كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً الحمد لله، أما بعد: ها هو رمضـان قد مضى ورحل عنا، ذاك ...

منذ 2018-06-16
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً
الحمد لله، أما بعد:
ها هو رمضـان قد مضى ورحل عنا، ذاك الضيف المبارك، الذي بكت عيون العابدين وقلوبهم حزناً على فراقه.
لقد انتهى شهر الصيام، انتهى شهر القيام والقرآن، انتهى شهر البر والجود والإحسان، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر. فأسال الله تعالى أن يكون قد كتبنا عنده في هذا الشهر من الفائزين بمغفرته وعفوه ورضاه.
فمن كان يعبد الله في رمضان لأجل رمضان فإن رمضان قد انتهى وفات، ومن كان يعبد الله في رمضان لأجل الله فإن الله حي لا يمـوت، ولا تنقطع عبادته عن العبد إلا أن يموت.
فالله عز وجل ما خلقنا إلا لعبادته، حيث قال [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات 56).
فيا من تعبدت لله في رمضان بالكثير من الطاعات والعبادات، كن عبداً ربانياً لا ينقطع عن طاعة الله، ولو انقطعت مواسم الطاعات، كن عبداً ربانياً متصلاً بربك في رمضان وفي غير رمضان، ولا تقطعه الصلة التي وصلتها بربك في رمضان فيما بعد رمضان. وقد صدق من قال: ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً مع الصلاة: فإن الصلاة عبادة دائمة لا تنقطع ما دام قلبك ينبض وعقلك يميز، ولو تعطلت جميع جوارحك، فيا من لا تصلي إما أنك ميت وإما أنك مجنون. نعم أنت كذلك، لأن الله أمر بالصلاة وبالحفاظ عليها دائماً ليس في رمضان فقط، فقال [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ] (البقرة 238).
وشدد النكير وغلظ العقوبة لمن ضيع صلاة واحدة من الصلوات، فقال [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا] (مريم 59).
والغي كما قال المفسرون: نهر عظيم في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه. فيكون مسكناً لمن فرط في صلاة واحدة.
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً مع القرآن: فمن الناس من يقرأ القرآن كثيراً في رمضان فإذا انتهى رمضان انقطعت صلته بالقرآن، فالذي يهجر القرآن إنما قطع الصلة التي بينه وبين ربه، لأن القرآن حبل الله المتين طرفه بأيدينا وطرفه الأخر بيد الله، وهو كلام الله تعالى، وهو مراد الله في خلقه.
وقد أمر الله بقراءة القرآن قراءة مستمرة ولو بالقليل منه فقال [فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ] (المزمل 20). ولم يخص ذلك برمضان.
ورتب النبي صلى الله عليه وسلم الأجر والشفاعة على تلاوته المستمرة، فقال [اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ] (مسلم 804). والصحبة تدل على الملازمة.

الخطبة الثانية، الحمد لله وبعد:
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً مع الصدقات: فالغالب من الناس لا يعرفون باب الصدقات إلا في رمضان، والكثير من أصحاب الأموال يكدسون زكاة أموالهم ويخرجونها في رمضان حتى إذا انتهى رمضان لم يجد الفقير من يمد له يد العون فالكل أخرج زكاة ماله في رمضان والكل تصدق بما يحب في رمضان، ويظل الفقير في حاجته طوال العام، وكأنه لم يكن هناك صدقة إلا في رمضان.
والنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول [مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا] (البخاري 1442).
وهذا في كل يوم من أيام السنة وليس في رمضان وحده.
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً مع بر الوالدين وصلة الأرحام.
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً مع الإحسان للجيران والإحسان مع الناس، وحسن الأخلاق والوفاء بالعهود وإخلاص الصحبة.
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً.

59df34c2e3914

  • 1
  • 0
  • 8,514

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً