الصحوات والمخابرات قصة مكرَّرة مع بدايات الجهاد في الشام، بدأ سباق مخابرات الطواغيت على الساحة ...
منذ 2025-09-04
الصحوات والمخابرات قصة مكرَّرة
مع بدايات الجهاد في الشام، بدأ سباق مخابرات الطواغيت على الساحة عن طريق استدعاء كلٍّ منها لمن تستطيع من قادة الفصائل لإغرائهم بالأموال والدعم والإشهار في وسائل الإعلام، لقاء قبولهم جعل قرارات فصائلهم تابعة لأهواء الداعمين، وقد وجدوا منهم أكثر مما يحتاجون لتنفيذ مخططاتهم عددا، وأقل مما كانوا مستعدين لدفعه لقاء الحصول على خدماتهم ثمنا.
حينها كان ردُّ كثير من أولئك المرتدين لتبرير ارتباطهم بمخابرات الطواغيت الزعم أنهم يخادعون تلك الأجهزة للحصول منهم على الدعم والتمويل، نافين رغبتهم في تحقيق أي من مطالب الطواغيت، والحلف بأغلظ الأيمان أنهم مجاهدون صادقون في سعيهم لتكون غاية جهادهم إقامة الدين وتحكيم الشريعة.
ولم يطل بهم زمان حتى بدأوا يفعلون كل ما حذرهم منه المجاهدون، فبدأت التصريحات تخرج من قادة الفصائل تتراً يعلنون فيها رغبتهم في إقامة "الدولة المدنية" وإرساء الديموقراطية، ثم تكشفت أسرار اللقاءات في أنطاكيا وإسطنبول عن اتفاقات وقَّع فيها قادة الفصائل على قتال الدولة الإسلامية لقاء حصولهم على الدعم، ومع ذلك استمروا في كذبهم زاعمين أن هذا جزء من خطة خداعهم للطواغيت والصليبيين، منكرين عزمهم على تنفيذ ما تعهدوا لأوليائهم بتنفيذه.
ولا شك أن قادة تلك الفصائل ارتدوا عن دينهم بمجرد نطقهم بالكفر أو توقيعهم عليه، ولو زعموا أنهم لم يؤمنوا بما قالوه أو وقَّعوا عليه، وتبعهم في كفرهم أتباعهم لمَّا ثبتت لديهم أفعال قادتهم ثم بقوا موالين لهم، منتمين إلى طوائفهم المرتدة.
ولكن على الجانب السياسي من الموضوع، يستغرب المرء كيف زيَّن الشيطان لهؤلاء سوء أعمالهم، وتخيلوا لحين من الزمن أنهم أذكى من أجهزة المخابرات الكافرة، بحيث يتمكنون من خداعهم فيأخذون منهم الأموال والسلاح دون أن يحققوا لهم ما أرادوه منهم، متناسين أن هذه الأجهزة تعمل منذ عشرات السنين في هذا الميدان، الذي كانوا ولا زالوا فيه أغرارا، وأن أولئك الطواغيت لن يقدِّموا لهم طلقة واحدة حتى يتأكدوا أنها لن توجه إلا إلى الجهة التي يريدون، وأن كل فصيل كان يخضع لجهاز مخابرات ما فإنه كان يخترق فورا بعدد كبير من الجواسيس الذين ينقلون أدق المعلومات عن الفصيل إلى الممولين، خاصة في ظل الصراعات على السلطة داخل كل فصيل، وسعي كل متنفذ فيه إلى السيطرة على خط الدعم عن طريق إرضاء الممولين.
ولم يطل الزمان بتلك الفصائل حتى وقعت تماما تحت سيطرة أجهزة المخابرات، وتحوَّلت إلى مجرد أوراق تفاوض في أيدي الطواغيت، وكان أي فصيل يحاول أن يبدي أي نوع من التمرُّد يستدعى قادته فورا للقاء أسيادهم فإن لم يعودوا للطاعة المطلقة يجري إبلاغهم بصعوبة الاستمرار في تمويلهم، ما يعني قطع الدعم عنهم وحجب الرواتب عن أتباعهم، مع ما يعنيه ذلك من احتمال تحولهم إلى فصائل أخرى لا زال تمويلها مستمرا، وبالتالي سيفكر ألف مرة قبل أن يقرر معصية أي أمر يأتيه من أولياء نعمته.
وهكذا رأينا تفرغ تلك الفصائل المرتدة لقتال الدولة الإسلامية لسنوات لم يفتحوا فيها معركة واحدة ضد النظام النصيري، لأن التمويل كان مخصصا لقتال الموحدين دون المشركين، كما حدث في ريف حلب الشمالي، وهكذا أيضا رأيناهم يسلمون المدن وينسحبون من المناطق دون قتال لأن داعميهم اتفقوا مع الروس والأمريكيين على ذلك، كما حدث في مدينة حلب ومنطقة الساحل وريف حلب الجنوبي، وهكذا رأينا جبهات كاملة يمنع فيها فتح أي معركة ضد الجيش النصيري ليتمكن من نقل قواته منها إلى جبهات أخرى مشتعلة، ثم يعود إليها بعد سنوات ليستلم المناطق من الصحوات، بعد أن يهجِّرهم وأهاليهم ومن وثق بهم إلى مناطق أخرى بعد أن يتحصلوا على الإذن بذلك من الداعمين، كما يحدث اليوم في الغوطة، ويتوقع له الحدوث أيضا في حوران وريف حمص الشمالي.
إن أكثر ما جرى في الشام من نكبات سببه مقاتلو الصحوات المرتدون الذين سلموا الساحة لأجهزة المخابرات لتحرف فوهات البنادق فيها إلى صدور الموحدين بعد أن كانت مسلطة على رؤوس النصيرية، ثم تقرر إسكات تلك البنادق بالكلية بعد أن أدت الغرض من توظيفها، وتسليمها إلى الجيش النصيري ليستعين بها على قهر المسلمين.
إن قصة الصحوات والمخابرات في الشام ليست وحيدة ولا فريدة، فما من ساحة جهاد إلا وعبثت فيها أجهزة المخابرات الكافرة، بعد أن وجدت من يرتزق بدينه، ومن يتاجر بمن يتبعه، والسعيد من اتعظ بغيره، والله لا يهدي القوم الكافرين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 هـ
مع بدايات الجهاد في الشام، بدأ سباق مخابرات الطواغيت على الساحة عن طريق استدعاء كلٍّ منها لمن تستطيع من قادة الفصائل لإغرائهم بالأموال والدعم والإشهار في وسائل الإعلام، لقاء قبولهم جعل قرارات فصائلهم تابعة لأهواء الداعمين، وقد وجدوا منهم أكثر مما يحتاجون لتنفيذ مخططاتهم عددا، وأقل مما كانوا مستعدين لدفعه لقاء الحصول على خدماتهم ثمنا.
حينها كان ردُّ كثير من أولئك المرتدين لتبرير ارتباطهم بمخابرات الطواغيت الزعم أنهم يخادعون تلك الأجهزة للحصول منهم على الدعم والتمويل، نافين رغبتهم في تحقيق أي من مطالب الطواغيت، والحلف بأغلظ الأيمان أنهم مجاهدون صادقون في سعيهم لتكون غاية جهادهم إقامة الدين وتحكيم الشريعة.
ولم يطل بهم زمان حتى بدأوا يفعلون كل ما حذرهم منه المجاهدون، فبدأت التصريحات تخرج من قادة الفصائل تتراً يعلنون فيها رغبتهم في إقامة "الدولة المدنية" وإرساء الديموقراطية، ثم تكشفت أسرار اللقاءات في أنطاكيا وإسطنبول عن اتفاقات وقَّع فيها قادة الفصائل على قتال الدولة الإسلامية لقاء حصولهم على الدعم، ومع ذلك استمروا في كذبهم زاعمين أن هذا جزء من خطة خداعهم للطواغيت والصليبيين، منكرين عزمهم على تنفيذ ما تعهدوا لأوليائهم بتنفيذه.
ولا شك أن قادة تلك الفصائل ارتدوا عن دينهم بمجرد نطقهم بالكفر أو توقيعهم عليه، ولو زعموا أنهم لم يؤمنوا بما قالوه أو وقَّعوا عليه، وتبعهم في كفرهم أتباعهم لمَّا ثبتت لديهم أفعال قادتهم ثم بقوا موالين لهم، منتمين إلى طوائفهم المرتدة.
ولكن على الجانب السياسي من الموضوع، يستغرب المرء كيف زيَّن الشيطان لهؤلاء سوء أعمالهم، وتخيلوا لحين من الزمن أنهم أذكى من أجهزة المخابرات الكافرة، بحيث يتمكنون من خداعهم فيأخذون منهم الأموال والسلاح دون أن يحققوا لهم ما أرادوه منهم، متناسين أن هذه الأجهزة تعمل منذ عشرات السنين في هذا الميدان، الذي كانوا ولا زالوا فيه أغرارا، وأن أولئك الطواغيت لن يقدِّموا لهم طلقة واحدة حتى يتأكدوا أنها لن توجه إلا إلى الجهة التي يريدون، وأن كل فصيل كان يخضع لجهاز مخابرات ما فإنه كان يخترق فورا بعدد كبير من الجواسيس الذين ينقلون أدق المعلومات عن الفصيل إلى الممولين، خاصة في ظل الصراعات على السلطة داخل كل فصيل، وسعي كل متنفذ فيه إلى السيطرة على خط الدعم عن طريق إرضاء الممولين.
ولم يطل الزمان بتلك الفصائل حتى وقعت تماما تحت سيطرة أجهزة المخابرات، وتحوَّلت إلى مجرد أوراق تفاوض في أيدي الطواغيت، وكان أي فصيل يحاول أن يبدي أي نوع من التمرُّد يستدعى قادته فورا للقاء أسيادهم فإن لم يعودوا للطاعة المطلقة يجري إبلاغهم بصعوبة الاستمرار في تمويلهم، ما يعني قطع الدعم عنهم وحجب الرواتب عن أتباعهم، مع ما يعنيه ذلك من احتمال تحولهم إلى فصائل أخرى لا زال تمويلها مستمرا، وبالتالي سيفكر ألف مرة قبل أن يقرر معصية أي أمر يأتيه من أولياء نعمته.
وهكذا رأينا تفرغ تلك الفصائل المرتدة لقتال الدولة الإسلامية لسنوات لم يفتحوا فيها معركة واحدة ضد النظام النصيري، لأن التمويل كان مخصصا لقتال الموحدين دون المشركين، كما حدث في ريف حلب الشمالي، وهكذا أيضا رأيناهم يسلمون المدن وينسحبون من المناطق دون قتال لأن داعميهم اتفقوا مع الروس والأمريكيين على ذلك، كما حدث في مدينة حلب ومنطقة الساحل وريف حلب الجنوبي، وهكذا رأينا جبهات كاملة يمنع فيها فتح أي معركة ضد الجيش النصيري ليتمكن من نقل قواته منها إلى جبهات أخرى مشتعلة، ثم يعود إليها بعد سنوات ليستلم المناطق من الصحوات، بعد أن يهجِّرهم وأهاليهم ومن وثق بهم إلى مناطق أخرى بعد أن يتحصلوا على الإذن بذلك من الداعمين، كما يحدث اليوم في الغوطة، ويتوقع له الحدوث أيضا في حوران وريف حمص الشمالي.
إن أكثر ما جرى في الشام من نكبات سببه مقاتلو الصحوات المرتدون الذين سلموا الساحة لأجهزة المخابرات لتحرف فوهات البنادق فيها إلى صدور الموحدين بعد أن كانت مسلطة على رؤوس النصيرية، ثم تقرر إسكات تلك البنادق بالكلية بعد أن أدت الغرض من توظيفها، وتسليمها إلى الجيش النصيري ليستعين بها على قهر المسلمين.
إن قصة الصحوات والمخابرات في الشام ليست وحيدة ولا فريدة، فما من ساحة جهاد إلا وعبثت فيها أجهزة المخابرات الكافرة، بعد أن وجدت من يرتزق بدينه، ومن يتاجر بمن يتبعه، والسعيد من اتعظ بغيره، والله لا يهدي القوم الكافرين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 هـ