وإذا نظرنا إلى تجربة الجهاز الأمني للدولة الإسلامية، فإنه قد تمكن -بفضل الله- خلال السنوات الماضية ...

منذ 2025-08-27
وإذا نظرنا إلى تجربة الجهاز الأمني للدولة الإسلامية، فإنه قد تمكن -بفضل الله- خلال السنوات الماضية من شلِّ قدرة الخلايا الأمنية المعادية على تنفيذ أي هجمات داخل أراضي الدولة الإسلامية إلى حد كبير، ولذلك انحصر عملها بتقديم المعلومات وإرسالها إلى أجهزة المخابرات العالمية لتتولى التنفيذ عن طريق سلاح الجو الذي استهدف بكثافة كل الأهداف التي قدَّم الجواسيس المعلومات عنها، مستهدفين الإخوة بالقتل، ليأسهم من تحقيق اختراق على الأرض يمكنهم من اعتقالهم والحصول منهم على معلومات ثمينة بالنسبة إليهم، وحتى عندما اضطرتهم أهمية بعض الأهداف إلى السعي لتحقيق ذلك، فإنهم اعتمدوا على قوات عسكرية خاصة، محمية بسرب من الطائرات المقاتلة، وكان التنفيذ في المناطق الصحراوية غالبا، ومع ذلك كان النجاح محدودا، لتفضيل الإخوة القتل على الاستئسار للمشركين.

وبذلك تتبين أهمية الإجراءات الأمنية في حماية الأخ المجاهد، وحماية العمل الجهادي، وعموم مصالح الدولة الإسلامية، من اعتداءات المشركين، فهي أهم الأسلحة التي بيده، إن لم تكن السلاح الوحيد أحيانا.

وتزداد أهمية هذا السلاح الوقائي عند المجاهدين العاملين في ديار الكفر، تحت أعين وسمع المخابرات الكافرة، حيث يضطر المجاهد إلى التحرك في أوساط معادية غالبا، تلتقط أي إشارة خطر لتقوم بإيصالها إلى المخابرات، التي حولت عامة الناس في تلك البلدان إلى جواسيس فاعلين لها، ينقلون كل شاردة وواردة إلى عملائها، هذا فضلا عن أجهزة المراقبة والتتبع الكثيرة التي نصبتها أجهزة المخابرات في كل شارع، وعلى كل هاتف، ووسط كل تجمع عام.

فهنا يتحرك المجاهد بلا أي سلاح مادي، منعا للاشتباه به، وبذلك فإن مقتله يكون بمجرد انكشافه للعدو، الذي لن يعجزه اعتقاله بأبسط الوسائل، وأقل التكاليف، فلا يكون للمجاهد في هذه الحالة من سلاح يقي به نفسه من الاعتقال، أو القتل، وعمله الذي يشرف عليه من الانكشاف والتخريب، سوى مجموعة الإجراءات الأمنية التي يمنع بواسطتها عدوه من التعرف عليه، أو الوصول إليه، ومن ثم استهدافه بالقتل أو الاعتقال.

علم الأمن

إن "الأمنيات" هي مزيج بين الفطرة، والفن، والعلم، فالأصل أن يكون المجاهد بفطرته حريصا على أمنه وأمن إخوانه والعمل الذي يقومون به عموما، حذرا من أعدائه، لا يأمن جانبهم، ولا يغفل عن التحسب لصد هجماتهم.

كما يمكن للمجاهد أن يكتسب هذه الصفات الحميدة من خلال التجارب التي يمرُّ بها في حياته، أو يمرُّ بها إخوانه، فتتكون لديه بذلك خبرة في وقاية نفسه وإخوانه وعملهم من مساعي عدوه في اختراق أمنهم وتهديدهم، بل والانتقال من الجانب الوقائي إلى الجانب الدفاعي، أو حتى الهجومي الذي يستهدف كسر "أمنيات" العدو، وتحقيق أهداف العمل الجهادي.

والأفضل أن يستبق المجاهد عمله الجهادي بتعلم هذه الإجراءات، فقد صار (الأمن) علما متكاملا اليوم، يدرس في الجامعات والأكاديميات العلمية، وتعطى فيه الدورات والمحاضرات، وقد دوِّن في الكتب والملخصات، كما هو جارٍ في الأجهزة الأمنية التي تعمل لصالح الدول والحكومات، بل وحتى في المؤسسات العاملة على تأمين الشركات والمصالح الخاصة والأفراد.

وإنه من الأفضل أن يُختار للأعمال الجهادية التي يتعرض العاملون فيها لمخاطر أمنية الأفراد الذين يمتلكون إمكانيات ذاتية (فطرية) ملائمة لهذا العمل، ولديهم القدرة على الاستفادة من الخبرات المكتسبة من قبلهم في هذا الميدان، أو اكتساب المعلومات المنقولة إليهم من غيرهم، وفوق ذلك كله أن يكون لديهم القابلية والقدرة، على تطبيق هذه الخبرات والمعارف، لا أن تحفظ عن ظهر قلب، ويعمل بغيرها أو بخلافها.

فما يميز هذا العلم أنه علم تطبيقي، لا يكفي فيه العلم المجرد عن العمل، ولا يكفي أن يعرف المتعلم أن هذا الإجراء يتخذ في ظرف معين، ولا يتخذ في ظرف آخر، أو أن يقر أن هذا الإجراء صحيح، ويجب العمل به، ولكن يجب أن يطبِّق هذا الإجراء فعليا وبالطريقة الصحيحة، فعندها فقط يكون الإجراء مفيدا، أما أن يعرف للحفظ والاستظهار، فإن صفحات الكتب أكثر فائدة في هذا الباب من صدور الرجال.

وقد كانت هناك محاولات عديدة، لتدوين هذا العلم، من قبل بعض المختصين، وسنحاول في هذه السلسلة من المقالات -بإذن الله- أن نكمل ما نراه ناقصا فيما كتبوه، ونسهل ما صعب فهمه من كلامهم، ونصحح ما نرى فيه من أخطاء، نسأل التوفيق، وأن يهدينا سواء السبيل.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 124
الخميس 5 رجب 1439 ه‍ـ

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً