الذين إن مكنَّاهم فـي الأرض (1) إن قضية الشعارات في كثير من الأحزاب والتنظيمات لا تتعدى كونها ...

منذ 2025-09-06
الذين إن مكنَّاهم فـي الأرض (1)

إن قضية الشعارات في كثير من الأحزاب والتنظيمات لا تتعدى كونها -غالباً- وسيلة لحشد الأتباع، وتحسين صورة الجماعة، وعلى هذه السنَّة تمضي بعض الجماعات المنتسبة إلى الإسلام، الزاعمة للجهاد في سبيل الله.

فعلى مدى قرن من الزمان، تابع المسلمون في كل مكان ولادة كثير من التنظيمات التي تتبنى أكثرها شعارات متقاربة، ثم تدَّعي أن لكل منها وسيلة مختلفة في تحقيق تلك الشعارات، التي كان ولا يزال شعار "إقامة الدولة الإسلامية" هو أشهرها وأكثرها انتشاراً، فنجد أن التنظيمات المقاتلة، والأحزاب المنغمسة في شرك الديموقراطية، وغيرها من التجمعات ذات التوجهات الدعوية أو العلمية أكثرها يزعم أن هدفه الحقيقي من كل نشاطاته هو أن تؤدي إلى "إقامة الدولة الإسلامية، وتحكيم الشريعة"، ويجادل أتباع كل منها بأن وسيلته هي المثلى، وأن وسيلة غيره لن تؤدي إلى غير تضييع الأعمار والأموال والخبرات فيما لا طائل منه.

ولقد كان تحقيق حلم الخلافة من قبل الثلة المجاهدة من الموحدين في العراق والشام، ومن انضم إلى جماعتهم من المجاهدين في شرق الأرض وغربها، زلزالاً عنيفاً هزَّ تلك التنظيمات، وعاصفة هوجاء اقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم، وذلك لما وجد أتباعها أن ما كان يمنيهم به زعماؤهم من خلال الطرق البدعية، حققه الموحدون باتباع طريق السنة القويم، بجهاد المشركين حتى إزالة الشرك من الأرض، وإقامة دين الإسلام مكانه، وتحويل الأرض بذلك إلى دار إسلام، تحكمها جماعة المسلمين بشرع رب العالمين.


• شروطٌ بدعيَّة لإقامة الدين:

ولما تبين للناس أن قضية "إقامة الدولة الإسلامية" لم تكن مجرد شعار دعائي عند جنود الدولة الإسلامية، بل كان عهداً عزم المجاهدون أن يحققوه، وصدقوا الله في ذلك -نحسبهم- فصدقهم -سبحانه- بأن مكن لهم في الأرض، خرج أفراد تلك التنظيمات يطالبون زعماءهم بتصحيح سعيهم، وتوضيح رايتهم، وإقامة الدين فيما مكًّنهم الله فيه من الأرض، بل ودعوهم إلى الانضمام إلى جماعة المسلمين، ومبايعة إمامها على السمع والطاعة، الأمر الذي هدد بنقض تلك التنظيمات التي فرقت المسلمين، وما زادتهم إلا خبالاً، فوجد أرباب تلك التنظيمات أنفسهم محاصرين بالأدلة الشرعية، التي تلزمهم بالخضوع لحكم الله في هذه القضايا، فما وجدوا عنها محيداً إلا أن يبتدعوا في دين الله، ويخترعوا فيه أحكاماً جديدة، يحسبون أنهم بخداعهم لأتباعهم من خلالها ينجون من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وهكذا وجدنا سفيه القاعدة في اليمن المدعو (قاسم الريمي) يخرج محاضراً في أتباعه شارحاً "مفاهيم" منهج القاعدة، ساعياً من خلال ذلك إلى نقض شرعية الدولة الإسلامية، بل وتأثيم مجاهديها، لأنهم قاموا -بحسب جهله المُركّب- بفعل غير شرعي، وهو تحكيم شريعة رب العالمين على أرضه، مستدلاً على ذلك بعدم تحقيقهم لما ابتدعه من شروط ما أنزل الله بها من سلطان.

والشرط الذي يكتمل لإقامة الدولة الإسلامية -بحسب قوله- هو عدم تحقق التمكين في الأرض للمجاهدين اليوم، طالما بقيت أمريكا وغيرها من الدول المتجبرة قادرة على نقض هذه الدولة، كما حدث مراراً مع من أعلنوا دولا وإمارات سمَّوها إسلامية، خلال العقود الماضية.

وبالتالي فإن وصف التمكين -بحسب هذا الاستدلال البدعي- يتحقق إذا ضمن من يقيمها أن لا يتمكَّن عدوُّہ من إزالتها أبداً، وأما إذا تحقق التمكين وفي الأرض من الدول القوية التي يمكنها الهجوم عليها وإزالتها فإن إقامة الدين وتحكيم الشريعة فيها -الذي ليست الدولة الإسلامية إلا صورة واقعية له- محرَّم في شريعتهم، لأن التمكين شرط صحة لها، وقد انتقض -حسب مذهبهم- بتهديد بقائه، واحتمال زواله.


• هل حققت الدولة النبوية شرط المبتدعة؟

ولو طردنا هذا الأصل الفاسد، لما حلَّ لمسلم في أي زمان ومكان أن يقيم الدين إن مكَّنه الله في الأرض، بل الواجب عليه -في دينهم- أن يهرب من هذه الأرض، هروب الصحيح من أرض الطاعون والجذام، لأن قيامه فيها بما يرضي الله سيجلب عليه غضب الجبابرة الكافرين، أو أن يحكم تلك الأرض بما يرضي أولئك الطواغيت، ليحفظ فيها تمكينه، وفي الوقت نفسه يخادع الناس من حوله بأن ما يفعله من امتناع عن إقامة الدين هو من إقامة الدين، وما يجريه على تلك الأرض من أحكام الجاهلية، هو حكم بالشريعة، كما نراه واضحاً الآن من فعل فصائل الصحوات في الشام.

6873fb4b67999

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً