لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على ...

منذ 5 ساعات
لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ


الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إن كثيرا من الناس يجحد نعم الله -تعالى- عليه ويدعي أنه شاكر لله سبحانه، وهو يظن أن الشكر قول باللسان دون العمل بالجوارح والأركان، وهذا الفهم الخاطئ لمعنى الشكر يستدعي تبيان معاني الشكر التي أرادها الله -تعالى- من خلقه.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].
قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} على أعدائكم وأنتم يومئذ أذلة، يعني: قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوكم، مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عدداً منكم حينئذ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ}، يقول تعالى ذكره: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يقول: لتشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضلَّ عنه مخالفوكم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

إن الله -سبحانه وتعالى- يعلمنا معنى الشكر في هذه الآية الكريمة، وكيف نشكره عندما يمُنُّ علينا بنصر من عنده ونحن ضعفاء قليلون وعدتنا قليلة ضعيفة، فهذه الآية في غاية الأهمية، فإن من المعلوم أن الشكر يكون بالعمل، كما قال سبحانه وتعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13]، أي اعملوا بطاعة الله شكرا على نعمه، وكذلك معنى الشكر في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]، هو بالعمل بأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه حيث تتحقق التقوى، وهذه المناسبة كانت في تذكير الله للمؤمنين بأنه نصرهم في معركة بدر ولم يكن بين المسلمين والكفار تقارب من ناحية العدد والعدة، فكان الصحابة قليلِين وعدتهم بسيطة، وكان الكفار يملكون السلاح والخيالة والعدد الكثير، لكن الله -سبحانه- نصرهم بجند السماء وأيدهم بنصره، وهذا لأن الصحابة تعلقت قلوبهم بالله وصدَّقوا رسوله -صلى الله عليه وسلم- بما وعدهم من النصر والظفر، وهذه النعمة تستحق الشكر لله سبحانه وتعالى، والشكر بتعظيم أوامر الله هو من تقوى القلوب، كما قال الله سبحانه، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، فالتقوى لا بد معها من تنفيذ الأوامر، مع اجتناب ما حرَّم الله -تعالى- واجتناب الذنوب والنواهي، كما قيل:

دع الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق
أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرة
إن الجبال من الحصى

فلا بد من تحقيق الشكر لله بكلا جانبيه ليتحقق النصر، جانب الأوامر وجانب النواهي، وإن كان المجاهدون قد استسلموا لأمر ربهم وخضعوا بطاعته في قتال أعدائه صفا واحدا، فلا بد أيضا من عدم إغفال الجانب الآخر وهو الخضوع له في اجتناب نواهيه، وإن من أعظم النواهي التي تمنع ثمار العمل الصالح وتُخلُّ بالشكر وبالتالي تُؤخر النصر، هي الاختلاف والتباغض والتحاسد والغيبة والطعن والنميمة وفساد ذات البين، وهذه الآفات لا بد أن يخلو صف أهل الإيمان منها، فهي التي تُضعف الصف المؤمن وتُؤخر نعمة النصر وتُفضي إلى الفشل وغضب الله -تعالى- وحرمان حسنة التمكين في الدنيا، كما قال ربنا جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

فهنا في هذه الآية أمرٌ بالطاعة والصبرِ ونهيٌ عن التنازع لأنه يفضي إلى الفشل وذهاب القوة، وعلى كل مجاهد أن يدرك هذه السنن والحقائق التي لا تحابي أحدا وأن يلتزم بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويصبر على طريق الجهاد ويربي نفسه على السمع والطاعة للأمراء وينأى بنفسه وإخوانه عن كل موطن يؤدي إلى التنازع والاختلاف، فيحفظ الحقوق ويؤدي النصيحة كما يحبها الله تعالى.

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً