العِلم بالله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد... فإن قلب التوحيد معرفة الله، ...

منذ يوم
العِلم بالله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد...

فإن قلب التوحيد معرفة الله، وهي كالأساس للعبادة، التي هي غاية خلق الإنس والجن.

ومعلوم أن التوحيد ثلاثة أركان: الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.

والربوبية والألوهية إنما يرسخهما في قلب المؤمن الأسماء والصفات، فإنك إن تعرفت على أسماء معبودك التي سمَّى بها نفسه، وصفاته التي وصف بها ذاته ازداد في قلبك:

1) اليقين بأحقية الله للعبادة.
2) وجوب توكيل تدبير الأمور إليه.
3) تعظيمه وإجلاله.
4) خوفه والوجل منه.
5) الخشوع له وعمل الصالحات حتى بلوغ الأجل.
6) الذل والتعظيم والمحبة لربك ومالكِ أمرك ونهيك.

وكلما تعرفت على الله زادت العبادة كما وكيفا، لأن الإنسان -بفطرته- إذا عرف الشيء مال نحوه.

فتوحيد الأسماء والصفات كالطاقة للموحد، ولذا فلا تخلو صفحة في القرآن من عدة أسماء وصفات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة لذلك".

قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، قال ابن جرير: "إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته: العلماءُ بقُدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك وأيقن بعقابه على معصيته فخافه ورهبه خشية منه أنه يعاقبه"، وقد ورد في حديث متفق عليه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعا وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة)، وإحصاؤها: حفظها، وتدبر معانيها واستحضارها وقيامها بقلبك، ودعاء الله بها.

ليس أنفع لقلب العبد يُصفيه ويهذبه ويصقله من معرفة إلهه وربه جل في علاه، وقد اختص الله ذاتَه بالأسماء الحسنى والصفات العلا {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، فهي أسماء حسنة في الأسماع، تدل على توحيد الله ورحمته وأفضاله، بل تدل على معاني الخير جميعا دون نقصان.

ومورد فهم أسماء الله وصفاته عند أهل السنة والجماعة مورد عذب صافٍ على منهج راسخ هذا ذكره:

1) إثبات الأسماء والصفات المذكورة في الكتاب وصحيح السنة.
2) فهمها وتصورها كما تصورها أعلم الخلق بربهم رسولُه، صلى الله عليه وسلم.
3) كان فهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته أن الله (ليس كمثله شيء) فلا مجال للعقل أن يفتح باب الخيال على مصراعيه، فإن العقل يتاح له التخيل في الأمور التي جربها وعرفها والله لا يشبه خلقه، وهنا يطرد من الإسلام من يتخيل أن الله يشبه خلقه!

(وهو السميع البصير) فمع أن الله لا يشبه خلقه إلا أنه سميع له سمع وبصير له بصر يليقان بذاته العظيمة -كما ورد في القرآن لا نزيد ولا ننقص- وهنا يُطرد من الإسلام من يدعي قوة تنزيهه لله عن مشابهة خلقه فلا يثبت له أي صفة أو اسم ثابت لخلقه، بمعنى أنه يقول أن الله لا يسمع لأنه ليس كمثله شيء، فكيف يشبه المخلوقين في السمع والبصر، وهذا لم يفرق بين المشاركة اللفظية والحقيقية، فإن الله متنزه عن مشابهة خلقه، وله سمع وبصر يليقان بذاته ولا يعلم أحد من الخلق كيفيتهما، فهذه المشابهة في اللفظ ليتعرف المخلوق على صفات خالقه من خلال دلالة اللفظ ولا تعني المطابقة والتشبيه، تعالى الله عن ذلك.

4) كان توجه فهم الصحابة للأسماء والصفات أن يتعرفوا على الله بها ثم يتعبدونه بها أيضا، فعلى ضوء اسمه الغفور يستغفرونه ويرجعون عن ذنوبهم، وعلى ضوء اسمه القوي يستمدون منه النصر في المعارك، وعلى ضوء اسمه الرزاق يطلبون منه الرزق، وعلى ضوء اسمه الرقيب يشعرون أن الله مطلع عليهم في كل وقت وعلى كل حال حتى في الليلة السوداء، في الحجرة الظلماء، في قعر العقلِ، وسر القلبِ... سبحانه لا شريك له، وعلى ضوء اسمه السميع فهم يدعونه ويلجؤون إليه في الرخاء قبل الشدة، وهم يناجونه آناء الليل وأطراف النهار ولسانهم رطب من ذكره وشكره وحمده وتسبيحه، وهم في كل اسم له يتعبدونه به، وفي هذا يتفاوت عباد الله وتظهر منزلة الشك من اليقين، ففرق بين من يوقن يقينا تاما أن الله مطلع عليه يراه ويسمعه، فهذا يندر أن يقع في معصية وبين من هو أقل يقينا من ذلك فهو يعصي تارة ويحجم تارة، فاليقين درجات والشك دركات، نعوذ بالله من الشك والنفاق.

فهذه قواعد مرقمة تنفعك يا أخَ الدين في معرفة ربك والتعبد بأسماءه وصفاته.يَجِلُّ عن التشبيه جل جلاله
ولا تَسْلَمُ الأعداءُ منه، ويسلمُ
ولا يُبرِمُ الأمر الذي هو حاللٌ
ولا يحلل الأمر الذي هو مبرمُ

ولابد للمؤمن حق الإيمان أن يكون ملجأَہ الوثيق وركنه الركين رب العزة، سبحانه وتعالى، على كل حالاته، فلو اغتنى أو افتقر فمن الغني غَنَاؤه، ولو عزَّ أو ذلَّ فبالعزيز اعتزازه، وإن فرح أو حزن فبرضى الله فرحه وسروره، وإن اشتدت عليه الأمور وضاقت السبل وانصكَّت في وجهه الأبواب فللرحيم القوي التجاؤه.

فهو يعبد الله على كل هيئة، ويستحضر اسمه المناسب لكل حال.

فتتجدد حياته وتُمد بالإيمان والنشاط في كل مناسبة وظرف. فوا فوزه ويا حظه، ذلك الذي أنعم المنعم عليه وجعله يتقلب بين أسمائه وصفاته يتعبده بها.

فبالله عزي واعتزازي وقوتي
ولله حبي ما بقي الدهر وانصرم
خوفا من الله حالي وقت عزي وقوتي
له الكل عُبَّاد صغير وذو الهَرم
أرجوه ذا العفو عفوا على حال زلتي
سبحانه يغفر الذنب ومنه المنتقَم

وسنذكر -بإذن الله- نُبَذاً عن أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 114
الخميس 24 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً