تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ إن معصية الله تنقص الإيمان، ولكنها لا تزيل عن صاحبها ...

منذ 2025-08-23
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ

إن معصية الله تنقص الإيمان، ولكنها لا تزيل عن صاحبها الوصف به، ولا تمنع عنه الحقوق التي تجب لكل مؤمن، إلا أن تكون تلك المعصية شركا بالله أو كفرا به، فإنها تنقض الإيمان، وتمنع من اتصاف صاحبها بوصفه، كما تمنع عنه حقوق أهل الإيمان، وتوجب معاملته معاملة المشركين المعاندين.

وهذا الأمر من أهم أصول أهل السنة والجماعة، التي تفرق بينهم وبين أهل البدع من الخوارج وسواهم من أهل الأهواء، الذين يكفِّرون بمطلق المعصية، ويخرجون الناس من صف المؤمنين، ويعاملونهم معاملة المشركين بمجرد وقوع أحدهم في كبيرة.

ولا يخفى على مسلم أن القعود عن الجهاد والفرار من الزحف هما من الكبائر التي تُغضب الرب جل وعلا، ويترتب عليها الذنب الكبير لمن فعلها، ولكن رغم عظم هذا الذنب فإنه مشمول أيضا بمغفرة الله -عز وجل- لفاعله إن شاء، وتوبته عليه إن تاب منه، وتكفيره بفعل غيره من الحسنات.

وقد وقع في هذه المعصية نفر من خيار الناس، وهم صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما حدث في غزوة أحد، حيث زلَّت كثير من الأقدام، وعاتبهم الله -سبحانه- على فعلهم بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]، فالذين وقعوا في هذه الكبيرة من الصحابة قد مكَّنوا الشيطان من أنفسهم بما اكتسبوا من الذنوب فاستزلهم عن الثبات مع رسول الله، وانهزموا أمام المشركين، ولكن الله -عز وجل- حلم عليهم، فلم يسارع لهم بالعقوبة جزاءا على فرارهم، بل أخرهم ثم عفا عنهم وغفر لهم، وهكذا يعامل الله -جل جلاله- أولياءه المؤمنين، فهو الغفور الحليم.

وعلى هذه السنة ينبغي أن تكون معاملة المسلم لأخيه المسلم، ولو استزله الشيطان فوقع في كبيرة من الكبائر، كالتولي يوم الزحف، فإن هذه المعصية لا تزيل عنه صفة الإيمان الظاهر، الذي على أساسه تقوم المعاملة بين المؤمنين.

وإن كان بعض المسلمين قد استزلهم الشيطان هذه الأيام، فتركوا جهادهم، أو نقضوا هجرتهم، أو نكثوا عهودهم وبيعاتهم، فإن كل ذلك من كبائر الذنوب ولا شك، وإننا نبرأ إلى الله منها، ولكننا رغم ذلك نحفظ لمن فعلها حق ولايتنا لهم ما داموا متصفين بصفة الإيمان، ولم ينقضوا أصل دينهم، بطعنهم فيما كانوا به من أحكام الشريعة مقرين، أو إعانتهم لأعدائنا من المشركين، أو إظهار الكفر من بعد النفاق الدفين.

وعلى كل مسلم أن ينظر إليهم نظرته إلى أي من العصاة، وأن يجهد نفسه في تذكيرهم بالله عز وجل، ودعوتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله سبحانه، فإن أكثرهم -بفضل الله- قد حيت قلوبهم طويلا بذكر الله، فإن ران عليها شيء، بسبب حب الدنيا وكراهية الموت، فإنه لن يكون صعبا جلاء تلك القلوب، وإحياؤها من جديد بذكر الله تعالى، والخوف منه سبحانه، لتعود نابضة بحب هذا الدين وأهله، والشوق إلى الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة والمنازل العلى من الجنة، ولن يتعب المرء في إزالة الغشاوة التي ألقاها الشيطان على أبصارهم، فأعمتهم عن رؤية الخير الذي كانوا فيه، والفتنة التي يساقون إليها، فإذا أصابوا ذنبا تذكروا وأبصروا الهدى، وتمسكوا به.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].



• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً