وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (6) تكلمنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة -بفضل الله- عن منهج ...

منذ 2025-08-05
وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (6)

تكلمنا في الحلقات السابقة من هذه السلسلة -بفضل الله- عن منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أخبار الغيب، وبيَّنَّا وجوب الإيمان بما صحَّ نسبته منها إلى الوحي، وأوردنا أمثلة عن تعامل الأنبياء ومن سار على هداهم مع هذه الأخبار.

واليوم نركز في بحثنا على واحدة من أهم المسائل التي زلَّت فيها الأقدام في هذا الباب، وهي مسألة خروج المهدي من آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر الزمان، والفتن التي حلت بالناس بسببها طيلة القرون الماضية.


• يُضلُّ به كثيرا ويهدي به كثيرا

فقد انقسم الناس في موقفهم من هذه القضية طوائف شتَّى، بين منكرين لهذه الأخبار بالكلية، وغلاة فيها، بنَوا عليها أديانا وأحكاما تُخرج من أخذ بها من دين الإسلام، وضالِّين في تأويلها يُسقطونها بشكل خاطئ على واقعهم، وبين مؤمنين بها الإيمان الصحيح الذي أمر به الله -عز وجل- ورسوله الكريم، وعمل به سلف هذه الأمة من أهل القرون المفضَّلة.

فأما الطائفة الأولى، وهم المنكرون لأخبار المهدي بالكلية، المكذِّبون بأنها جاءت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهم في الغالب من "الأهوائيِّين" الذين يطلق عليهم في زماننا خطأً وصف "العقلانيِّين"، فهؤلاء يردُّون كل الأخبار التي جاءت في المهدي، في إطار ردِّهم لأكثر أنباء الغيب التي أخبرت عن أحداث آخر الزمان، فمنهجهم الباطل يقوم على عرض كل النصوص على أهوائهم، فما وافقها صحَّحوه ولو كان ساقط السند والمتن، وما خالفها ردُّوه وإن أجمع أهل السنة على صحته، وما عجزوا عن إنكاره تأوَّلوه بمعنى يخرجه عن حقيقته، أو نفوا أنه يفيد العلم إن لم يكن متواترا، بناء على قاعدتهم الباطلة في هذا الباب.

وزعم بعضهم أن هذه الأحاديث هي من وضع الرافضة الذين غلَوا في هذا الباب حتى جعلوه من ضروريات دينهم، التي يكفر منكرها، وجازف آخرون بالقول بتضعيف كل الأحاديث الواردة في هذا الباب، والكذب على أئمة أهل السنة بنسبة هذا القول الباطل إليهم، ومنهم من أشغل نفسه بضرب هذه الأحاديث ببعضها، بل بضرب الضعيف منها بالصحيح، أملا في أن يضعف متنه، ومنهم من أنكر وجود المهدي كشخص مستقل بهذا الاسم أو الوصف، زاعما أن المقصود بهذا الوصف هو عيسى ابن مريم -عليه السلام- حين نزوله آخر الزمان.


• إيراد أئمة أهل السنة لأحاديث المهدي في كتبهم

أما من زعم أن أحاديث المهدي هي من وضع الرافضة، أو أنها من أحاديثهم، فهذا مردود عليه، بأن هذه الأخبار منثورة في كتب السنة ودواوينها، بل أفرد لها أئمة أهل السنة في أسفارهم كتبا وأبوابا، وترجموا لهذه الأحاديث بما يقطع بأنهم يرَون بأن الأخبار التي أوردوها إنما تشير إلى المهدي المعروف في أخبار الساعة.

ففي سنن الترمذي (باب ما جاء في المهدي)، وفي سنن ابن ماجه (باب خروج المهدي)، وفي سنن أبي داود (كتاب المهدي)، وأفرد ابن حبان عدة أبواب من صحيحه للأخبار الواردة في المهدي مترجما لكل منها على حدة، وكذلك البغوي في شرحه للسنة (باب المهدي).

فهذا ما يخص بعض ما رواه أئمة أهل السنة في هذا الباب، وما هو عند غيرهم كثير، مما يصعب استقصاؤه وحصره.


• تصحيح علماء أهل السنة لبعض أحاديث المهدي

رغم أن البخاري ومسلم لم يخرجا أيّاً من الأحاديث التي تنص على اسم المهدي في صحيحيهما، فهذا لا يعني بحال تضعيف أو تكذيب هذه الأحاديث كما قال بعض من ضلَّ في هذا الباب، فإنه لا يشترط لصحة الحديث أن يروِيَه الشيخان، بل الصحاح خارج الصحيحين أكثر مما فيهما.

ولذلك فإن بعض الأحاديث التي عند غيرهما في هذا الباب حكم عليها علماء الحديث بالصحة، فقال الإمام أبو عيسى الترمذي -رحمه الله- عن بعض أحاديث المهدي التي أوردها في سننه أنه "حسن صحيح"، وكذلك فعل البزار في مسنده.

بل وجزم بعض العلماء أن الخبر بخروج المهدي بلغ حدَّ التواتر، كما في قول الإمام أبو الحسين الآبري -رحمه الله- وهو من أئمة الحديث: "قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رُواتها عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يعني في المهدي" [شرح السنة للبغوي]، وكذا قال السفاريني الحنبلي وهو من المتأخرين: "وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عدَّ من معتقداتهم" [لوامع الأنوار البهية]، أما الأخبار العديدة في أوصافه، وقصته، والأحداث المرافقة لها، فأمرها مختلف من حيث الثبوت.

68715fd0aeabb

  • 1
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً