الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ مقال: رموز أم أوثان؟! (7) مانزال -يوما بعد يوم- نجد أهمية ...

منذ 22 ساعة
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ
مقال:

رموز أم أوثان؟! (7)


مانزال -يوما بعد يوم- نجد أهمية الكلام في تحذير المسلمين من اتباع الرجال على غير هدى، وتقديم أقوالهم أو أفعالهم على كلام الله ورسوله، وهدي السلف الصالح من هذه الأمة المرحومة بإجماعهم على الحق، وذلك لأن الفتنة بالرجال هي من أكبر الفتن في هذا الزمان، بل وفي كل زمان، أودت بخلق كثير من الناس إلى الشرك بالله العظيم، ورد ما أنزله الله من العلم والهدى ليخرج به أولياءه من الظلمات إلى النور، كما قال جل شأنه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257]، فهم يخرجون من الظلمات باتباعهم النور الذي دعا إليه أنبياء الله، عليهم السلام، أما الذين كفروا فإنهم يُدخلون أنفسهم إلى الظلمات باتباعهم ضلالات رؤسائهم وزعمائهم والمشاهير من الرجال، الذين يتخذونهم طواغيت يعبدونهم من دون الله، بطاعتهم في المعصية، واتباعهم على غير الهدى.
وإن من أخطر ما في هذه القضية، أن أهل الضلالة يجعلون من أفعال "الرموز" الذين يقدسونهم أدلَّة على صحة ما يفعلون، وشعارهم في ذلك أن لو كان في الأمر خطأ ما فعله "الرموز"، فهم في ظنهم الأعلمُ فلا يعتريهم جهل، والأهدى فلا تسري إليهم ضلالة، والأتقى فلا يعقل فيهم اتباع للهوى، وإنهم لا تزري بهم أفعالهم، بل هم يزكون الأفعال التي يقومون بها، فيمنحونها الشرعية، ويكسبونها باقترافهم لها الحكم بالصحة، والمقياس في ذلك كله كثرة المصفقين لهؤلاء "الرموز"، والهاتفين بأسمائهم، والمسبّحين لصفاتهم وأفعالهم، والذين مخالفتهم -عند الضالين- لا تقل بحال عن مخالفة إجماع الصحابة.

فتجد هؤلاء يردُّون الحق، لا جحدا له أحيانا، ولا تكذيبا لمن جاء به، وإنما لمجرد أن في اتباعه مفارقة لما عليه "الرموز" المعظمون، ولما في الإقرار به من طعن في من خالفه من "الرموز"، وهذا الأمر سنة جارية في أهل الضلال على مدى العصور، ولعله من أشد الأمور صدا عن طاعة الله واتباع الهدى، فقد واجهه أنبياء الله -تعالى- المؤيَّدون بوحيه مع أقوامهم، {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم: 10].

فالمشكلة الأكبر عند هؤلاء كانت في مخالفة الآباء، الذين هم "الرموز" المعظمون عندهم، وفي تلك المخالفة لهم عن ضلالهم إقرار بوقوع أولئك الآباء فيه، وطعن في دينهم، بل وحتى في عقولهم أحيانا، ولذلك فإن فِئاماً منهم كانوا مقرين بأن الحق هو غير ما كان عليه آباؤهم، ورغم ذلك أصروا على أن يبقوا على دينهم، كما في قصة الشيخ الضال أبي طالب، الذي مات وهو يردّد: "هو على ملَّة عبد المطلب"، مخافة أن يعيره أشياخ قريش بالرغوب عن تلك الملة الضالة المنحرفة.


• دين على مقاس "الرموز"

بل إننا نجد في زماننا هذا من يسكت عن بعض المنكرات، ويجهد نفسها في الدفاع عن فاعليها، وذلك كله مخافة أن يسألهم أتباعهم عن حكم من وقع فيها، فيضطرهم الأمر إلى أن يحكموا على مرتكبها بما يستحقه، أو يقعوا في التناقض بين ما يزعمون الإيمان به من الأحكام وبين تطبيقها على الأعيان، أو في التفريق -بغير علة شرعية- بين مرتكبي هذه المنكرات، كما يفعل الهالكون (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) [متفق عليه].
بل إن منهم من يشط في ضلاله بعيدا، فلا بأس عنده أن تصبح السرقة من المباحات، بل من الأعمال الصالحات، ولا بأس عنده أن يفتري في سبيل ذلك حتى على الأنبياء، عليهم السلام، فينسب إليهم ظلما فعل هذا المنكر، ليجعل لمن وقع في السرقة من "الرموز" الذين يقدسهم سلفا، ولا يستغرب أحد هذا الأمر، فقد فعلوا شرا من ذلك، إذ اتهموا -كاذبين- أحد الأنبياء، وهو يوسف ابن يعقوب -عليه السلام- بما هو أفحش من السرقة، وهو الشرك بالله، وموالاة الكافرين، ليبرروا ما فعلوه هم و"رموزهم" من شرك الديموقراطية، وموالاة الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله.

ومن فهم قولنا، أدرك حقيقة أن كثيرا من أهل الضلال اليوم يسكتون عن أعظم المنكرات، فيَوَد لو أن أحدا لا يسأل عن حكمها، أو يجهد نفسه في إعذار من فعلها بأعذار ما أنزل الله بها من سلطان، ليجعل دون "الرموز" الذين وقعوا فيها سدا وحصنا من الشروط -التي ليست في كتاب الله- لتنزيل الأحكام على أعيانهم، والموانع البدعية التي اخترعوها، ليمنعوا الحكم عليهم بما أنزل الله، وما قضية إعذار من فعل الشرك الأكبر بالجهل والتأويل والتقليد وغيرها من الأعذار -غير المعتبرة في هذا الباب- عنا ببعيد.• طاغوت مرتد.. ولا كرامة

ولنا اليوم في النزاع الحاصل حول طاغوت الإخوان المرتدين (أحمد ياسين) خير مثال؛ فالرجل رأس من رؤوس الكفر في فلسطين، خرج من الإسلام بنواقض عديدة، ليس أقلها انتماؤه إلى طائفة كفر وردة هم الإخوان المرتدون، ودعوته إليها، بل هو رأس من رؤوسها، وقد أقر على نفسه بقبوله بكفر الديموقراطية، وبرضاه عن مشاركة أتباعه فيها، بل وبأنه يريد "دولة ديموقراطية، السلطة فيها لمن يفوز في الانتخابات"، واحترامه إرادة من "يرفض إقامة دولة إسلامية"، فمن كان على حاله، أو قال بمقاله، فهو طاغوت مرتد، ولا كرامة لمن يعلن الرضا بحكم غير حكم الله ورسوله، كائنا من كان، كما قال ابن القيم، رحمه الله:

فَإِذا دعوك لغير حكمهمَا فَلَا
سمعا لداعي الكفر والعصيان
قل: لَا كَرَامَة، لَا، وَلَا نعما، وَلَا
طَوْعاً لمن يَدْعُو إلى طغيان

ولو أن رجلا من عوام الناس نطق بمثل ذلك الكفر، لما اختُلف في تكفيره كما نرى اليوم، ولكن لكونه "رمزا" مشهورا بين الناس، وخاصة بين طائفة كبيرة العدد هم الإخوان المرتدون، فإن من يتصدى لتكفيره سيعرض نفسه لردَّة فعل كثير من الطوائف التي لا تقبل بهذا الحكم فيه.

فمنهم الجهلة الذين لا تحتمل عقولهم السفيهة أن يكون رجل قاوم اليهود لعقود من الزمان يكفر بكلمة تخرج من فمه، وهذه من خزايا أهل التجهم والإرجاء الذين يخفون عن الناس حقيقة حبوط أعمال المشركين التي هي من أهم مسائل الإيمان وثوابت الاعتقاد، هذا عدا عن موانع التكفير الأخرى التي اخترعها الأبالسة وراجت بين السفهاء، كشيب لحيته، وانعدام حركته، وطول مدة سجنه.

ومنهم أنصاره وأتباعه، الذين لن يرضوا بتكفير "رمزهم"، وسيردون على من فعله باتهامه بأنه عميل لليهود، أو أنه يضعف صف المقاومين الذين يتبعون هذا "الرمز"، أو أنه بتكفيره لهذا الطاغوت يشق صف المسلمين، أخزى الله من غضِب لأمثاله... ومنهم... ومنهم...


• ظلمات بعضها فوق بعض

والمصيبة لا تقتصر على التوقف في الطاغوت (أحمد ياسين) وأمثاله، فالساكت عنه ينبغي عليه -وبلا شك- السكوت عن كل من فعل فعله من المشركين أو شابه حاله، لأنه مضطر أن يعدل بينهم في الحكم، فلا يقبل منه بحال أن يكفِّر من يعلن رضاه بالديموقراطية من قادة الصحوات في الشام، وهو يعذر من قال بذلك من طواغيت الإخوان، ولذلك لجأ بعضهم إلى حيلة أن يثبت الحكم بالتكفير ثم يمتنع عن إطلاقه على فاعله، بأن يجترح لهم عذرا عاما يبرؤهم جميعا به من هذا الوصف الذي استحقوه.

وليس فيما نقوله افتراء عليه، بل هو السبب الغالب في كثير من الحالات المشابهة، كقولهم بإعذار طواغيت البرلمانات بالتأويل، لأن ممن اقترف هذا الكفر "رموز" كبار لا يجرؤ أئمة الضلال على تحكيم شرع الله -تعالى- فيهم، بتكفيرهم، هم وعبَّادهم، من أمثال (حسن البنا) و(مصطفى السباعي) وغيرهم، فإذا وسعنا البحث في حكم من أباح لهم ولأمثالهم هذا الكفر، أو أعلن الرضا به، أو دعا إلى إعانتهم عليه، فإن قائمة "الرموز" المرتدين ستصبح أطول، وحشد من سترعد أنوفهم لأجلهم أكبر، ولذلك لم يكن عند أئمة الضلال إلا أن يعذروا من ترشح للبرلمانات بالتأويل، ليخرجوا "الرموز" المرتدين وأولياءهم من دائرة التكفير التي أحاطت بهم.

بل امتد إعذار بعض هؤلاء للطواغيت إلى استباحة ما فعلوه من كفر وشرك، تخلصا من التناقض بين ما يعتقدونه وبين ما يحكمون به، ولا زال من يقترفون هذا المنكر يستدلُّون على صحة فعلهم بفعل أسلافهم من "الرموز" الذين اتخذوهم جُنَّة يتصدون بها لإنكار كل منكِر عليهم، ممن ترعبه أسماء "الرموز"، ويحسب ألف حساب قبل أن يقول فيهم كلمة تسخط أتباعهم، وإن كانت من رضا رب العالمين.

إن المسلم الحق يجعل نصب عينيه قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، فلا يجد في نفسه حرجا من الحكم على الناس بما حكم الله -تعالى- فيهم، وإن خالف هواه، فإنه يسلِّم لحكم الله -تعالى- لا لحكم هواه، ليكون على مراد الله لا على مراد نفسه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 115
الخميس 1 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً