وإذا كان الإخلال بمعاني الشكر يكون في القعود عن أوامر الله والوقوع في مناهيه، فإن أعظم من ذلك كله ...

منذ 2025-08-27
وإذا كان الإخلال بمعاني الشكر يكون في القعود عن أوامر الله والوقوع في مناهيه، فإن أعظم من ذلك كله من وقع في الشرك وفسَق عن أمر ربه، فإنه نقض كل معاني الشكر التي يستحقها الخالق جل وعلا، فإن المتدبر لقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32]، يعلم قبح فعل الكافر لنعم الله تعالى، فهو الذي خلقه ورزقه وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، ثم يقوم هذا الكفور بربه فيعبد غيره ويصرف للأنداد أنواع العبادات ويصرف الشكر لغيره، والله -تعالى- هو الخالق المستحق للشكر بعبادته وطاعته والاستجابة لأوامره والتصديق برسله، ولذلك قال -سبحانه- مذكرا بنعمه على عباده لكي يشكروه عليها فقال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "والله -تعالى- أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولا تفقهون بها، وتميزون بها الخير من الشرِّ وبصَّركم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض، {وَالأفْئِدَةَ} يقول: والقلوب التي تعرفون بها الأشياء فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والأنداد، فجعلتم له شركاء في الشكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك" [جامع البيان في تأويل القرآن].

ولو تأمَّل المتأمل حال أكثر أهل الأرض لتعجَّب ممَّا هم فيه من صرف الشكر لغير الله باتخاذ الأنداد والوقوع في أنواع كثيرة من الشرك بالله، سبحانه وتعالى، فمن عبادة الأصنام وعبادة الحيوانات إلى عبادة القبور والبشر وانتهاءً بشرك الديموقراطية ومنازعة الله -تعالى- في الحكم والتشريع، وهذا حال كثير من الناس اليوم من المنتسبين للإسلام والله المستعان، الذين طابق حالهم حال أولئك الذين قال الله فيهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، قال ابن عباس: "تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره"، وهؤلاء تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره بصرف عبادة الحكم لسواه، ويصنعون الطواغيت بأيديهم حين يوصلونهم إلى سدة التشريع في البرلمان بواسطة الانتخابات كمن يصنع صنما بيديه ويعبده، فيطيعونهم في تشريعهم ويتحاكمون إليهم، والله -تعالى- يقول: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فلله الخلق والحكم والتشريع، فتبارك الله أحسن الخالقين، وتبارك الله أحكم الحاكمين، وتعالى الله عن شرك المشركين وجحود الكافرين وافتراء الطواغيت المشرعين، وتعالى الله عما يصفون ويشركون، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً