بعد الأنبياء إيمانا، وأصدقهم إسرارا وإعلانا، كان البلاء ولا بدَّ مصيبهم، فوقع بهم ونالوا منه نصيبهم، إذ كان لهم من العذاب أنكاه، ومن التنكيل أعظمه وأقواه، فعن خباب بن الأرت أنه قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسدٌ بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضع على رأسه، فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمْشَط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون [رواه البخاري].
ويمر الصحابة -رضوان الله عليهم- بأم عمار زوج ياسر، يسومها المشركون من العذاب ألوانا، فلا يرفعون الظلم عنها لاستضعافهم ولا يكفون عدوانا، ويمر النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- بعمار وأمه وأبيه وقد أُلبسوا في رمضاء مكة دروع الحديد، فيقول: (صبرا آل ياسر، إن موعدكم الجنة) ولا يزيد] سيرة ابن هشام[، وصَبَرَ الصحابة على أذى المشركين حتى ماتوا على دينهم كراما، فكانوا شامة على جبين الصبر وعلى صدر العز وساما.
فيا من عظم عليه البلاء، واشتدت به المحنة واللأواء، وأوصدت دونه الأبواب، وتقطعت به الأسباب، ودخل اليأس إلى قلبه فارتاب، قارن حالك بحالهم، وليكن مآلك كمآلهم، فإن صبرت جزاك الله عظيم الأجر والثواب، وإن نكصت فما لك إلا الخزي والعذاب.
أتنظر إلى هالة الكفار فتهولك؟ {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 13]، أتذوق من بأسهم فتبتئس؟ {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، أم طالك جَهدهم فأجْهَدَك؟ {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]. فحافظ يا طالب الخير على الثبات تسلم، وتسلَّح بالصبر تُفلح وتغنم، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60].
صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 هـ
(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرا له) [صحيح مسلم].
إن الله يبتلي العبد ليحط عنه من ذنوبه، ويكفر عنه من سيئاته، وإن الرجل ليبتلى بقدر إيمانه ومنزلته عند الله ومكانه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فمن كان إيمانه قويا اشتد بلاؤه وعظم، ومن كان إيمانه رقيقا خفف الله عنه البلاء ورَحِم، وإن للمحن أشكالا، وللبلاء ألوانا، فقد يبتلى الرجل في النفس أو المال، أو الأهل أو العيال، {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
ولما كان الصحابة أصلب الناس بعد الأنبياء إيمانا، وأصدقهم إسرارا وإعلانا، كان البلاء ولا بدَّ مصيبهم، فوقع بهم ونالوا منه نصيبهم، إذ كان لهم من العذاب أنكاه، ومن التنكيل أعظمه وأقواه، فعن خباب بن الأرت أنه قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسدٌ بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضع على رأسه، فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمْشَط بأمشاط الحديد، ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون [رواه البخاري].
ويمر الصحابة -رضوان الله عليهم- بأم عمار زوج ياسر، يسومها المشركون من العذاب ألوانا، فلا يرفعون الظلم عنها لاستضعافهم ولا يكفون عدوانا، ويمر النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- بعمار وأمه وأبيه وقد أُلبسوا في رمضاء مكة دروع الحديد، فيقول: (صبرا آل ياسر، إن موعدكم الجنة) ولا يزيد] سيرة ابن هشام[، وصَبَرَ الصحابة على أذى المشركين حتى ماتوا على دينهم كراما، فكانوا شامة على جبين الصبر وعلى صدر العز وساما.
فيا من عظم عليه البلاء، واشتدت به المحنة واللأواء، وأوصدت دونه الأبواب، وتقطعت به الأسباب، ودخل اليأس إلى قلبه فارتاب، قارن حالك بحالهم، وليكن مآلك كمآلهم، فإن صبرت جزاك الله عظيم الأجر والثواب، وإن نكصت فما لك إلا الخزي والعذاب.
أتنظر إلى هالة الكفار فتهولك؟ {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 13]، أتذوق من بأسهم فتبتئس؟ {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، أم طالك جَهدهم فأجْهَدَك؟ {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6]. فحافظ يا طالب الخير على الثبات تسلم، وتسلَّح بالصبر تُفلح وتغنم، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60].
صحيفة النبأ - العدد 112
الخميس 10 ربيع الثاني 1439 هـ