الفتن والابتلاءات (1) الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من أرسله ربه ...

منذ 2025-08-27
الفتن والابتلاءات (1)

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من أرسله ربه شاهداً ومبشراً ونذيراً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد..

فقد بيَّن الله -تعالى- أن إرادته الشرعية في خلق العباد أن يعبدوه مخلصين له الدين، واقتضت حكمته البالغة أن يكلف العباد بفعل ما يحب وترك ما يكره، وأن يجعل لهم إرادة واختياراً فيختاروا أحد الطريقين: طريق الهدى أو طريق الضلال، دون أن يجبرهم على طاعة أو معصية، مع أن جميع أفعالهم لا تقع إلا بمشيئة الله سبحانه، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وهذه هي هداية الدلالة بأن بيَّن لهم وميَّز لهم طريق الحق من طريق الباطل، وقد وصف الله -تعالى- نفسه بأنه المبين في قوله: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25]، ووصف نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأنه مبين فقال سبحانه: {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [الدخان: 13]، ووصف كتابه بأنه مبين: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15]، لئلا يكون للناس حجة على الله بعد ذلك، والله -تعالى- يهدي من يشاء بحكمته وفضله ورحمته، ويضل من يشاء بحكمته وعدله.


• الابتلاء بالنعم وبالمصائب:

يريد الله -تعالى- من عباده أن يداوموا على طاعته وامتثال أوامره في السراء والضراء، وأن يقابلوا نعمه بالشكر، ويقابلوا المصائب بالصبر.

وأما النعم فالله -تعالى- يصيب بها المؤمن والفاسق، ولذلك أنكر الله -تعالى- على من يعد نعم الله الدنيوية إكراماً له، ويعد تضييق الرزق إهانة له، فقال سبحانه: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا} [الفجر: 15 - 17]، فالله -تعالى- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وأما الدين فلا يعطيه إلا لمن يحب.

وكذلك المصائب الدنيوية تصيب الطائع والعاصي، فالفقر والأمراض ونقص الأنفس والجوع والخوف تصيب المسلمين والكافرين، ولكن المسلم له مواقف عدة من هذه المصائب:

1- أولها أنه يعلم أنها من عند الله سبحانه، فيرضى ويسلِّم.

2- وأن لله فيها حكمة قد تظهر للخلق وقد يجهلونها.

3- الإيمان بقضاء الله وقدره، وأنه قدّر الخير والشر، ولا يقول لو كان كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل، كما أمرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، فالمؤمن لا يلوم نفسه على وقوع المصائب، لأنها قدر الله.

4- أن هذه المصيبة قد أصابته بذنب أذنبه، لقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فيستغفر الله ويتوب إليه من ذنوبه، وهو موقن بأن الله -تعالى- يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.


• الصبر على الأذى فيه:

هناك مشاق ومصائب وأذىً ومحن تصيب المسلم بسبب دعوته إلى الله وإعلانه الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين والطواغيت وأتباعهم، وأيضاً بسبب مجاهدته لأعداء الله بالحجة والسنان، فهذه يعلم المؤمن أنها ابتلاءات تجري على سنة الله في عباده المجاهدين، بحيث يمحصهم ثم يمحق أعداءهم، ويكشف بها الصادق في إيمانه من الكاذب، والمؤمن من المنافق، فهذه الابتلاءات والفتن يستقبلها المؤمن بالرضا والصبر والاستمرار في دعوته وجهاده، كما أنه لا يهين ولا يستكين لعدوه ولا يحزن لما أصابه في سبيل الله، ويستشعر علوه على الكافرين بإيمانه بالله عز وجل، وقد يجتمع مع هذه السنن الإلهية وقوع معصية من العباد فيحصل الابتلاء والتمحيص، ويعقبهما لطف الله بعباده وعفوه عنهم لاستمرارهم في طاعته ومجاهدة أعدائه، كما حصل في غزوة أحد، فقد حصل الفشل بسبب معصية بعض الرماة وحبهم للدنيا، ولكن الله –تعالى- عفا عنهم بعد أن ابتلاهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152].

وأخبر -تعالى- في السياق نفسه ما حصل في غزوة أحد أن له حكماً كثيرة من صرفه للمؤمنين عن الكافرين، قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137].

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً