أخي المجاهد: سادات الناس في الدنيا الأسخياء أخي المجاهد، للسخاء معانٍ عظيمة حثَّ عليها الإسلام ...

منذ 2025-08-23
أخي المجاهد: سادات الناس في الدنيا الأسخياء

أخي المجاهد، للسخاء معانٍ عظيمة حثَّ عليها الإسلام ورغَّب بها، وأجزل العطاء لفاعلها، ووصف بالفلاح أصحابها، فقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

فالسخاء هو العطاء عن طيب نفس بدون أن تستكثر النفس ذلك العطاء أو تجد موجدة بعد إنفاقه، وإن أرفع درجات السخاء أن يجود المرء بنفسه في سبيل مولاه، فيقاتل أعداءه لتحكيم شرعه، ويتحمل في سبيل ذلك الأذى والجوع والنصب، ويقدم المال والأهل والولد، ومن جاد بنفسه هان عليه ما دون ذلك، ولذلك فإن الكرم والشجاعة صنوان.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وبالشجاعة والكرم في سبيل الله فضَّل الله السابقين فقال: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]" [مجموع الفتاوى].

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: (ما سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء قط فقال: لا) [متفق عليه].

ولنا في سيرة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند تجهيز جيش العسرة خير مثال، وقد قدَّم أبو بكر الصديق كل ماله، وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، وجهَّز عثمان بن عفان ثلث الجيش، وتصدَّق عبد الرحمن بن عوف بمئتي أوقية من الفضة، وقدَّم عاصم بن عدي سبعين وسقاً من تمر، وتصدَّقت النساء بالمعاضد والخلاخل، وتصدَّق العباس بتسعين ألفاً.

وتروي لنا السير أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- اشترى بئر رومية من اليهودي الذي كان يبيع الماء للمسلمين بسعر مرتفع، وجعلها للمسلمين دون مقابل، واشتهر عنه -رضي الله عنه- أنه كان عتَّاقاً للرقاب.

قال الإمام عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "ومقام الإنفاق من أشرف مقامات الدين وتفاوت الناس فيه بحسب ما جبلوا عليه من الكرم وضدهما من البخل والشح فالأول: محمود في الكتاب والسنة والثاني: مذموم فيهما، وقد حث الله -تعالى- عباده على الإنفاق لعظم نفعه وتعديه وكثرة ثوابه" [فتح المجيد].

وقال بعضهم للسخاء صور كثيرة غير مقتصرة على بذل المال فحسب، بل هي أعم وأشمل، منها سعي الإنسان في قضاء حوائج الناس وتنفيس كرباتهم، ومنها السخاوة بالجاه، بحيث يبذل المرء استطاعته في الشفاعات الحسنة، وبذل القدرة في إحقاق الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة الضعيف، وسخاوة الإنسان بوقته في سبيل نفع الناس، كالتعليم والتدريب وغيره، والنصح والإرشاد، ومن صوره كذلك البشاشة في وجوه الناس، والتجاوز عمن أساء.

أخي المجاهد، أنفق وأبشر بالثواب، وأبشر فلا خوف ولا حزن، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262].

أخي المجاهد، أنفق فقد تكفل لمن يعطي بأن يخلف له ويرزقه، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].

فتأمل أخي هذه النصوص المباركة وتذكرها دائما واجعلها دافعا لك على السخاء في جميع حالاتك، تنل عطاءً لا حدود له من الله تعالى.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً