سلامة الصدور من نعم الله على المؤمنين أن رتّب لهم أجورا على سلامة صدورهم واتساع خواطرهم ...
منذ 2025-09-06
سلامة الصدور
من نعم الله على المؤمنين أن رتّب لهم أجورا على سلامة صدورهم واتساع خواطرهم لإخوانهم، ولعِظم مكانة هذه الصفة الحميدة خصّ الله تعالى بها أهل الجنة فقال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.
ولمّا كان المسلمون الأولون، أذلة على إخوانهم، سليمة صدورهم تجاه بعضهم، صاروا يدا واحدة على من سواهم، فرُصت صفوفهم واشتد بنيانهم، وقويت شوكتهم ودان العرب والعجم لهم.
معنى سلامة الصدر
إن سلامة الصدر تعني خلّوه من الغل والحقد والحسد والضغينة تجاه المسلمين، فلا يحمل المسلم في صدره لأخيه إلا المحبة، ولا يظن به إلا خيرا، ولا يتمنى له إلا خيرا، بل يحب له الخير كما يحبه لنفسه.
ولكن، اعلم أخي المسلم، أنّ سلامة الصدر مما يشق على النفوس، فإن العبد قد يصبر على مكابدة قيام الليل وصيام الهواجر، لكنه قد لا يطيق إزالة ما رسب في قلبه على إخوانه! يشهد لذلك قصة الرجل الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)، والحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، إلا أن الشاهد منه قول الصحابي: "هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق"، فدلّ على أن تنقية الصدر من هذه العوالق لا تطيقه النفوس إلا بإرغامها وأطرها عليه.
كيف أحقق ذلك؟
إذن، المسلم مطالب ابتداء بمجاهدة نفسه في تحقيق سلامة صدره وتخليصه مما يوغره ويعلق به من غل ونحوه، فالمجاهدة أول الطرق إلى تحقيق ذلك.
- ومما يعين على ذلك: التوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يطهر قلبه من هذه الأدران، لأن الدعاء مفتاح كل خير، وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واسلل سخيمة صدري)، يعني نقّه من الغل والحقد.
- ومما يعين على ذلك مطالعة سير السابقين الأولين في تعاملاتهم فيما بينهم، وكيف اجتثوا جذور الغل والحسد والشحناء من صدورهم، بعد أن سمت نفوسهم إلى معالي الأمور وترفّعت عن سفاسفها، فما عاد يهمها من قال فيها بمدح أو ذم، وما عاد يحزنها أن يفوتها حظ من حظوظ الدنيا.
الصحابة وسلامة الصدر
لقد أثنى الله على الأنصار في كتابه لسلامة صدورهم تجاه إخوانهم المهاجرين، فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}، قال ابن كثير: "أي، ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين، فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة".
وحرصا على سلامة صدورهم، كان الصحابة يسارعون لتطييب خواطر إخوانهم لكي لا تتراكم هذه العوالق فتتكاثر على القلب حتى تملأه غلا وحقدا، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه: "أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ!)، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي"، فتأمل مسارعة الصدّيق إلى إخوانه ليتأكد أنهم لم يحملوا عليه في صدورهم، وتأمل ردهم عليه.
هكذا كان الصحابة الكرام، وهكذا رباهم نبينا عليه الصلاة والسلام، الواحد منهم يرى غيره من إخوانه خيرا منه، يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وينافسه في الآخرة لا في الدنيا.
إن بعض الظن إثم
ومما يعين على سلامة الصدر، ترك مهلكة الظنون، إذ ليس أهلك لصدر المؤمن وأروى لنبتة الضغينة في قلبه، من سوء الظن بإخوانه، لأنه يورث التجسس والغيبة والخوض في الأعراض والنيات، وقد حرّم الله تعالى ذلك كله ونهى عنه فقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، قال ابن كثير: "يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا... وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا". اهـ.
من نعم الله على المؤمنين أن رتّب لهم أجورا على سلامة صدورهم واتساع خواطرهم لإخوانهم، ولعِظم مكانة هذه الصفة الحميدة خصّ الله تعالى بها أهل الجنة فقال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.
ولمّا كان المسلمون الأولون، أذلة على إخوانهم، سليمة صدورهم تجاه بعضهم، صاروا يدا واحدة على من سواهم، فرُصت صفوفهم واشتد بنيانهم، وقويت شوكتهم ودان العرب والعجم لهم.
معنى سلامة الصدر
إن سلامة الصدر تعني خلّوه من الغل والحقد والحسد والضغينة تجاه المسلمين، فلا يحمل المسلم في صدره لأخيه إلا المحبة، ولا يظن به إلا خيرا، ولا يتمنى له إلا خيرا، بل يحب له الخير كما يحبه لنفسه.
ولكن، اعلم أخي المسلم، أنّ سلامة الصدر مما يشق على النفوس، فإن العبد قد يصبر على مكابدة قيام الليل وصيام الهواجر، لكنه قد لا يطيق إزالة ما رسب في قلبه على إخوانه! يشهد لذلك قصة الرجل الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)، والحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، إلا أن الشاهد منه قول الصحابي: "هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق"، فدلّ على أن تنقية الصدر من هذه العوالق لا تطيقه النفوس إلا بإرغامها وأطرها عليه.
كيف أحقق ذلك؟
إذن، المسلم مطالب ابتداء بمجاهدة نفسه في تحقيق سلامة صدره وتخليصه مما يوغره ويعلق به من غل ونحوه، فالمجاهدة أول الطرق إلى تحقيق ذلك.
- ومما يعين على ذلك: التوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يطهر قلبه من هذه الأدران، لأن الدعاء مفتاح كل خير، وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واسلل سخيمة صدري)، يعني نقّه من الغل والحقد.
- ومما يعين على ذلك مطالعة سير السابقين الأولين في تعاملاتهم فيما بينهم، وكيف اجتثوا جذور الغل والحسد والشحناء من صدورهم، بعد أن سمت نفوسهم إلى معالي الأمور وترفّعت عن سفاسفها، فما عاد يهمها من قال فيها بمدح أو ذم، وما عاد يحزنها أن يفوتها حظ من حظوظ الدنيا.
الصحابة وسلامة الصدر
لقد أثنى الله على الأنصار في كتابه لسلامة صدورهم تجاه إخوانهم المهاجرين، فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}، قال ابن كثير: "أي، ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين، فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة".
وحرصا على سلامة صدورهم، كان الصحابة يسارعون لتطييب خواطر إخوانهم لكي لا تتراكم هذه العوالق فتتكاثر على القلب حتى تملأه غلا وحقدا، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه: "أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ!)، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي"، فتأمل مسارعة الصدّيق إلى إخوانه ليتأكد أنهم لم يحملوا عليه في صدورهم، وتأمل ردهم عليه.
هكذا كان الصحابة الكرام، وهكذا رباهم نبينا عليه الصلاة والسلام، الواحد منهم يرى غيره من إخوانه خيرا منه، يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وينافسه في الآخرة لا في الدنيا.
إن بعض الظن إثم
ومما يعين على سلامة الصدر، ترك مهلكة الظنون، إذ ليس أهلك لصدر المؤمن وأروى لنبتة الضغينة في قلبه، من سوء الظن بإخوانه، لأنه يورث التجسس والغيبة والخوض في الأعراض والنيات، وقد حرّم الله تعالى ذلك كله ونهى عنه فقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، قال ابن كثير: "يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا... وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا". اهـ.